تعرّض موقع البرلماني الإيراني لهجومٍ إلكتروني عطّل شبكة البرلمان، وعلى إثره نشر متسلّلون، عدداً من الوثائق التي حصلوا عليها، فيما أكدت السلطات حدوث الاختراق، لكنها طعنت في صحة بعض الوثائق المنشورة، لا سيما أنها تحتوي فضيحة من العيار الثقيل للنظام الإيراني. 

السلطات الإيرانية سارعت لترجيح حدوث تلاعب في الوثائق التي حصل عليها المتسلّلون بعد عملية اختراق محدود لخوادم البرلمان، حسبما أفاد الإعلام الرسمي، في إشارة إلى أن عملية الاختراق وقعت قبل تعطّل المواقع، حيث احتوت هذه الوثائق المسرّبة على تفاصيل متعلقة بالعقوبات الدولية وكيف تعاملت إيران على تجاوز هذه العقوبات والتحايل عليها.

اهتزاز الكيان الإيراني

أتاحت مجموعة القرصنة التابعة لجماعة “مجاهدين خلق” المعارضة، والمسمّاة “انتفاضة حتى الإطاحة”، وثائق تتناول بيانات منتسبي البرلمان، من نوّاب وطاقم إداري وفريق حماية، كما شملت مجموعة من الرسائل المتبادلة، مصنّفة “سرّية وسرّية للغاية”، بين البرلمان وكبار المسؤولين، خصوصاً في الأجهزة العسكرية والأمنية، بما في ذلك قوات “الحرس الثوري” الجهاز الموازي للجيش النظامي.

القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني (الثاني من اليمين) يحضران اجتماعًا مراسم إحياء ذكرى وفاة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في طهران – إنترنت

واكتفت السلطات الإيرانية بدحض وثيقةٍ تشير إلى رواتب يتقاضاها نوّاب البرلمان، ولم تعلّق على الوثائق الأخرى. وهنا يذهب محمود عبدالكريم، الباحث بالشأن الإيراني، في حديثه مع “الحل نت ” قائلا: إن “الاختراقات للمواقع التابعة للسياسة الإيرانية ليست جديدة، ولها معنيان، الأول أن هذه الاختراقات تتم بمعرفة أشخاص داخل النظام الإيراني نفسه وهذا يوحي بقرب تآكل النظام الحاكم”. 

أما المعنى الثاني، هو أن هذه الاختراقات المتكررة تدلّ على فشل النظام الإيراني في تطبيق الحماية الإلكترونية المُحكمة، في الوقت نفسه يؤكد على مدى صلابة وقوة المعارضة داخل إيران.

محمود عبدالكريم، الباحث بالشأن الإيراني

عضو لجنة الأمن القومي في “البرلمان” الإيراني، شهريار حيدري، ذكر أن اختراق موقع “البرلمان” الإيراني يؤكد وجود قصور في نظام الأمن السيبراني بطهران مما يستدعي التحقيق في ذلك.  وقال النائب، وفقا لموقع “إيران إنترناشونال”، “نظرا إلى تكرار حالات الاختراق للمواقع التابعة للمؤسسات الإيرانية فإن ذلك يؤكد وجود ضعف في الأمن السيبراني للبلد”، مضيفا: “على الاستخبارات أن تقدّم إجابات واضحة”. 

وأكدت العلاقات العامة لـ “البرلمان” اختراق المواقع الإلكترونية لهذه المؤسسة، فيما وصف نظام الدين موسوي، المتحدث باسم “هيئة رئاسة البرلمان”، هذه الهجمات السيبرانية، بأن لها مثيلات في السابق، وقال إن الأجهزة الأمنية والفنية والرقابية تحقّق في الأمر.

المزيد من العقوبات الدولية

تكشف الوثيقة المسرّبة من “البرلمان” الإيراني أن طهران تتوقع تزايد الضغوط العالمية بعد هجوم “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بما في ذلك تصنيف “الحرس الثوري” الإيراني، على أنه إرهابي. والوثيقة عبارة عن تقرير استراتيجي صادر عن دائرة المراقبة في “البرلمان” بعنوان “آفاق التطورات الإقليمية بعد حرب غزة”.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يلقي خطابًا بينما تقدم إيران أول صاروخ باليستي تفوق سرعته سرعة الصوت “فتاح” (الفاتح) في حدث أقيم في طهران، إيران في 6 يونيو 2023. (تصوير سباه نيوز /غيتي)

ويقدّم التقرير لمحة عن تفكير النظام الإيراني حول تداعيات الصراع الذي اجتاح الشرق الأوسط منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. كما تحتوي الوثائق على تقرير تم إعداده في أوائل كانون الأول/ديسمبر الفائت، في الوقت الذي كثّفت فيه الجماعات المسلحة الإقليمية المدعومة من إيران هجماتها على أهداف إسرائيلية وأميركية للضغط على إسرائيل لوقف هجومها ضد “حماس”.

وقالت حركة “الانتفاضة حتى الإطاحة”، المرتبطة بشكل وثيق بمنظمة “مجاهدي خلق” المعارضة ومقرّها ألبانيا، إنها اخترقت 600 من الخوادم الرئيسية لـ “البرلمان”، بما في ذلك خوادم اللجان والمساعدينَ وبنك البرلمان والخوادم الأخرى المتعلقة بالوظائف الإدارية. 

وأبرزت الوثيقة المؤلّفة من 14 صفحة، أن طهران على علم بخطط الولايات المتحدة وإسرائيل لتحويل تركيزهما إلى إيران بعد حرب غزة، وتتوقع تصاعد الضغوط الدولية والمزيد من العقوبات الاقتصادية. وزعمت الوثيقة أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستتبنيان “مبدأ الأخطبوط”، وهو ما يعني اتخاذ إجراءات ضد طهران بدلاً من مواجهة مخالبها الوكيلة المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة. 

كما اشتملت الوثيقة على تقرير “البرلمان” الذي يؤكد على أن العديد من الدول ستلجأ إلى سياسة مزيدٍ من فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وهذا من خلال تعطيل مبيعات طهران النفطية المتزايدة، وفرض المزيد من العقوبات الأوروبية بناءً على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231، وهو أساس الاتفاق النووي لعام 2015، والذي انتهت ضوابطه وتوازناته في تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

لذلك توقعت الوثيقة أن تقوم واشنطن بدفع حلفائها لتصنيف “الحرس الثوري” وهو الجهاز الرئيسي الذي يحرك خيوط معظم الميليشيات الإقليمية، على القائمة السوداء كمجموعة إرهابية. حيث أدرجت الولايات المتحدة “الثوري” الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية في عام 2019. 

وتوقعت الوثيقة أيضاً أن تكون الموارد الخارجية الإيرانية، مثل عائدات صادراتها في البنوك الأجنبية، هدفاً للمجتمع الدولي للضغط على إيران. كما تتصور الوثيقة تشكيل تحالف دولي موحّد ضد طهران، وحددت الوثيقة سيناريوهات محتملة مختلفة، واستكشف الاحتمالات مثل إنهاء حرب غزة مع الوضع الراهن – والذي وصفته الوثيقة بأنه انتصار لحماس – أو إدامة الصراع دون نتائج حاسمة.

طهران والتحاليل على العقوبات الدولية

الوثائق المسربة كشفت عن مجموعة واسعة من استراتيجيات طهران للتحايل على العقوبات الأميركية. وفي هذا الصدد بيّن عبدالكريم لـ” الحل نت”، أن طهران تعتمد في تجاوز العقوبات المفروض عليها على العلاقات الخفية القائمة بين البنوك الصينية وبعض من الدول الغربية التي تقدم الخدمات بشكل خاص في كلا من قطاع الطاقة والصناعة مما يعود بالفائدة المباشرة على الاقتصاد الإيراني المحاصر.

منذ طوفان الأقصى حتى اليوم حماس تكشف فضائح إيران وأسرار تفاهماتها؟ تحايل إيران على العقوبات النظام الإيراني الحرس الثوري البرلمان
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يتحدث خلال تجمع حاشد خارج السفارة الأميركية السابقة في العاصمة طهران، بمناسبة الذكرى 43 لبدء أزمة الرهائن في إيران. (تصوير أتا كيناري / وكالة الصحافة الفرنسية)

وبالتالي عدم انهيار النظام الإيراني الحالي، كما أن إيران لديها العديد من شركات الصرافة والحسابات البنكية التي تسهم في إعادة ضخ الدولارات بشكل دورياً، مما يمكن طهران من التقليل من حدة العقوبات ومنع انهيار العملة الإيرانية.

الوثائق أظهرت تنسيق البرلمان مع كيانات وأفراد إيرانيين محددين لتسهيل أنشطتهم التجارية وإخفاء هوياتهم وارتباطاتهم عن الهيئات التنظيمية الدولية. وتشمل الإجراءات التلاعب بوثائق الشراء واللوائح الجمركية وكذلك الحوافز المصرفية وإمدادات العملات الأجنبية لتعويض الأضرار المتكبدة بسبب العقوبات. 

ومن بين المجموعة الواسعة من الاتصالات الداخلية والوثائق السرية التي تم تسريبها، رسالة مكونة من 14 صفحة تحدد طرقًا عديدة لتجاوز العقوبات ودعم الأفراد والكيانات الخاضعة للعقوبات التي تمت مناقشتها في جلسة مقر مكافحة العقوبات الإيراني التي عقدت في آب/أغسطس 2023. 

ووقّع الرسالة السرية محمد مير محمدي، نائب الشؤون الاقتصادية والتكنولوجية بأمانة المجلس الأعلى للأمن القومي، موجهة إلى محسن رضائي أمين المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي لفروع الحكومة. كما تم إرسال نسخة من الرسالة إلى رؤساء الفروع الثلاثة للحكومة الإيرانية، وهم الرئيس و”رئيس القضاة” بالإضافة إلى رئيس “البرلمان”.

ووفقاً للرسالة المسرّبة، أصدر المقرّ الرئيسي لمكافحة العقوبات، مرسوماً ينصّ على أن الأفراد الخاضعين للعقوبات لديهم “إمكانية تغيير هويتهم بغرض مواصلة أنشطتهم”. كما سيستفيدون من تسهيلات أخرى مثل “الحوافز المالية في مجالات الأعمال المصرفية والتأمين والضرائب والجمارك”. 

التزوير ثم التزوير

كما تضمنت هذه الرسالة، إحدى القضايا التي تم تسليط الضوء عليها، وهي “دمج الموافقات على الأنشطة السرية”. ويحمل هذا الأمر أهمية كبيرة بالنسبة للنظام، والدليل على ذلك تشكيل لجنة متخصصة تسمى لجنة “الغلاف”، وهي تابعة لـ”مقر مكافحة العقوبات”. 

لافتة ضخمة تحمل صور القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني (يسار)، والمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، معروضة على مبنى بنك حكومي مجاور للسفارة الأمريكية السابقة في طهران، 2 نوفمبر ، 2023. (تصوير مرتضى نيكوبازل / غيتي)

وتضمن قرار آخر “توفير تغطية وقائية وأمنية” لجميع المديرين والوكلاء والأشخاص الذين يعملون على تحييد العقوبات، بهدف “تحصينهم” ضد الأضرار المتكبدة. وورد في الرسالة توفير الخدمات القانونية والقضائية محليًا ودوليًا لدعم الأشخاص المعرضين لخطر الانتقام بسبب جهودهم للتهرب من العقوبات. 

كما تناولت طرق تجاوز القيود المفروضة على استيراد السلع الخاضعة للعقوبات والسلع ذات الاستخدام المزدوج، بالإضافة إلى ممارسات مثل عدم تقديم شهادة منشأ أو قبول شهادة منشأ غير متطابقة من شركات غير إيرانية، والتلاعب بالوثائق بأسماء المشتري، وتغيير اسم أو تفاصيل اتفاقية الشراء. 

كما تم إدخال استخدام الوسطاء الأجانب للسلع الخاضعة للعقوبات كممارسة شائعة مع السماح للجمارك بتغيير الإعلانات لتجنب الكشف عن معلومات حول البضائع المستوردة. وقد نجحت هذه الآليات، على مدى عدة سنوات، في إنشاء نظام مالي خفي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الإيراني. وقد اعترفت السلطات الإيرانية مرارا وتكرارا بجهودها للتحايل على العقوبات الأميركية، وتم اعتقال بعض الأشخاص في أوروبا والولايات المتحدة بتهمة التورط في هذا التحايل. 

جدير بالذكر أن إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، اعترف علنًا في عام 2023 بأنه كلف “ضبّاطًا” محددين بالتحايل على العقوبات. وقال: “إذا اعترضنا العدو في مكان سنتقدم من مكان آخر هذا هو جوهر التحايل على العقوبات”.

أساليب النظام الإيراني للتهرّب من العقوبات باتت مختلفة، أحدها ينطوي على استخدام الأغطية الدبلوماسية، حيث روى محمد مخبر، النائب الأول لرئيس النظام ورئيس “هيئة مناهضة العقوبات”، حادثة وقعت خلال الاجتماع الأخير لرؤساء الوفود الإيرانية في الدول المجاورة: “لقد واجهنا صعوبات في شراء المعدات اللازمة لإنتاج اللقاح خلال معاملة مالية مع دولة معينة، حيث تم تصنيفها على أنها تتعلق بمعدات اللقاح. ونتيجة لذلك، لم نتمكن من الحصول على المعدات المذكورة. ومع ذلك، نجح سفيرنا الموقّر في نقل الجهاز إلى البلاد متنكّراً في شكل أثاث منزلي”. وأثار الكشف غير المقصود عن هذه الحادثة جدلاً داخل النظام، حيث زعمت بعض الجهات أنها ساعدت المعارضة عن غير قصد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات