في السنوات الأولى لـ لجوء عيسى الحلاق إلى الأردن، كانت فكرة العودة إلى بيته الذي غادره طفلا تراوده كل يوم، لكنها تلاشت بمرور الوقت وبدأ رحلة البحث عن مستقبله بعد تخرجه من الجامعة والبدء بحياته.
يعيش الحلاق (26 عاما) مع عائلته في أحد أحياء مدينة الزرقاء -شمال شرقي عمّان- منذ 13 عاما، ولم يكن يفكر في العودة إلى سوريا التي غادرها مجبراً إثر مجزرة الخالدية، التي نفذها عناصر النظام المخلوع في الـ 3 شباط/فبراير 2012؛ لكن فكرة العودة إلى منزله المدمر بدأت تراوده بعد تغير الأوضاع في البلاد، كحال أكثر من مليون سوري يعيشون في الأردن.
ولم يحسم الكثير من السوريين في بلدان اللجوء المجاورة بعد إن كانوا سيعودون في الأشهر القليلة المقبلة إلى سوريا، بعد زوال سبب مغادرتهم لمنازلهم، في ظل غياب رؤية واضحة للأوضاع هناك، تتعلق بقدرتهم على العيش ووجود منزل يأويهم.
إذ إن اتخاذ قرار العودة في ظل الظروف الراهنة يُعتبر بمثابة الذهاب إلى المجهول، وتتطلب جهوداً ثنائية من الحكومة السورية والمجتمع الدولي، تتمثل بتوفير متطلبات أساسية للعودة الآمنة والكريمة.
أسباب العودة
يقول الحلاق، إن ظروفهم تجبرهم على التفكير الجدّي بالعودة إلى سوريا، بعد أن بات والده غير قادر على العمل، إثر تشديد وزارة العمل الأردنية على ملاحقة العاملين من دون تصاريح، إذ كان السوريون معفيين من رسوم استصدار تصريح العمل في السابق.

وفي نهاية حزيران/يونيو 2024، أنهت وزارة العمل الأردنية الإعفاء الممنوح للعمالة السورية من رسوم تصاريح العمل، الذي بدأ العمل به منذ العام 2016، مؤكدة أن العامل السوري ملزم بإصدار تصريح عمل وفقاً لنظام رسوم تصاريح العمل أسوة بباقي العمالة غير الأردنية.
“الحملات الأمنية ضد الناس يلي ما معها تصاريح عمل شكّلت ضغط كبير علينا وكمان باستلام ترامب خسرت شغلي، لأني كنت أعمل كمتطوع مع منظمة وتوقف التمويل بعد قرار ترامب”، يضيف الحلاق لـ “الحل نت”.
تتفق في ذلك الناشطة الاجتماعية السورية، عبير عيون، إذ اعتبرت أن انتهاء قرار إعفاء اللاجئين السوريين من رسوم استصدار تصريح العمل فجأة، يدفع الكثيرين منهم للعودة إلى سوريا، بينما أصبحت الحياة صعبة عليهم أيضاً في ظل تراجع فرص العمل وضعف الأجور والرواتب.
إضافة إلى ذلك، فإن سقوط النظام أعاد للسوريين في بلدان اللجوء شعور “الانتماء للوطن”، بحسب الحلاق، وهو ما يدفعه أيضا للتفكير جدّيا للعودة.
ويضيف: “من لحظة تحرير سوريا شعرت إنه صار عندي وطن ورح يكون فيه عدالة وحرية، وهو نوع من أنواع التفاؤل وهو مطلق ومبالغ فيه نوعاً ما وهو تفاؤل عاطفي. وشعرت لأول مرة بالمسؤولية، كوني شب وجامعي وبعمر الإنتاج، إنه أنزل على البلد وساهم بالعمل بمؤسسات البلد”.
بالمجمل، فإن معظم السوريين يفكرون في العودة أو يرغبون بذلك، من أجل الاستقرار وإعادة بناء حياتهم، لكن هناك تحديات تقف عائقا أمام اتخاذ القرار، إذ لن تشهد البلاد عودة بأعداد كبيرة إلا بزوال المعيقات.
عقبات في طريق العودة
بالنسبة لـ عيسى الحلاق، فإن قرار العودة من عدمه لم يُحسم بعد، بسبب تخوّفه من الأوضاع في سوريا ودمار منزله، الذي يحتاج إلى نحو 8 آلاف دولار ليصبح صالحاً للسكن، وهو أحد العوائق الرئيسية.

واعتبر أن القرار صعبٌ بسبب قلة فرص العمل في سوريا وضعف الرواتب، التي لا تكفي لاستئجار منزل ومستلزمات المعيشة.
“في تشجيع على العودة من عمي الذي يعيش في سوريا، لكن بنفس الوقت ما عنده أجوبة على أسئلتنا، يعني بنسأله عن الشغل مثلا أو أي شي عن الحياة بس ما عنده جواب وبضل ساكت، يعني بتحس عم يقلنا ارجعوا بناء على عاطفته”، أضاف الحلاق لـ “الحل نت”.
يثير ضعف توفر المتطلبات الأساسية للحياة في سوريا، مخاوف اللاجئين من العودة في الأشهر المقبلة، إذ أوضحت الناشطة عبير عيون، وهي معروفة باسم “ياسمين عتيق”، إن المخاوف تتعلق بالسكن والتعليم والخدمات الأساسية، كالماء والكهرباء والاتصالات، إضافة إلى عدم الاستقرار الأمني.
“بالنسبة لوضع السوريين العائدين فإن بعضاً منهم يشعر بندم للعودة الفورية حيث يعانون من نقص في الخدمات وغلاء في المعيشة، إذ إن فرق العملة لم ينعكس على الأسعار بشكل فعلي، بينما هناك ضعف بفرص العمل، إضافة إلى مشكلة عدم توفر المنازل. هناك شعور بخيبة أمل كبيرة”، بحسب حديث عيون لـ “الحل نت”.
استطلاع إقليمي، نفذته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مؤخرا؛ حول تصورات اللاجئين السوريين ونواياهم بشأن العودة لسورية، بعد سقوط الأسد، كشف أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في الدول المستضيفة لا يفكرون في العودة إلى بلادهم في المدى القريب.
وأوضحت المفوضية، أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في المنطقة (الأردن، مصر، العراق، لبنان)، لا ينوون العودة أو لم يتخذوا قراراً بشأن العودة إلى سوريا خلال عام، ويفكرون بالعودة في السنوات الـ 5 المقبلة، بينما يعتزم 27 بالمئة العودة لإعادة بناء حياتهم في غضون الـ 12 شهراً المقبلة.
بالنسبة لأم نورا وعائلتها، التي تعيش في عمّان منذ عام 2012، فإن قرار العودة مرهون بإجراء زيارة إلى سوريا لأحد أفراد عائلتها، بهدف ترميم منزلهم في حلب. وأشارت في حديث لـ “الحل نت”، إلى إن لديهم تخوف من العودة في ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية ووجود حالات قتل وخطف، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وعدم وجود دخل.
لكن أم نورا، وهي أخصائية سمعية وفضّلت عدم الحديث باسمها، أعادت التأكيد في حديث لـ “الحل نت”، على ضرورة استصدار موافقة “خروج وعودة”، بهدف إجراء زيارة استكشافية إلى سوريا. إذ يعتبر أكثر من 60 بالمئة من اللاجئين السوريين، أنه “من المهم إجراء زيارة اذهب وشاهد قبل اتخاذ القرار النهائي بالعودة”، وفق استطلاع المفوضية الأممية.
شروط العودة
لعودة اللاجئين السوريين، أو أي لاجئ في العالم، شروط يجب أن تتوفر لضمان عودة آمنة وكريمة، إذ قال المختص بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين، الدكتور رياض صبح، إن العودة يجب أن تكون طوعية وآمنة، أي ألا يتعرض اللاجئ للإساءة بكل أنواعها، سواء أثناء خروجه من البلد المقيم فيه أو عبر الطريق أو من البلد العائد إليه. ولفت إلى أن المؤشرات إيجابية نحو أن تكون العودة آمنة.

وأشار صبح إلى أن هناك عدة أطراف لتحقيق العودة الآمنة، تشمل الحكومة السورية الحالية والبلد الذي يأوي اللاجئين، ومفوضية الأمم المتحدة، إضافة إلى المجتمع الدولي.
بالنسبة للبلد الذين يوجد فيه اللاجئون، يجب أن يحترم العودة الطوعية، بمعنى ألا يُجبر الناس على العودة، سواء كان الأردن، أو تركيا أو لبنان أو أي دول أخرى، وفق صبح. وأضاف: ” أعتقد أن هذه الدول ملتزمة إلى هذه اللحظة بمبدأ طوعية العودة”.
وزير الاتصال الحكومي، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، أكد مؤخراً أن الأردن ملتزم بالقانون الدولي ومبدأ العودة الطوعية للاجئين السوريين، متأملا أن تكون البيئة السورية قادرة على مزيد من العودة الطوعية.
بالنسبة للمفوضية الأممية فإن دورها محوري في أكثر من جانب، بحسب الحقوقي رياض صبح، إذ يتمثل في الانتقال إلى مستوى التشجيع على عودة اللاجئين، من خلال إصدار بيان بتشجيع العودة، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية أو نقل أمتعتهم وأغراضهم إلى بلدهم.
“الأهم أن تقوم بعقد اتفاقية ما بين الدول التي استقبلت اللاجئين والحكومة السورية الحالية والمفوضية، بحيث تلزم هذه الاتفاقية بطوعية العودة لكل الأطراف وتلزم الحكومة السورية الحالية في احترام عدم التعرض اللاجئين لأي ضرر أو اعتداء أو ما شابه، وبالتالي العفو عن أي شخص يمكن أن يكون ملاحقا من أي طرف باستثناء من ارتكب جرائم”، وفق حديث صبح لـ “الحل نت”.
وأشار صبح إلى أن هناك سوريون ما زالت أسماؤهم مطلوبة من أيام النظام المخلوع على المعابر الحدودية، مؤكدا على أهمية وجود شيء رسمي قانوني واتفاقية تلتزم فيها الحكومة السورية عند تعرض هؤلاء الناس لأي ملاحقة من هذا النوع، إلا المتهمين بارتكاب جرائم.
فيما يتعلق بالمجتمع الدولي، يجب عليه زيادة ميزانية المفوضية، لتشجيع العودة من خلال توفير المساعدة المالية للاجئين، إذ يجب أن يكون هناك برنامج كامل للعودة وتوفير المتطلبات المالية الكافية، بحسب صبح.
إضافة إلى ذلك، يجب إعادة إعمار سوريا، خاصة المناطق التي تم تدميرها والتي خرج منها اللاجئين، لتمكينهم من العودة.
المفوضية الأممية، قدّرت المتطلبات المالية التي تحتاجها لتأمين عودةٍ طوعية للاجئين والنازحين السوريين في المنطقة خلال العام الحالي بحوالي 371 مليون دولار، منها 22 مليونا لاستهداف عودة السوريين في الأردن.
عودة تدريجية
من غير المتوقع أن يعود السوريون فجأة، إذ إن العودة ستكون تدريجية في ظل وجود ارتباطات تتعلق بالعمل والتعليم، بينما ما يزال الوضع الاقتصادي مترديا، الأمر الذي ينعكس على فرص العمل والخدمات الأساسية، في حين تخضع البلاد لعقوبات أميركية وأوروبية.
إذ ينظر معظم السوريين إلى بلدان اللجوء على أنها أكثر أمانا واستقرارا، خاصة بالنسبة للمستثمرين وبعض الفئات التي تعمل بانتظام، فيما ما يزال الوضع في سوريا غير واضح المعالم.
وقالت الناشطة، عبير عيون، إنه يجب على الحكومة السورية أن توفر الأمن والأمان في البلاد وتسيطر على “التصرفات الفردية”، إضافة إلى تأمين الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وغيرها من الاحتياجات، خاصة المنازل.
تختلف المخاوف الرئيسة للاجئين بشأن العودة من بلد مضيف لآخر، وقد تُعزى هذه الاختلافات أيضا جزئيا إلى الظروف في أماكن المنشأ المختلفة داخل سوريا، إذ يختلف مكان نشأة اللاجئين حسب البلد المضيف.
في لبنان، ذكر 69 بالمئة منهم أن السكن هو شاغلهم الأساسي، وسلّط 54 بالمئة الضوء على التحديات الاقتصادية في سوريا، كحاجز أمام العودة. واعتبر 84 بالمئة من اللاجئين في العراق أن السلامة والأمن عائقا رئيسا أمام العودة، بينما قدم اللاجئون في الأردن ومصر وجهة نظر متوازنة، بين الاعتبارات العملية والسلامة والأمن.
يأتي ذلك بينما أُطلقت تحذيرات من فوضى العودة الجماعية للاجئين، والتي ستضغط على الموارد المحدودة في البلاد؛ ما يفرض ضغوطا هائلة على السلطات السورية ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني، حيث يعيش 5.5 مليون لاجئ سوري في تركيا ولبنان، والأردن، والعراق، ومصر.
وعاد أكثر من 270 ألف سوري إلى البلاد، منذ الإطاحة بالنظام السابق، بينما من المتوقع أن تزداد حركة العودة مع انتهاء المدارس، مما يتطلب من الحكومة البدء بالعمل على عدة ملفات، خاصة في العاصمة، حيث يجب تنظيم مناطق لتواجد “البسطات” والمحروقات في الطرقات، إضافة إلى التشديد للتقيد بقوانين السير، لتفادي الأزمات الخانقة، التي باتت تعاني منها دمشق مؤخرا.
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

احتجاز شاحنتين أردنيتين في السويداء: هل تتأثر حركة النقل بين البلدين؟

بعد حظرها في الأردن.. الشرع يرفض فتح مكاتب لـ “الإخوان المسلمين” في سوريا

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مصر والأردن تدينان الغارات الإسرائيلية على سوريا.. وهذه آخر المستجدات بدرعا
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول في العمق

الإعلام السوري ما بعد “الأسد”.. هل نحن في مأمن؟

السودان في فخ أردوغان وأطماعه في النفوذ السياسي

العلاقات السورية الأميركية: هل ينجح الشرع في كسب ثقة ترامب؟

اختراقات تُقلق “الحوثيين”.. ما دور كتائب “العائدين” وطارق صالح؟

الهجمات الإسرائيلية في سوريا: مقايضة روسية مقابل تحجيم النفوذ التركي

تحوّل في شرعية التمثيل السوري: واشنطن تُعيد تعريف العلاقة القانونية مع دمشق

لردع تركيا.. العمليات الإسرائيلية في سوريا بداية لحرب مفتوحة؟
