مع إعلان محكمة عراقية إعدام أسماء الكبيسي وتكنى بـ”أم حذيفة”، إحدى زوجات زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي، والتي تم توقيفها بتركيا، يتصدر التنظيم الإرهابي الواجهة من جديد، حيث بالرغم من هزيمة التنظيم في معركة الباغوز عام 2019، وإنهاء وجوده القسري في حدود امتدت من سوريا للعراق، وقد سيطر على مساحات شاسعة، بينما راكم فيها جرائم متوحشة، وتوقيف عناصره وقياداته، إلا أنه ما يزال يسعى للاستفادة من أي حادث محلي أو إقليمي، سياسي أو عسكري، لجهة انبعاثه من جديد، وتعويض خسائره التنظيمية بجذب أفراد ومقاتلين لصفوفه المسلحة والإرهابية.
لذا، هيمن التنظيم الإرهابي على متن الأخبار وتغطيات الإعلام ومراكز الأبحاث، مؤخراً، لا سيما مع اندلاع حرب غزة، والتي كانت المحطة الأبرز التي تفاعلت معها وسائط “داعش” المختلفة، ومنصاته الإعلامية، بهدف الاستفادة البراغماتية من الحدث لصناعة دور مؤثر، واجتذاب الصراع في فلسطين في ناحيته الدينية بدعوى الاصطفاف مع “حماس” ومثيلاتها من التنظيمات الإسلاموية، للدفاع عن المقدسات الدينية.
“داعش” يسعى لـ”إعادة تشكيل نفسه”
نهاية الأسبوع الماضي، نفّذ التنظيم الإرهابي هجمات على (قوات سوريا الديمقراطية) “قسد” وأصيب عنصران في ريف دير الزور. حيث قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إن الهجوم “وقع في قرية صباح الخير في الريف الغربي للمحافظة”، مؤكداً ارتفاع وتيرة الحوادث الإرهابية للتنظيم وتضاعف عددها، وقد وثّق نحو 153 عملية إرهابية في مناطق سيطرة “قسد” منذ مطلع 2024، تنوعت بين التفجيرات والاستهدافات المباشرة، وقضى فيها 80 قتيلاً، غالبيتهم من “قسد” بنصيب قتلى وصل لنحو 50 شخصاً، فضلاً عن آخرين من قوى الأمن “الأسايش” في مناطق “الإدارة الذاتية”.
حقّق “طوفان الأقصى” أغراضه الدعائية للعديد من تيارات الإسلام السياسي المأزومة والتي وقعت تحت وطأة الانحسار والفشل في العقد الأخير، ومن ثم، كانت فرصة ثمينة لإعادة ترسيم حدودها بين حواضن وفواعل اجتماعيين جدد. وكان من الملاحظ أنه إلى جانب انخراط تنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش” و”الإخوان” في عدة مناطق وعبر أفرع تنظيمية مختلفة في إفريقيا وأوروبا وآسيا في تمرير بيانات أو تدشين أعداد من إصداراتها المرئية والمقروءة للتعبير عن مواقفها الأيديولوجية التحريضية على العنف والإرهاب بشأن غزة، والمطالبة بـ”الجهاد”، والتبشير بـ”جيش محمد” الذي سينتصر على “يهود خيبر”، تضاعفت الهجمات الإرهابية، بداية من موسكو مروراً بالحوادث المتكررة في البادية السورية، وتهديدات أولمبياد فرنسا، وأخيراً ما جرى في سلطة عُمان بأحد مساجد الصوفية.
وبحسب بيان للقيادة المركزية للجيش الأميركي، فالتنظيم الإرهابي يسعى لـ”إعادة تشكيل نفسه” مشيراً إلى أنه يستغل ذلك من خلال مضاعفة عملياته الإرهابية والتي ارتفع مؤشرها وزادت مقارنة بالعام الماضي. وقالت القيادة المركزية إن “داعش” تبنى 153 هجوماً في سوريا والعراق أثناء النصف الأول من العام الجاري. وبحسب مسؤول دفاعي أميركي، رفض الكشف عن هويته، بأن “داعش” كان مسؤولاً عن تنفيذ 121 هجوماً في سوريا والعراق خلال العام الماضي. وتشير القيادة في بيانها إلى أن “الزيادة في الهجمات تشير إلى أن داعش يحاول إعادة تشكيل نفسه بعد عدة سنوات من انخفاض قدراته”.
وأوضحت “سنتكوم” أن “تحييد هؤلاء الأفراد من مناصبهم القيادية يؤدي إلى مزيد من التدهور في قدرة التنظيم على القيام بعمليات خارجية في الولايات المتحدة والدول الحليفة”. موضحة أن الملاحقة المستمرة لحوالي 2500 من مقاتلي “داعش” في جميع أنحاء العراق وسوريا تمثل أمراً حاسماً لهزيمة التنظيم الإرهابي. بالتالي ثمة ضرورة لاستمرار “الجهود الدولية المستمرة لإعادة أكثر من 9000 من معتقلي “داعش” في مرافق الاحتجاز في سوريا، وإعادة تأهيل وإدماج أكثر من 43000 فرد وعائلة من مخيمَي الهول وروج”.
وقال الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية إن “الهزيمة الشاملة والدائمة لتنظيم داعش تعتمد على الجهود المشتركة للتحالف والشركاء لتحييد القادة الرئيسيين من ساحة المعركة واسترجاع الأُسر من الهول وروج وإعادة تأهيلها ودمجها”. وتابع: “نواصل تركيز جهودنا على استهداف أعضاء تنظيم داعش الذين يسعون إلى القيام بعمليات خارج العراق وسوريا على وجه التحديد، وأولئك الذين يحاولون مساعدة أعضاء داعش المحتجزين على الهروب في محاولة لإعادة تشكيل قواتهم”.
حالة من التنافس بين التنظيمات الإرهابية
ويمكن القول إن هناك درجة من التنافس بين التنظيمات الإرهابية ذات المرجعيات الإسلاموية، منذ حرب غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وهذا الشيء يبدو واضحاً مع إعلان باكستان قبل فترة وجيزة القبض بواسطة مسؤولين بمكافحة الإرهاب عن أمين الحب وهو “أحد الشركاء المقربين” من زعيم تنظيم “القاعدة” السابق أسامة بن لادن، وفق تصنيف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وفق ما ذكر عثمان أكرم غونادال، مدير دائرة مكافحة الإرهاب في بنجاب.
وقال أكرم غونادال في مؤتمر صحفي “عاد للظهور بعد انسحاب القوات الغربية من حلف شمال الأطلسي (من أفغانستان). توجه إلى أفغانستان في آب/ أغسطس وباشر جهوداً لإعادة تنظيم القاعدة”. فيما جاء توقيف القيادي بالتنظيم مدينة غوجارات بولاية بنجاب شرقي البلاد، على خلفية اتهامه بـ”نشاطات تخريب”، والسعي إلى “استهداف منشآت مهمة”. وبحسب دائرة مكافحة الإرهاب في بنجاب “يشكل توقيف أمين الحق انتصاراً كبيراً لجهود مكافحة الإرهاب المبذولة في باكستان وفي العالم بأسره”.
الارتكاز الرئيسي الذي يشكل أحد الإغراءات المهمة للتنظيمات الإرهابية، ومنها “داعش”، وتبني من خلالها الأخيرة نفوذها وتموضعها من جديد، هو رقعة الصراع في غزة.
ثمة نقطة لافتة يتعين النظر لها إلى أن تنظيم “داعش”، ما يزال يملك عبر شبكاته قدرات تنظيمية في مرحلة الكمون عدداً من الأفراد والمقاتلين ممن يمكن تصنيفهم على أنهم “خلايا نائمة” وبمثابة “ذئاب منفردة” قد تخرج أنيابها في أي لحظة لإحداث هجوم مباغت، وقد أعلنت الأمم المتحدة مطلع العام أن التنظيم الإرهابي ما زال لديه “ما بين 3000 و5000 مقاتل” بين العراق وسوريا.
وترسم خريطةٌ نشرها “معهد واشنطن” حديثاً صورة تحذيرية للشكل والنشاط الخاص بتنظيم “داعش” في الوقت الحالي، وتوضح كيف أن عملياته باتت تتصاعد بالتدريج ليس في سوريا فحسب كما يدور الحديث ويتركز الاهتمام دائما، بل في عموم المناطق التي ينتشر فيها أفراده بالعالم. وبعد مرور عام، ترسم البيانات مجتمعةً صورة تحذيرية. لافتة إلى أنه رغم أن “الولايات” الأساسية لتنظيم “داعش” في العراق وسوريا لا تزال ضعيفة وواهنة، إلا أن التنظيم تمكّن من التنويع عند أطرافه، حيث تقود ولاية خراسان في أفغانستان العمليات الخارجية بينما تبسط ولايات متعددة أخرى السيطرة الإقليمية في إفريقيا. ويواصل أنصار “داعش” التخطيط لهجمات إرهابية كبرى أيضاً، لا سيما في تركيا، ولكن سلطات إنفاذ القانون أحبطت معظمها (باستثناء تفجيرات كانون الثاني/ يناير 2024 في كرمان بإيران). ونظراً لهذه التهديدات المتطورة، من المفيد النظر في نتائج مشروع خريطة أنشطة تنظيم “داعش” بمزيد من التفصيل، لأنها يمكن أن تقدم صورة أوضح عن وضع التنظيم اليوم وسط الدعوات المتزايدة إلى حل التحالف العالمي المكلف بمحاربة “داعش”.
وجاء في تقرير المعهد الأميركي في آذار/ مارس الماضي، أن التنظيم تمكّن من تنويع عمل أفرعه وفق المعهد الأميركي حيث تقود “ولاية خراسان” في أفغانستان العمليات الخارجية، وفي المقابل تبسط ولايات متعددة أخرى السيطرة الإقليمية في أفريقيا. وفي غضون ذلك يواصل أنصار “داعش” التخطيط لهجمات إرهابية كبرى أيضاً، لا سيما في تركيا، ولكن سلطات إنفاذ القانون أحبطت معظمها (باستثناء تفجيرات يناير 2024 في كرمان بإيران). وقد شهدت “ولاية خراسان” الهجمات الأكثر ضررا في المتوسط إذ قضى في كل حادث حوالي 14 شخصا. و”يجب اعتبار مؤامرات (تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان) أكبر تهديد عالمي يطرحه التنظيم اليوم”، حسبما حذّرت ورقة المعهد المذكور.
هذا فضلاً عن وجود ملاذات آمنة في عدة مناطق آسيوية وتفشي وجودها في غرب إفريقيا. منذ آذار/مارس العام الماضي، أعلنت إدارة الإعلام المركزية لـ”داعش” مسؤولية التنظيم عن 1121 هجوماً. ووفقاً للبيانات الصادرة عنه، أدت هذه الهجمات إلى مقتل أو إصابة حوالي 4770 شخصاً.
الإغراءات المهمة للتنظيمات الإرهابية
صدرت معظم هذه الإعلانات عن “تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية غرب إفريقيا” (المتمركز بشكل أساسي في نيجيريا وجنوب شرق النيجر) تليه ولايات “داعش” في سوريا والعراق وأفريقيا الوسطى (مقرها في جمهورية الكونغو الديمقراطية) وموزمبيق. وقد شهدت ولاية خراسان الهجمات الأكثر ضرراً في المتوسط، إذ أودى كل حادث بحياة حوالي 14 شخصاً.
الارتكاز الرئيسي الذي يشكل أحد الإغراءات المهمة للتنظيمات الإرهابية، ومنها “داعش”، وتبني من خلالها الأخيرة نفوذها وتموضعها من جديد، هو رقعة الصراع في غزة، وهي رقعة تهدف إلى توسيعها وتعميقها للدرجة التي تمكّن دعاية تلك التنظيمات من إحداث أثرها، وتحقيق موجات إرهابية جديدة، فيكون الانتقال من “طوفان الأقصى” إلى “طوفان داعش وأخواتها”.
ومع تنامي الحوادث الإرهابية وتعميم الأصولية الجهادية، تقع دول المنطقة وربما العالم تحت وطأة انفجارات العنف والطائفية على أساس ديني/ مذهبي. وبحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، هناك محاولات محمومة يحذر منها الخبراء الأمنيون عن استهدافات قد تطاول الأهداف الغربية والإسرائيلية من قبل عناصر تنظيم القاعدة في اليمن. فيما نقلت الصحيفة عن مصدر إقليمي بأن الصراع في غزة “مصدر يغذي الإرهاب والتطرف في العالم الإسلامي”.
وفي المحصلة، هناك استراتيجيات التنظيمات الجهادية، الأيديولوجية والإعلامية برزت مع حرب غزة وترافقت معها حوادث وعمليات إرهابية، الأمر الذي يساهم في رفع القدرات التنظيمية التعبوية وإنجاح عمليات التجنيد، وتحقيق استهدافات ضد الغرب وإسرائيل.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.