بينما انتقل علي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني لبيروت عقب انتهاء زيارته للعاصمة السورية دمشق، فقد وصل وزير الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية العميد طيار عزيز نصير زاده والوفد المرافق له لإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين في ظل هجمات متتالية لتل أبيب على مواقع محددة في العاصمة السورية.
كما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا“، أن الوفد الإيراني سيبحث “آخر المستجدات في المنطقة بشكل عام وتعزيز التنسيق والتعاون بين الجيشين الصديقين مما يدفع نحو الاستمرار في محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.
رسائل المرشد الإيراني لدمشق
كان لاريجاني في مقابلة تليفزيونية مع قناة “الميادين” التابعة لـ”حزب الله”، في العاصمة بيروت قد أشار إلى أن زيارته للعاصمة السورية دمشق تهدف لتقديم رسالة محددة للجانب السوري.
كما أنه حمل رسالة أخرى لبيروت، وأن الرسالتين من المرشد الأعلى مما يبدو معه أن الزيارة اللاحقة لوزير الدفاع الإيراني كانت لمتابعة النسق المحدد للرسالة وبالأحرى الجانب الميداني منها، خاصة وأن آفاق العمل الميداني لطهران من خلال أذرعها المتمم لرؤيتها في الشرق الأوسط، يدخل منعطف حاد خلال الشهور الانتقالية لتسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب ولايته الجديدة، نهاية شهر كانون الثاني/ يناير من العام القادم، مما يلزم معه تحديد إطارات العمل في تلك المرحلة التي تنشط فيها جهود وقف إطلاق النار المرتبطة حتما بتفكيك قواعد “حزب الله” العسكرية، وسد الشرايين المغذية له من الجانب السوري تحديدا.
لم يحسم لاريجاني في تلك المقابلة شكل الرد السوري على رسالته، وقال إن أدبيات العمل السياسي تستلزم ترك المجال المناسب لاستقبال الرد. بيد أن الواقع السياسي يكشف كون حكومة دمشق تنازع الضغوط الشديدة والمتناقضة من الأطراف الفاعلة إقليميا ودوليا مرة، بهدف فك الارتباط مع طهران عبر محفزات عربية وخليجية، وأخرى بضغوط إيرانية لاستمرار درجة التفاعل فيما بينهما.
من خلال ذلك ترتفع حدة الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف محددة داخل محيط العاصمة، واستهدفت بعض العناصر التابعة لحركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية، بحسب بيان “للمرصد السوري” لحقوق الانسان.
كما أشار البيان إلى أن إسرائيل نفذت ما مجموعه 149 هجوما هذا العام ضد سوريا. فضلا عن كون قادة من جماعة “حزب الله” اللبنانية و”الحرس الثوري” الإيراني يقيمون في حي المزة بالعاصمة دمشق، والتي كانت مسرحا لهجمات من جانب تل أبيب خلال الشهور الماضية.
إلى ذلك نقلت وكالة “مهر” الإيرانية عن وزير الدفاع الإيراني قوله لدى وصوله إلى العاصمة دمشق، إنه “بناء على توصيات قائد الثورة الإسلامية مستعدون لتقديم كل وسائل الدعم إلى سوريا الصديقة”.
وأشار إلى أن سوريا لديها مكانة استراتيجية في السياسية الخارجية لإيران، وقال إن الزيارة إلى دمشق جاءت بناءً على دعوة من نظيره السوري. وأضاف نصير زاده أنه والوفد المرافق له سيبحثون مع المسؤولين السياسيين والعسكريين في دمشق عدة مسائل مشتركة في مجال الدفاع والأمن لتوسيع وتطوير العلاقات في هذا المجال بين البلدين.
ربما من اللافت إعلان أن زيارة وزير الدفاع الإيراني لدمشق غير محددة المدة، بحسب وكالة “سانا” السورية للأنباء في ظل ترجيحات أن مسرح الجغرافيا السورية سيضحى نقطة ساخنة وملتهبة في مسار العمليات العسكرية الإسرائيلية الإيرانية عبر الساحات الوظيفية لطهران، وكأن الأخيرة تدفع بيدها من جديد لنظام دمشق في هذه المواجهة المرجحة.
هل تدخل دمشق جبهة القتال؟
في هذا السياق يشير الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي بقوله، “أعتقد بأن الزيارة الإيرانية للمسؤولين السياسيين والعسكريين للعاصمة دمشق لن تنقطع طالما أن الأسد موجود على رأس الهرم بالسلطة، وهي ستستمر حتى آخر رمق من بقاء الأسد على قيد السلطة”.
يتابع النعيمي حديثه لـ”الحل نت”، بأن دلالات توقيت الزيارة يرتبط بتصاعد الوضع الميداني على الجبهات الساخنة، مما يضيف أبعادا هاما في تتابع حضور وزير الدفاع الإيراني من خلال تعزيز الموقف السياسي والعسكري لحكومة دمشق، خاصة في ظل ارتفاع منسوب الموجات الهجومية على الأراضي السورية والعمليات النوعية على الأهداف الإيرانية في أحياء العاصمة.
ملامح المرحلة الأولى من المعارك الإسرائيلية في الجنوب السوري، قد بدأت عبر تنفيذ ضربات بشكل شبه مستمر ضمن مشروع إسرائيل لاغتيالات الشخصيات واستهداف البنية التحتية الأساسية التي يعتمد عليها في توريد الأسلحة إلى “حزب الله”.
الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي لـ”الحل نت”
ويلفت النعيمي إلى تلك الهجمات التي ضربت العاصمة أثناء زيارة لاريجاني، والرسائل التي حملتها تلك الهجمات لكل من طهران والحكومة في دمشق. ذلك بالرغم من وجود اتهامات إيرانية إلى النظام في دمشق كونه من يقوم بكشف أماكن اجتماعات الخبراء الإيرانيين العاملين في الجغرافيا السورية، بشكل عام، إلى الجانب الإسرائيلي مما يجعل الشعب السوري وحده من يدفع ثمن الصدام والعمليات الميدانية على أراضيه، نظرا لأن العقيدة القتالية الإيرانية تعتمد على تعزيز قدرات المصدات العسكرية التي أنشأتها في المنطقة العربية عموما، وفي سوريا بشكل خاص وذلك لمواجهة الجانب الإسرائيلي ومشاغلته بمعارك خارج أراضيه، بغية الاستفادة من تلك العمليات المتبادلة للضغط التفاوضي لما يخص برنامج إيران النووي والبالستي والمسيّرات، بحسب المصدر ذاته.
وحول مقدمات دخول الجبهة السورية كجبهة متقدمة في أولويات العمليات الميدانية، يقول الكاتب السوري إن الجبهة السورية تبدو في صورة الجبهة التالية للعمليات في لبنان، نظرا للتحركات السياسية بغية الوصول لتفاهمات من أجل التهدئة، كأقل تقدير في مسار مرحلة أولية، ومن ثم الوصول إلى قرار وقف إطلاق النار، مما يجعل تل أبيب ترغب في أن تكون جاهزة للمتغير القادم، من خلال تنفيذ عمليات جوية واسعة النطاق في الجغرافيا السورية، وذلك وفق استراتيجية واضحة المعالم مبنية على قطع الطرق الدولية المؤدية إلى لبنان، خاصة المعابر مع لبنان، سواء كانت الشرعية أو غير الشرعية، والتي تعتمد بشكل كبير على توظيف تلك المعابر بين سوريا ولبنان لدعم قدرات “حزب الله” العسكرية.
وبناء على ما سبق، يرجح النعيمي بأن ملامح المرحلة الأولى من المعارك الإسرائيلية في الجنوب السوري، قد بدأت عبر تنفيذ ضربات بشكل شبه مستمر ضمن مشروع إسرائيل لاغتيالات الشخصيات واستهداف البنية التحتية الأساسية التي يعتمد عليها في توريد الأسلحة إلى “حزب الله”، وأن استمرار إطلاق المسيّرات العبثية من قبل الميلشيات الموالية لإيران عبر الأراضي السورية يمنح الشرعية للجانب الإسرائيلي في المحافل الدولية ضمن تسويقه للمظلومية بهدف استمرار تدفق الأسلحة إلى تل أبيب.
وبالتالي استخدام هذه الأسلحة في الضربات ضد التموضع الإيراني في عدد من المناطق داخل الشرق الأوسط، والوصول لفصل الساحات ونزع الولاء الوظيفي لتلك الميلشيات العاملة كيد طولى لنظام المرشد.
إذاً، يختتم الباحث مصطفى النعيمي حديثه لـ”الحل نت”، بأن الوضع الميداني خلال الشهور القليلة القادمة سيكون ساخنا لدرجة كبيرة، ويصعب حسم المخرجات الحقيقية لتفاعل نتائج العمليات السياسية والميدانية على مسرح أحداث الشرق الأوسط. بيد أن التقدير المبدئي حاليا، هو زيادة معدل وعمق الهجمات الإسرائيلية في الجغرافيا السورية على مستوى العمليات النوعية ضد شخصيات محددة وأهداف لوجيستية مسؤولة عن دعم “حزب الله” في لبنان.
تبيعة بري لإيران واحتمالات التسوية بلبنان!
إذاعة هيئة البث الإسرائيلية، قالت إن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين سيصل يوم العشرين من الشهر الجاري تل أبيب، قادما من العاصمة اللبنانية بعد الاستماع لتعقيب رئيس مجلس النواب نبيه بري على المسودة المتعلقة بالوصول إلى تسوية سياسية، بيد أن اللافت هو حديث علي لاريجاني مستشار المرشد أثناء مقابلته التلفزيونية لصالح قناة “الميادين” إبان زيارته الأخيرة لبيروت اطلاعه على بنود المسودة، مما يعني بالضرورة أن الرد الإيراني سيغلف تعقيب الجانب اللبناني.
نبيه بري الذي يعطي انطباعات أنه الرجل الذي لا يلين في الشدائد، إنما هو خاضع بالكامل لمظلة السياسة الإيرانية التي ضمنت له في مقايضات سابقة جثومة في موقع رئاسة مجلس النواب على امتداد عقود خلت.
المؤسس في “حركة تحرُّر” اللبنانية الدكتور علي خليفة لـ”الحل نت”
في السياق ذاته تشير وسائل إعلام لبنانية، أن المبعوث الأميركي هوكشتاين سيصل بيروت يوم غد الثلاثاء التاسع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، على أن تتسلم السفارة الأميركية الملاحظات اللبنانية على المقترح قبل وصول المبعوث الأميركي.
وتابعت وسائل الإعلام اللبنانية نقلا عن مصادر سياسية أن لبنان متمسك بمهام قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان “اليونيفيل”، كما هي دون زيادة أو نقصان ولا تعديل في أي من الصلاحيات، وما يلتزم به لبنان هو القرار الأممي 1701 وفي المقابل فالمقبول إسرائيليا هو إنشاء لجنة أميركية – فرنسية لمراقبة تنفيذ القرار ونزع السلاح ومراقبة الحدود البرية بإعطاء صلاحيات إضافية للجيش اللبناني ونشر للقوات الدولية في الجنوب لمراقبة أي نشاط تسليحي لـ”حزب الله”.
بحسب المؤسس في “حركة تحرُّر” من أجل لبنان الدكتور علي خليفة، فإن كل موقف يصدر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد زيارة أحد المسؤولين الإيرانيين لا يعبر عما يجب أن يكون عليه الموقف اللبناني الرسمي، ويوضح لـ”الحل نت”، قوله ذلك “لأن رئيس مجلس النواب نبيه بري يستتبع قرار لبنان لإملاءات إيران وأجندتها وأولوياتها. المسؤولون الإيرانيون الذين يزورون لبنان في لحظات مصيرية يخشون أن يحصل فيها ما يفقدهم السيطرة أو يحدّ من استنزاف الورقة اللبنانية”.
يشير علي خليفة إلى أن مسودة الاقتراح الأميركي لوقف إطلاق النار حطت بين يدي رئيس مجلس النواب نبيه بري وهو لا يملك دستوريا أي صلاحية للتفاوض باسم الدولة اللبنانية ولا بالقبول أو بالرفض. فتلك مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية. لكن الرجل يخطف مجلس النواب ويمنع انعقاده لأن التوازنات القائمة فيه لا تسمح لفريق “الممانعة” بإيصال مرشحه إلى رئاسة الجمهورية.
ويردف: “إن نبيه بري المعرقل لإقامة النظام السياسي في لبنان يملأ بحكم عرقلة النظام فراغا مقصودا في الحكم على مستوى رئاسة الدولة الشاغرة وحكومة تصريف الأعمال”.
ويبدو أن نبيه بري الذي يعطي انطباعات أنه الرجل الذي لا يلين في الشدائد، إنما هو خاضع بالكامل لمظلة السياسة الإيرانية التي ضمنت له في مقايضات سابقة جثومة في موقع رئاسة مجلس النواب على امتداد عقود خلت. يكفي إنزال وزير الخارجية الإيراني أو رئيس مجلس الشورى في بيروت ليحد من أي اندفاعة لنبيه بري غير منسقة مع إيران، كما حصل سابقا إبان تداعي المسؤولين اللبنانيين لحل محلي يدفع بالضرر المتمادي على لبنان.
ويقول خليفة إن زيارة مستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني للبنان وسوريا كمحطتين متتابعتين في زمن دال وفي لحظة تقديم مسودة الاقتراح الأميركي لوقف النار تأتي تحت عنوان فجّ: الأمر لإيران في حين أن سلوك المسؤولين في لبنان والنظام في دمشق لا يشي بما يمكن أن يراعي مصلحة الشعبين والبلدين وأمنهما وأمانهما أولا.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.