أعلنت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، الاثنين الفائت، استئناف الهجمات على القوات الأميركية في المنطقة العربية، ويأتي هذا الإعلان بعد ساعات من إطلاق خمسة صواريخ من العراق على قاعدة عسكرية في سوريا في أول هجوم من نوعه منذ أوائل شباط/فبراير الماضي.

مصدران أمنيان وضابط كبير بالجيش في العراق، ذكروا أن شاحنة صغيرة مثبّتة على ظهرها منصة إطلاق صواريخ كانت متوقّفة في بلدة زمار التابعة لقضاء تلعفر على الحدود مع سوريا. وقال ضابط بالجيش إنه تم تدمير الشاحنة ومصادرتها لإجراء مزيدٍ من التحقيقات. 

بيان ما تسمى “المقاومة الإسلامية في العراق”، وهي مجموعة شاملة من الميليشيات التي صعّدت هجماتها على القوات الأميركية المتمركزة في العراق وسوريا، بعد أن شنّت إسرائيل حربها على غزة في تشرين الأول/أكتوبر، أكد استئناف الهجمات، وتم نشره على قناة “تلغرام” مرتبطة بـ “كتائب حزب الله”، أحد أقوى الجماعات المسلحة في العراق.

وجاء في المنشور: “المقاومة العراقية أمهلت رئيس الوزراء العراقي ثلاثة أشهر للتفاوض مع القوات الأميركية لوضع جدول زمني محدد لإخراجها من العراق”. “لكن الآن… أصبح من الواضح أن بعض الأطراف السياسية كانت تكذب: لا توجد نيّة أجنبية لمغادرة العراق”. ومن هنا جاء قرار “استئناف العمل العسكري”.

تضارب التصريحات

مجموعة “صابرين نيوز”، وهي مجموعة شعبية أخرى على تطبيق “تلغرام” قريبة من “كتائب حزب الله” العراقي، قالت في وقت لاحق إنه لم يكن هناك بيان رسمي من الفصيل المدعوم من إيران. فيما أكد مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن أكثر من خمسة صواريخ أُطلقت من العراق باتجاه قواتٍ في قاعدة لـ”التحالف” في منطقة الركبان بسوريا، لكن لم يصب أي جندي أميركي.

وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يتحدث خلال اجتماع مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في البنتاغون في 15 أبريل/نيسان 2024، في العاصمة واشنطن. (تصوير كريس كليبونيس/وكالة الصحافة الفرنسية)

ووصف المسؤول الهجوم بأنه “هجوم صاروخي فاشل”، لكن لم يتضح على الفور ما إذا كانت الصواريخ فشلت في ضرب القاعدة أم تم تدميرها قبل وصولها. ولم يكن من الواضح أيضاً ما إذا كانت القاعدة هي الهدف نفسه. 

خلية الإعلام الأمني ​​العراقي، وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن نشر المعلومات الأمنية، أشارت في بيان لها، إلى إن القوات العراقية شنّت “عملية بحث وتفتيش واسعة النطاق” استهدفت الجُناة قرب الحدود السورية، متعهّدة بتقديمهم إلى العدالة. 

ونقلت قناة “الميادين” الموالية لطهران عن مراسلها في بغداد، أن الأنباء المنسوبة إلى “المقاومة الإسلامية في العراق” بشأن استئناف عملياتها ضد القوات الأميركية عارية عن الصحة. ولم يصدر عن “كتائب حزب الله” العراقية أي بيان بهذا الشأن. 

وفي بيان آخر صدر على تطبيق الرسائل “تلغرام”، قالت الجماعة إن استئناف الهجمات “أخبار ملفّقة”؛ لكن بحسب مراقبين فإنه لا يمكن على وجه اليقين التأكيد من صحة التصريح؛ لأنه قد يكون الاختلاف مقصودًا لخلق ارتباك، أو قد يكون علامة على صراع حقيقي داخل صفوف المجموعات.

من جهته، الخبير بالشؤون الأمنية والاستراتيجية العراقي، مخلد حازم، اعتبر ذلك “نهج جديد في سياسة الاشتباك”. وفي حديثه مع “الحل نت” قال:”على ما يبدو أننا أمام سياسة ردع جديدة عن قواعد اشتباك جديدة في المنطقة، وهي وفق نظرية الردع دون التبني، فقد شهدنا استهدف إسرائيلي لإيراني، ولكن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها، فعملية الردع المباشرة انتهت وعدنا إلى قواعد اشتباك سابقة ولكن مع تغيير في المسميات، فإيران ستعيد تحريك فاعلها في المنطقة، فشهدنا أول عملية انطلقت من الأراضي العراقية”.

هذا وفقاً لتأكيدات حازم، يسبب خطراً للجانب العراقي لاعتبارات كثيرة، لأن الجانب العراقي ذهب إلى بناء علاقات أمنية ثنائية مع الجانب الأميركي على جميع الأصعدة والميادين، وبالتالي هناك لجان عسكرية تبحث في آليات جدولة انسحاب قوات “التحالف” من العراق. 

وعدم تبني أي جهة هذا الهجوم ربما يؤدي إلى دخول العراق في مرحلة صراع جديدة يصبح الجميع فيها في مرمى الاستهداف من القوات الأميركية، وهذا ما لا تريده الحكومة العراقية في الفترة القادمة لأن بناء أي تنمية اقتصادية مستدامة يحتاج إلى استقرار الأوضاع الأمنية، ولهذا شهدنا بيان حكومي يتعهد بملاحق هذه المجموعات التي وصفها بالخارجة عن القانون.

حسابات السوداني في خطر

ربط بعض المحللين السياسيين من ناحية أخرى، حالة التوتر التي تشهدها الساحة العراقية بمستقبل السوداني، وحسن إدارته للوضع الملتهب، وهذا ما تدركه الميلشيات المدعومة من إيران وتلعب على عامل التصعيد في العراق في الملف الأمني. 

الهجوم على القوات الأميركية رسالة رفض إيرانية على نتائج زيادة السوداني لواشنطن؟ (4)
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن (إلى اليمين) يشير إلى نائب رئيس الوزراء العراقي محمد علي تميم (إلى اليسار) بعد أن تحدث في وزارة الخارجية في 15 أبريل/نيسان 2024 في واشنطن العاصمة. (تصوير وين ماكنامي/غيتي)

فمن المقرر أن يجري العراق انتخابات في عام 2025، ويحتاج رئيس الوزراء إلى دعم مؤيديه المحليين وكذلك الولايات المتحدة إذا كان يريد تجديد ولايته.

وإذا عاد رئيس الوزراء من واشنطن بدعم أميركي لحكومته، ووعود بتخفيض القوات الأميركية أو الانسحاب المقرر في وقت ما في المستقبل، وتخفيف القيود الأميركية على القطاع المالي العراقي، فإن هذه العوامل من شأنها أن تدعم موقفه بل وتزيد من موقفه قوة. 

زيارة السوداني لـ”البيت الأبيض”، هي الخطوة الأولى نحو بناء المزيد من الثقة للحصول على الدعم الأميركي لتعيينه رئيسا للوزراء بعد الانتخابات المقبلة. وهنا علينا الاعتراف بحسب المحلل العراقي زياد منصور في حديثه لـ”الحل نت”، أن هذه الهجمات وضعت السوداني في مأزق كبير أمام قوات “التحالف”.

بل إن هذه الهجمات لن تعزز من عملية تحقيق التوازن بين القوات الموجودة في العراق، فالسوداني يريد المحافظة على علاقات قوية مع الولايات المتحدة وخاصة بعد سعيه إلى التركيز على فرص التنمية الاقتصادية في العراق أثناء تقديم طلب لشراء أنظمة دفاع جوي ومروحيات عسكرية، ليبدو السوداني وكأنه يسير على حبل مشدود ويمكن السقوط في أي لحظة.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، أبدى قلقه من أن هذه المجموعة الميليشياوية اختارت استئناف هجماتها ضد الأفراد الأميركيين، بعد ساعات فقط من انتهاء رئيس الوزراء العراقي السوداني زيارة ناجحة.

وقال مسؤولو إدارة بايدن إنهم ليس لديهم خطط لسحب القوات من العراق، لكنهم بدأوا مشاورات أواخر العام الماضي مع بغداد حول “تطبيع” العلاقات الدفاعية وربما إعادة تشكيل وجود القوات في البلاد، وقد أبلغ المسؤولون الأميركيون الميليشيات بشكل خاص وغير مباشر بأنهم لن يسحبوا وجود قواتهم في العراق تحت النار، حسبما أفاد موقع “المونيتور” سابقًا. 

ولهذا ويواجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، ضغوطاً شديدة من الفصائل الموالية لإيران في بغداد لإخراج القوات الأميركية من العراق.

ردّ الفعل الإيراني على زيادة السوداني

أن عودة الميليشيات الشيعية المرتبطة بـ”الحرس الثوري” الإيراني، إلى استهداف مواقع تمركز القوات الأميركية، مباشرة بعد انتهاء زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى الولايات المتحدة، لا يمكن أن تكون قد حدثت صدفة ومن دون أمر مباشر من إيران التي لا يتوقّع أحد أن تكون سعيدة بنتائج الزيارة وما انتهت إليه من نتائج مضادة لمصالحها في العراق.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى اليسار، والرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى اليمين، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم الاثنين 15 أبريل/نيسان 2024. (تصوير: بوني كاش/ يو بي آي/بلومبيرغ)

السياسيون في العراق، أكدوا وجود ترابط مباشر ومقصود بين هذه الهجمات وعودة السوداني من واشنطن، معتبرين أنّ عودة الميليشيات الشيعية المرتبطة بـ”الحرس الثوري” الإيراني، إلى استهداف مواقع تمركز القوات الأميركية في سوريا والعراق بعد توقّفٍ استمر منذ بداية شباط/فبراير الماضي، تتضمن تعبيرا عن موقف سلبي من طهران وحلفائها العراقيين من قادة أحزاب وفصائل مسلّحة من زيارة السوداني إلى واشنطن وما تمخّضت عنه من نتائج غير مناسبة لإيران بل منها ما يتضارب بشكل مباشر مع مصالحها في العراق.

بسؤال السوداني عن الجدول الزمني لانسحاب القوات الأميركية رد قائل: “لا وجود لقوات قتالية في العراق لكي تنسحب”، مبيناً أن القوات الأميركية انسحبت من العراق ولم يتبقَّ سوى وجود استشاريين، واللجان الفنية العسكرية بين الجانبين تبحث الآليات الخاصة بإنهاء مهمة “التحالف الدولي” في العراق والانتقال إلى علاقة ثنائية بين العراق ودول “التحالف”، وهذا ما أثار غضب القوات الإيرانية.

وفي إجابته عن الهجمات المسلحة التي تقوم بها “كتائب حزب الله” بالعراق على المقار والمنشآت الأجنبية، قال السوداني، إنه يرفض أي اعتداءات مسلحة في المناطق التي يتواجد فيها المستشارون، ولا يسمح لأي مجموعة مسلحة بالعبث بالأمن والاستقرار. 

لهذا جاءت هذه الهجمات كنوعٍ من التحدي للسوداني. وبهذا لم يُنجز السوداني خلال مشاوراته الكثيفة وعالية المستوى مع أركان إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أي تقدّم يذكر في اتجاه ما تطالب به الأحزاب والميليشيات الشيعية بشأن إنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية. 

وعلى العكس من ذلك جاءت بعض الاتفاقيات التي تمّ التوصّل إليها مضادة بشكل كامل لمصلحة إيران وحلفائها المحليين، على غرار الاتفاقيات التي أُبرمت بين الجانب العراقي وعدد من الشركات الأميركية بشأن التعاون في مجال الطاقة وتحديدا في مجال استغلال الغاز المصاحب لاستخراج النفط وتوظيفه في إنتاج الطاقة الكهربائية.

ويعني المضي في هذا النوع من التعاون إنهاء حاجة العراق إلى الغاز الإيراني الذي يستخدمه في توليد الكهرباء ويشتريه من طهران بالعملة الصعبة، موفّرا لها متنفّسا مهمّا من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتّحدة.

الرّد السريع من طهران

كان من الطبيعي أن تحاول إيران التعبير عن غضبها من نتائج زيادة السوداني من خلال وسائلها في العراق، ولكن الملفت في الأمر أن ردّ الفعل جاء بسرعة غير متوقعة.  إلا أنه وبحسب مخلد ، فإن الأمر تم الإعداد له بشكل سابق، فقد سبقت ليلة الهجوم تغريدة على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي، وكان مضمونها “توكلوا على الله ” دون التوضيح مما جعل الأمر غامض وغير متوقع.

الهجوم على القوات الأميركية رسالة رفض إيرانية على نتائج زيادة السوداني لواشنطن؟ (1)
محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، خلال اجتماع مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي لم يظهر في الصورة، في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم الاثنين 15 أبريل/نيسان 2024. (تصوير: بوني كاش/ يو بي آي/بلومبيرغ)

من جهتهم رأى المختصّون في شؤون الجماعات المسلّحة، أنّ الأمر الإيراني للميليشيات الشيعية بالتصعيد جاء سريعاً ومفاجئاً حتى للميليشيات نفسها، ما يفسّر ارتباكها الذي تجلّى في إعلانها قطع الهدنة التي سبق أن أعلنتها من طرف واحد بدعوى منح رئيس الوزراء فرصة إخراج القوات الأميركية عن طريق التفاوض، واستئناف استهداف تلك القوات، ثمّ العودة عن ذلك الإعلان ومحاولة التملّص منه لتجنّب التبعات التي يمكن أن تترتّب عليه.

ولم تستبعد مصادر عراقية أن يكون عدم تماسك موقف الفصائل الشيعية من إعادة إشعال الصراع مع القوات الأميركية، عائدا إلى موقف سياسي أعمق للقوى السياسية التي ترتبط بها تلك الفصائل. 

ولفتت المصادر إلى أنّ من قادة الأحزاب والفصائل الشيعية مَن يدعم سياسة السوداني تجاه الولايات المتحدة، على اعتبار أنّ تلك السياسة تحقّق مصالح اقتصادية ومالية مباشرة تستفيد منها تلك القوى ذاتها، فضلا عن كونها تساعد في استقرار الحكومة التي هي في الأخير حكومة “الإطار التنسيقي الشيعي”.

أخيرا، يتوقع منصور، أن العراق خلال الفترة القادمة سيشهد مزيداً من الهجمات على القوات الأميركية كرسالة مباشرة من إيران إلى أميركا لإثناء الحكومة الإسرائيلية عن استهداف الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة