“حياد ومسيّرات”.. عنوان السياسة الخارجية الإيرانية في أوكرانيا؟

إفساد علاقاتها مع المجتمع الدولي هي ما تتميز به السياسة الإيرانية، بدءا من احتجاز 52 موظفا من السفارة الأميركية في طهران في تشرين الثاني/نوفمبر 1979 من قبل 500 طالب إيراني من الموالين للإمام الخميني، إلى إعلان الحكومة الأوكرانية خفض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران مؤخرا.

في مقال يحمل عنوان “إيران تاريخ حافل من العلاقات الدولية المضطربة مع الخارج” أرجعت نورة السبيعي، الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، الأمر إلى جوهر فكر الخميني القائم على استراتيجية إنشاء نظام عالمي وفق مبادئ “ولاية الفقيه وتصدير الثورة”، وهي إستراتيجية تُظهر عدم الاعتراف بحدود الدول القومية وسيادتها، لذا ظلت إيران على الدوام تسقط في أزمة قطع العَلاقات الدبلوماسية وتوتير عَلاقاتها الخارجية.

وزارة الخارجية الأوكرانية، صرحت عبر موقعها الرسمي على الإنترنت في أيلول/سبتمبر الماضي، بأن تزويد روسيا بالأسلحة لشنّ حرب على أوكرانيا، عمل عدائي يوجه ضربة خطيرة للعلاقات بين أوكرانيا وإيران، وردا على هذا العمل العدائي، قرر الجانب الأوكراني سحب اعتماد سفير إيران، وتقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين في السفارة الإيرانية في كييف بشكل كبير.

قد يهمك: ما سيناريو انتهاء الغزو الروسي لأوكرانيا؟

المتحدث باسم الرئيس الأوكراني، سيرغي نيكيفوروف، اعتبرها بأنها إجراءات إيرانية تتعارض مع سيادة دولة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وتتعارض أيضا مع حياة المواطنين الأوكرانيين وصحتهم، فيما وصفها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بـ “التعاون مع الشر”.

في المقابل، دعا المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الحكومة الأوكرانية إلى “عدم التأثر بالأطراف الثالثة” التي تسعى إلى ضرب العلاقات بين البلدين، حيث قال إن خفض العلاقات بني على تقارير غير دقيقة وإثارة إعلامية لأطراف خارجية. مؤكدا على سياسة الحياد النشيط في النزاع بين أوكرانيا وروسيا، على حد تعبيره.

عن “الحياد” الإيراني يذّكر مدير مركز الدراسات والبحوث في معهد “رصانة”، اللواء أحمد الميموني، في حديثه لـ “الحل نت” بالأدبيات الإيرانية المليئة بتناقض الخطاب، أبرزها ما ورد في حديث الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورته ال77، عندما أشار الى أن السياسة الإيرانية قائمة على الأسس والمبادئ، والاعتماد على حل المشاكل بالحوار دون تدخل القوى الخارجية، في تناقض صريح مع ما تقوم به إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ناهيك عن عدوانيتها المستمرة تجاه دول الخليج، وخطابها المتكرر برغبتها في تحسين العلاقات مع دول الجوار.

حياد ومسيرات

التعاون الروسي الإيراني عام 2010، بدأ مع فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، بحسب موقع “تريندز” للبحوث والاستشارات. في العام التالي بدأ “الربيع الروسي الإيراني”، وتقوية أواصر الشراكة الاستراتيجية على وقع التفاهم المُشترك بينهما في ملفات العراق وأفغانستان وإقليم ناغورنو كاراباخ، وصولا إلى استغلال روسيا لـ “الاتفاق النووي” مع إيران في عام 2014، من أجل إجبار واشنطن على غض الطرف عن الضم الروسي لشبه جزيرة القرم.

سياسة الضغوط القصوى وانسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، أوجدت فرصة سانحة لمزيد من التقارب الإيراني الروسي، إذ سارعت طهران إلى توطيد علاقاتها بموسكو، معلنة دعمها الكامل للجانب الروسي، حيث أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أن، بلاده تتفهم المخاوف الأمنية الروسية جراء أفعال حلف الناتو في أوروبا الشرقية.

الدراسة تخلص إلى أن الحرب الروسية على أوكرانيا وجهة مثالية للميليشيات الطائفية الموالية للنظام الإيراني، والتي قد تشارك في القتال إلى جانب الروس؛ مما سيؤدي إلى مزيد من تشابك المصالح وتوحيد السياسات وتقديم التنازلات بين الجانبين، حيث أن النفوذ والتغلغل الإيراني لا يتحقق إلا في بيئات غير مستقرة، وتحديدا في البلدان التي شهدت صراعات وحروبا أهلية.

وزارة الخارجية الأوكرانية أضافت في تصريحها أيضا، بأنه قيل للقائم بأعمال السفير الإيراني، إن إمداد روسيا بالأسلحة الإيرانية يتعارض بصورة مباشرة مع موقف الحياد واحترام سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها.

ما يتعلق بالتدخل الإيراني في أوكرانيا، وبرغم تصاريح المسؤولين الإيرانيين عن رغبتهم في التوسط لحل النزاع، بحسب الميموني، فإن مصلحة طهران تكمن في تخادمها مع روسيا في تدعيم أحداهما للآخر في قضايا تهم إيران مثل سوريا و”الملف النووي” والتواجد في أفريقيا، ودعم روسيا لإيران في المنظمات والمحافل الدولية مثل منظمة شنغهاي.

إيران وروسيا يعتبران حليفتان متقاربتان، وقد أدى تعثر المفاوضات النووية والحرب في أوكرانيا إلى تعميق علاقتهما. في المقابل تشوب العلاقات بين أوكرانيا وإيران توترات بسبب قيام “الحرس الثوري” الإيراني بإسقاط طائرة ركاب أوكرانية عام 2020، ومقتل جميع ركابها.

الباحث في معهد البحر الأسود الأوكراني “بي أس أس أي”، ارسان بكريوف، خلال حديثه لـ “الحل نت” يعتبر أن إسقاط الطائرة الأوكرانية “يو آي أي” الرحلة “بي أس 752” عام 2020 عملا إرهابيا، فالانطباع الأوكراني، كان بأن الإيرانيين كانوا ينتظرون الطائرة، وأن الأمر (فتح النار) صدر عن القيادة العليا، إذ لا يمكن لأي مشغل (مجمع دفاع جوي) اتخاذ مثل هذا القرار بمفرده.

الحكومة الأوكرانية أصبحت تنظر لإيران بسلبية للغاية، وفق بكريوف، بسبب إمداد روسيا بالمسيرات. داعية طهران إلى التوقف الفوري عن تزويد موسكو بالأسلحة المستخدمة لقتل الأوكرانيين. محملة إياها المسؤولية الكاملة عن تدمير العلاقات مع أوكرانيا.

الطرف الثالث المسيرات الإيرانية

بالنسبة للأنظمة الغربية، تم تقييم أداء المسيرات الروسية داخل أوكرانيا بالسيئ، على عكس ما أدعته الدعاية العسكرية الروسية، ولسد هذه الفجوة استعانت روسيا بالمسيرات الإيرانية المعروفة باسم “المسيرات الانتحارية” في حربها على أوكرانيا، حسب مركز “المستقبل” للأبحاث والدراسات المتقدمة، وفي هذا السياق، صرح وزير الخارجية الإيراني، حسين عبد اللهيان، مؤخرا أن الكرملين سيجد الحل في المنتجات القتالية الإيرانية.

المسيرات الإيرانية تعرف بأنها صواريخ “كروز” مجنحة متوسطة المدى، وأكثرها كفاءة من طراز ” أبابيل 5″، وهي التي طلبتها روسيا، حيث بمقدورها حمل رأس تفجيري يصل وزنه إلى 600 كيلوجرام، ويمكنها أن تؤدي وظيفتان، التجسس والتصوير الجوي أو تتبع الأهداف والانقضاض عليها والتصادم معها.

الشحنة الأولية تضمنت نموذجين، شاهد 129 وشاهد 191، بالإضافة إلى مهاجر 6. تعتبر جميعها من بين أفضل المسيرات الإيرانية، حيث تسعى موسكو من خلالها لسد الثغرات العسكرية في جانبها، بالإضافة لاستخدامها في ضرب أهداف عالية القيمة في أوكرانيا.

قائد المدفعية في اللواء 92 الآلي الأوكراني، الكولونيل روديون كولاجين، أشار إلى صعوبة اكتشاف المسيرات الإيرانية من قبل أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية، نظرا لصغر حجمها نسبيا وتحليقها على ارتفاع منخفض للغاية، ويأمل أن تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من تزويد أوكرانيا، بتقنيات مضادة للطائرات بدون طيار أكثر تقدما، أو أن يتدخلوا لتعطيل شحنات الطائرات بدون طيار الإيرانية إلى روسيا، وفق تصريحه لصحيفة “وول ستريت جورنال”.

الطائرات الإيرانية تتسبب بأضرار ملموسة للبنية التحتية الأوكرانية، حيث تستخدم روسيا هذه الطائرات بشكل أساسي ضد المباني في العمق الأوكراني. إذ تعتبرها روسيا بديلا رخيصا عن الأسلحة والصواريخ الدقيقة، ولكنها غير حاسمة في تغيير ميزان القوى في المعركة، ولا مجال لمقارنتها بأنظمة “أش أي أم أر آس” المستخدمة من قبل أوكرانيا، سواء من حيث الدقة والكمية أو القوة التدميرية، بحسب الباحث ارسان بكريوف.

في الآونة الأخيرة تلقت قوات الدفاع الجوي الأوكرانية معلومات كافية من حلفائها حول تصميم هذه الطائرات، بالإضافة لتلقيها وسائل خاصة لاكتشافها ومكافحتها. ووفقا لهيئة الأركان العامة الأوكرانية، فإن وحدات الدفاع الجوي تسقط يوميا ما يصل إلى 60 بالمئة من المسيرات الإيرانية، وفق بكريوف.

في أيلول/سبتمبر، أبلغت أوكرانيا عن أول هجمات روسية نفذت باستخدام طائرات مسيرة إيرانية الصنع، لكنها استهدفت حتى الآن بشكل أساسي جنوب البلاد، بما في ذلك مدينة أوديسا المطلة على البحر الأسود، وفقا لما أورده موقع “فرانس 24”.

خلال الأسابيع الماضية، بدأت طائرات “شاهد-136″، أعيد طلاؤها بالألوان الروسية، كما أعيد تسميتها باسم “جيرانيوم-2(إبرة الراعي2)”، في الظهور فوق مواقع المدرعات والمدفعية الأوكرانية في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية، بحسب الكولونيل كولاجين.

في رده على كلام المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، حول وجود طرف ثالث يسعى لتدمير العلاقة بين البلدين. أجاب المتحدث باسم وزارة الخارجية أوليغ نيكولينكو، إن “الطرف الثالث الوحيد” هو المسيرات الإيرانية التي تقوم أوكرانيا بإسقاطها مباشرة في أجوائها.

مسيرات مقابل الطائرات الروسية

في آب/أغسطس الماضي، ذكر موقع “دبيكا”، المختص بنشر التقارير الاستخباراتية، أن التعاون العسكري بين إيران وروسيا ازداد في الآونة الأخيرة، على خلفية الحرب الأوكرانية، وأضاف الموقع أن موسكو وطهران توصلتا إلى اتفاق، ستزود بموجبه إيران الجيش الروسي بـ 300 طائرة مسيرة، في المقابل تزود روسيا سلاح الجو الإيراني بطائرات “سي يو- 35” المقاتلة، بحسب موقع “تلفزيون سوريا”.

روسيا تسلمت طائرات إيرانية مُسيرة من طراز “مهاجر 6″ و”شاهد 129″ و”شاهد 191” في آب/أغسطس الماضي، وفق تقرير لموقع “الجزيرة نت” موردا قولا لخبراء عسكريين، إن الطائرات المسيرة ستستفيد منها روسيا في كل من الاستطلاع والهجوم، بعد تحديد الأهداف المناسبة والتعامل معها، وأن تقدير الاستخبارات الأمريكية تميل لاستخدام روسيا المسيرات الإيرانية في شن هجمات جو- سطح وحروب إلكترونية، والاستهداف في ساحة المعركة المُحتدمة في أوكرانيا.

بالنسبة لمستقبل انخراط إيران في الحرب مع روسيا، فهناك بعض التقارير التي تحدثت عن تشجيع إيراني لبعض العناصر للانخراط في النزاع الأوكراني، بحسب اللواء الميموني. مشيرا إلى التجربة الإيرانية السابقة في توظيف عناصر “زينبيون” و”فاطميون” في سوريا، غير أن ما يحد من ذلك هو الإنهاك الذي يعانيه الوجود الإيراني في سوريا.

فيما ينفي بكريوف، إمكانية زيادة انخراط إيران إلى جانب روسيا، لاسيما في جانب إرسال إيران لجنود نظاميين أو غير نظاميين، للقتال إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا. على اعتبار أن ذلك إن حدث، فسيتم اعتباره غزوا مباشرا يوازي إعلان الحرب، مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب على طهران.

اقرأ أيضا: احتمالات نهاية الغزو الروسي لأوكرانيا

قطع العلاقات الدبلوماسية بين كييف وطهران، وفق بكريوف، إن لم تصحح الحكومة الإيرانية موقفها تجاه أوكرانيا، أمرا مرجحا في المنظور القريب، بالنظر إلى المشاكل المتراكمة بين الجانبين. إيران تطبع سياستها بالتقية، منافية أعمالها لأقوالها، ففي الوقت الذي تعلن فيه حيادها ووساطتها عن أو على طرفي الصراع في أوكرانيا، تقوم بإمداد الطرف الروسي المعتدي، بـ “المسيرات الانتحارية”، أملا بالحصول على دعم روسي في أحد المجالات السياسية أو الدولية أو العسكرية والأمنية، وهو ما يضاعف من مشاكلها مع المجتمع الدولي ويزيد عزلتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة