مع استمرار تدهور القدرة الشرائية للسوريين، تتحول السيارة التي تُعتبر رمزا للحرية والتنقل، إلى حلم وترف قاسي للنسبة الساحقة من السوريين، نتيجة للأرقام الفلكية التي وصلت إليها أسعار السيارات بسوريا، في الوقت الذي تحولت فيه السيارة إلى قائمة الأساسيات في العديد من الدول حول العالم.

الأسعار المرتفعة للسيارات في سوريا، دفعت شريحة واسعة من الأهالي إلى التوجه نحو شراء السيارات القديمة جدا، وهنا نتحدث عن سيارات تعود إلى حقبة السبعينات أو الثمانينات، الأمر الذي يُدخل هذه الشريحة في متاهة أخرى، وهي تخصيص ميزانية دورية من أجل صيانة هذه الآليات القديمة.

هذا كله فضلا عن الضرائب المرتفعة التي يدفعها مرتادو السيارات في البلاد، الأمر الذي أفضى إلى تخلي البعض عن سيارته، نتيجة عدم القدرة على تحمّل مصاريف الصيانة والضرائب، التي ترتفع بشكل مستمر، بينما متوسط الأجور يراوح في مكانه.

سيارات قديمة

في الشوارع السورية قد تجد سيارات من طرازات اختفت من جميع دول العالم باستثناء سوريا، حيث أن سعر السيارات في سوريا قياسا على متوسط الدخل للفرد، أجبر معظم السوريين على العودة بالزمن عشرات السنين ليتمكنوا من امتلاك سيارة.

بحسب تقرير لمنصة “غلوبال نيوز” المحلية، فإن متوسط سعر السيارات الأكثر مبيعا مع ترسميها قبل عام 2011، كان لا يتجاوز  1.5 مليون ليرة، وهو مبلغ يساوي رواتب عشر سنوات مع التعويضات لموظف من الفئة الأولى ووصل إلى”السقف“، وهذا يعني أن شراء سيارة في ذروة انخفاض أسعارها غير المسبوق كان لايزال حلماً مستحيلا لملايين السوريين، لكن أصبح هذا الحلم متاحا لعدد كبير من العاملين بأجر الذي استجر البعض منهم قرضا من المصارف بحدود المليون ليرة، أو باع قطعة أرض أو عقار. 

خلال السنوات الأخيرة، تضاعفت صعوبة حصول المواطن السوري على سيارة، والمشكلة هنا ليست ارتفاع أسعار السيارات، خاصة إذا تم حساب السعر على العملة الأجنبية، لكن المشكلة الأساسية بانخفاض أو تدهور القدرة الشرائية لمتوسط دخل الفرد في سوريا.

بعد أن كان سعر السيارة يساوي راتب موظف درجة أولى أو ممتازة عشر سنوات، أصبح يساوي اليوم راتب الموظف نفسه لـ 140 سنة تقريبا بحسب تقرير المنصة المحلية، “وبعدما كان للمصارف إمكانية إطلاق خدمة (قرض السيارة) بمبلغ مليون ليرة أصبح من المستحيل على أي مصرف تمويل سيارة بمبلغ 250 مليون مقارنة بأجر ملايين العاملين غير الكافي لشراء أكثر من الفلافل”.

قد يهمك: تصدير نحو 600 طن بندورة يوميا.. ما الانعكاسات على الأسعار في الأسواق السورية؟

مع تزايد الإقبال على شراء السيارات القديمة، ازدادت شكاوى السوريين من ارتفاع تكاليف الصيانية، هذا فضلا عن استمرار أسعار المحروقات، الأمر الذي يشكل عبئا ماديا إضافيا على أصحاب السيارات.

“سأبيع السيارة ولن أتملك من جديد” قال أحمد طه وهو موظف حكومي وأب في عائلة مكونة من خمسة أفراد، مشيرا إلى أن تكاليف السيارة أصبحت تحتاج إلى ميزانية وراتب خاص، بعد ارتفاع أسعار المحروقات وتكاليف الصيانة الدورية.

طه أضاف في حديث خاص لـ”الحل نت”، “أصغر عملية إصلاح في السيارة باتت تكلف بين 25 و45 ألف ليرة، سيارتي موديل 1995 وهي تحتاج لصيانة بشكل شهري، وبالتأكيد لا أستطيع تحمّل تكاليف شراء سيارة جديدة، ومع هذا الارتفاع في تكاليف الصيانة قررت بيع السيارة بشكل نهائي، ولن أفكر في شراء سيارة أخرى، الأمر أصبح مستحيلا”.

بحسب تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، فإن كل سيارة تحصل على مئة ليتر مدعم شهريا، في حين يصل منها 50 ليترا فقط، أي بمعدل رسالتين فقط، على حين مخصصات السيارة العامة 350 لتر بنزين مدعم، يصل منها 4 رسائل فقط أي 100 لتر بنزين مدعم.

بحسب ما ذكره موقع “أثر برس” المحلي، في تقرير سابق فإن سعر “كيا ريو” موديل 2010 – 2011 يصل إلى 130 مليون ليرة سورية، وسعر “هيونداي أفانتي” و”كيا سيراتو” موديل 2007-2008-2009 يتراوح سعرها بين 125 – 150 مليون ليرة، وسعر “لانسر” موديل 83 هو 30 مليون ليرة.

أما سعر “المازدا 926″ موديل 83 يصل سعرها إلى 40 مليون، و”مازدا جوهرة 323” يصل سعرها إلى 50 – 60 مليون، أما سعر السيارة نوع “بيجو 405” هو 50 مليون ليرة، بينما سعر “هوندا سوناتا” و”كيا سيراتو” موديل 2020 وصل إلى 800 مليون، منوّها إلى أن موديلات 2010 – 2008 – 2011 هي الأكثر طلبا.

أسعار “كاوية” لقطع التبديل

بحسب تقارير محلية، فإن أسعار قطع التبديل شهدت ارتفاعات وصلت إلى مئة بالمئة خلال العام الماضي، الأمر الذي أثّر بشكل سلبي على أصحاب السيارات، لا سيما العاملين في قطاع النقل، وأصحاب سيارات الأجرة.

من جهته أكد عضو “اتحاد حرفيي طرطوس” منذر رمضان، أن إصلاح السيارة اليوم مكلف جدا، لأسباب عديدة، منها قلة القطع الموجودة في الأسواق نتيجة قلة الاستيراد، ورفع الجمارك على القطع المستوردة، إضافة إلى حصر الاستيراد بعدد قليل جدا من التجار، وبالتالي لا توجد منافسة وارتفاع الطلب مقابل قلة العرض، وقلة قليلة تتحكم بالأسعار، وعدم إعطاء فواتير نظامية لبائعي المفرق، وارتفاع أجور النقل بين المحافظات، ولا ننسى الضرائب المرتفعة.

بعض أصحاب محال بيع قطع غيار السيارات قالوا، إن “القطع شبه مفقودة وتستلزم وقت حتى تصل إلى دمشق إذا طلبها الزبون توصاية؛ أما إذا قرر صاحب السيارة تركيب قطعة مستعملة؛ فتكون بنصف عمر وأقل سعر”.

هذا ويبدو أن إصلاح السيارات بات يشكّل معاناة مستمرة يواجهها المواطنون مع ارتفاع أجور الإصلاح واختلافها بين فنّيي الميكانيك، خاصة وأن المهنة لا تخضع لرقابة حكومية، ما أدى إلى فوضى وارتفاع أسعار كبيرين في ورش تصليح السيارات أضرت بالمدنيين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات