بعد تأجيل انعقاد أعمال الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية السورية، إثر اختلاق موسكو مطلب جديد، قد يقضي على آمال استمرار هذا المسار، في ظل مناورات مستمرة يقوم بها وفد حكومة دمشق، مقابل ضعف وفشل، أكده الكثير من المراقبين لأداء وفد المعارضة السورية، وفي المقابل تبدو جهود المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، تدور في حلقة مفرغة منذ أولى أيام تعيينه، ما قد يدفع بالأخير إلى إعلان استقالته خلال فترة قريبة، ليتوّج بذلك فشلا معلنا ومتوقعا لمسار اللجنة الدستورية.

إصرار وفد حكومة دمشق على تنفيذ المطلب الروسي، غير المنطقي بنقل أعمال اللجنة الدستورية من جنيف السويسرية، يدلل على رغبة مشتركة من قبل كل من دمشق وموسكو للتخلص من مسار اللجنة الدستورية، الذي كان من الأساس يلاقي رفضا واسعا من السوريين على اختلاف مبرراتهم، ما سيعني بطبيعة الحال، أن جولات بيدرسون، المكوكية بين الدول ذات العلاقة المباشرة باللجنة الدستورية كانت صفرية النتيجة، كما هو الحال مع الجولات الدستورية الثمانية الماضية. وعليه إلى أين يتجه مسار اللجنة الدستورية؟

مصير جولات بيدرسون

السياسية والباحثة الأكاديمية، وعضو اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، قالت في حديثها لـ”الحل نت”، إن “النظام سعى لتعطيل عمل اللجنة الدستورية منذ انطلاقها، ويعمل على حرف مسارها، بالسعي لتقاسم السلطة ببن النظام والمعارضة وفق أطر الدستور القديم، الذي تأسست وفقه المنظومة الحالية في المنطقة”.

ورغم مناقضة هذا الانحراف لمطالب السوريين بتأسيس دولة سوريا الحديثة، تحترم حقوق المواطنة وحقوق الإنسان، لكن المبعوث الدولي صمت عن مساعي كلاً من المعارضة ودمشق المتناقضة مع القرارات الدولية القاضية بالتغيير السياسي في سوريا، واتسمت جولاته بـ”الفشل” ونتيجتها البديهية، هي إلغاء الجولة التاسعة، وفقا لحديث مبيض.

وأوضحت مبيض، أن محاولات بيدرسون، كانت لإيجاد توافق بين طرفي الصراع المتسببين بتدمير سوريا، وبتدهور الوضع الأمني والحال الكارثي فيها، متجاهلاً ملايين السوريين المتضررين من طرفي الصراع في البلاد، إضافة إلى مطالبه المنحصرة بالدعم الإنساني، رغم عدم جدواها في إيجاد حلول جذرية للسوريين.

وبحسب عضو اللجنة الدستورية، “لا يمكن إغلاق مسار اللجنة، لأنه يشكل جزءاً من قرارات مجلس الأمن بخصوص سوريا، لكنه بوضعه الحالي يناقض هذه القرارات ولا يطبقها، لذلك فإن تقويمه هو الأساس، ورفع يد النظام والمعارضة عن المتاجرة بمصير السوريين لقاء ارتهانهم وتبعياتهم، وتشبثهم بالسلطة بشكل همجي ومنح الأولوية للمجتمع المدني الذي تم اقصاءه، بغض النظر إن استقال بيدرسون أم لم يفعل”.

هل تغلق روسيا جولات جنيف؟

لم ينتج عن الجولات الثمان الماضية من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية أي نتائج مرضية، إذ لم تحدث تلك الجولات أي خرق حقيقي ،أو تقدم بشأن التوصل للتفاهم حول المبادئ الدستورية، التي طُرحت من قبل الأطراف المشاركين، وعلى الرغم من انخفاض مستوى التوقعات من حصول أي نتائج إيجابية، إلا أنه كان مقررا عقد جولة تاسعة.

ولكن تم الإعلان يوم السبت الفائت، عن تأجيلها لأجل غير مسمى، نتيجة طلب تقدّم به رئيس وفد دمشق في اللجنة أحمد الكزبري، بتأجيل الاجتماع مشترطا الموافقة على الشروط الروسية، لذلك بات التدخل الروسي واضحا في عمل اللجنة، التي من المفترض أن تكون سورية فقط، وهذا ما يطرح تساؤلا حول إغلاق مسار اللجنة الدستورية بشكل نهائي برعاية من روسيا.

السياسي السوري، بسام القوتلي، أكد في حديثه لـ”الحل نت”، أن اللجنة الدستورية مطلب روسي أساسا، والمجتمع الدولي يحافظ عليها لإبقاء الروس ضمن العملية السياسية، مضيفا “لذلك لا أرى أنه سيتم إنهاءها حاليا رغم قناعة الجميع بعدم جدواها، المسار مطلوب روسياً لخلق حالة موازية للعملية التفاوضية ولكنها غير مثمرة، بحيث يكون استمرار المسار أهم من نتائجه، بشكل مشابه لمسار السلام الفلسطيني الإسرائيلي”.

من جهته، استبعد الصحفي السوري، فراس علاوي، لـ”الحل نت”، تخلي موسكو عن مسار اللجنة الدستورية، لأنه المسار الوحيد الذي تتحكم فيه روسيا، وتستخدمه مع دمشق لابتزاز للمجتمع الدولي كورقة مساومة وإلهاء وتقطيع للوقت، حتى فرض شكل من أشكال الحل.

وعن الحديث عن نقل مكان انعقاد المحادثات، يعتقد علاوي، أن عدم وجود تجاوب من المعارضة نوعا ما، دليل على هشاشة موقف المعارضة مقارنة بالموقف الروسي، وإذا نجحت روسيا ونقلت المسار إلى عاصمة أخرى، فسنشهد حل جزئي ومتجزئ للوضع السوري تقبل به دول “أستانا” الثلاث (تركيا، إيران، روسيا)، وهذا يؤثر بشكل أو بأخر على مسار الحل السياسي في سوريا.

ويرجح الصحفي السوري، أن طلب دمشق وروسيا بنقل مكان انعقاد الجولة التاسعة، هو نوع من الضغط، وليس من إنهاء الملف لأنه ورقة ضغط تستخدمها روسيا على الطاولة السياسية، وبالتالي فإن مسار اللجنة الدستورية، اتجه نحو التعطيل وتوقفه لعدة أشهر للمساومة والمفاوضات.

أما عن الحديث حول استقالة بيدرسون، فيرى علاوي، أن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، لا يزال مصر على موقفه، ولا يريد أن يخرج خاسر من ملف كلف به، ولكن إذا وصل إلى طريق مسدود سيقدم استقالته.

تهديد بمجلس الأمن

عدم إحراز تقدم يذكر نحو التوصل إلى حل سياسي للمشكلة السورية، والدوران في حلقة مفرغة، عبّر عنه الرئيس السوري، بشار الأسد، في حزيران/يونيو الفائت، خلال لقاء مصور مع قناة “روسيا اليوم”، بأنه “لا يمكن أن يكون هناك استقرار بدستور يتعارض مع رغبات الشعب”، وهذا يعكس وجهة نظر دمشق حول الاجتماعات التي ترعاها الأمم المتحدة مع المعارضة السورية، وحللها مراقبون بحسم الأسد لمستقبل جولات الحل السياسي السوري.

حاليا، تتذرع روسيا بعدم إعطاء وفدها تأشيرات دبلوماسية للدخول إلى سويسرا، لتأجيل اجتماع اللجنة الدستورية، وهذا ما يثبت عدم حياديتها، بل ورغبتها بإنهاء اللجنة بعد تعطيل وتخريب عملها.

رئيس هيئة التفاوض السورية، بدر جاموس، أوضح لـ”الحل نت”، رفض الهيئة لنقل مكان اجتماعات اللجنة الدستورية، مشددا على أن الأمم المتحدة “هي الجهة الوحيدة المعنية بتنفيذ القرار 2254، وهيئة التفاوض متمسكة بهذا الأمر”.

وعن قرار دمشق بتعليق مشاركتها باجتماعات اللجنة الدستورية؛ قال جاموس، هو “تفضيل لمصلحة روسيا السياسية على حساب المعاناة التي يعيشها السوريون، والتي يمكن الوصول إلى إنهائها عبر العملية الدستورية والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 2254″.

وأضاف: “الرسالة التي وصلتنا من مكتب المبعوث الأممي واضحة، ونصّت صراحة على رفض المشاركة من قِبل وفد النظام في اجتماعات الدستورية؛ حتى تنفذ الأمم المتحدة طلبات الاتحاد الروسي”.

وكان الأسد قد حسم مصير النتائج التي ستتوصل لها اللجنة، بأنها ستعود لاستفتاء شعبي، و”لن يأتي إلى الحكومة لكي تصدر دستورا، هذا الموضوع محسوم، فهو يعكس الشعب ورغبات الشعب، إما أن ينجح أو يسقط الدستور”.

وبالتالي، بات من الواضح أن المسار السياسي لحل الأزمة السورية، أصبح في نهايته فكل المعطيات، وأسباب تأجيل الجولة التاسعة للجنة الدستورية، تدل على عدم وجود أي جدية من حكومة دمشق للتوصل إلى حل للأزمة، وبرز ذلك بشكل كبير بعد تحديد الجدول الزمني لإنهاء الدستور، والذي حدده المبعوث الدولي في رسالة الدعوة للجولة المؤجلة، الذي ربما هو الآخر وصل طريق مسدود يعلق عليه ورقة استقالته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.