في ظل الأجواء المرهقة التي تشهدها سوريا في فصلي الصيف والشتاء على حدٍّ سواء، يعيش المواطن السوري نكبة مروعة تتمثل في انعدام التوازن الكهربائي. لقد أصبح تقنين الكهرباء أمرا حتميا يجب أن يعيشه في فصول العام الأربعة، وعلى الرغم من هذه الواقعة المريرة مستمرة، فإن الحلول أيضا لا تزال تبعد أعوام. 

حدة التقنين تصاعدت، بعد تزايد أعداد الخطوط الذهبية والسياحية والتي بسببها لم يعد هناك ما يكفي لسد حاجة الشعب، ووسط هذا الجدل حول رفد خزينة الدولة من إيرادات هذه الخطوط، يتساءل الجميع عن مصير المواطن العادي الذي يعاني في صمت مع ساعات التقنين القاسية. 

توصيف الحالة يرويها مواطن بقوله، “إننا في صراع بين نارين، بين الحاجة لتوفير الخدمات الأساسية والتقليل من المعاناة، وبين محاولة الحكومة تحقيق الاستقرار المالي على حساب المواطن العادي الذي يعاني في صمت ويحمل عبئا لا يُطاق”. 

في هذا السياق، يتجلى الواقع المرير عندما يرمي المواطنون في حماة مؤونتهم التي أعدّوها لمواجهة الشتاء البارد، في حاويات القمامة. يروون قصصا مؤلمة عن جهود زوجاتهم في تحضير الطعام، والفول والبازلاء والملوخية والباذنجان المشوي والجبنة التي أضحت الآن تتحلل في صفوف النفايات. هؤلاء المواطنون يعانون من خسائر مالية فادحة جراء تلك المؤونة الفاسدة التي لم تستطع الصمود أمام الانقطاعات الكهربائية القاسية، فسوء التقنين يتجاوز بكثير فترات التيار الكهربائي المتوفرة، حيث يستمر لمدة تصل إلى 5.45 ساعات مقابل 15 دقيقة في أحسن الحالات، وفي بعض الأحيان يمكن أن تنخفض لمدة تصل إلى 12 دقيقة فقط.

المواطن ضحية.. من بلوة لبلوة

إن مشهد رمي المونة في القمامة يثير الرهبة والقلق لدى الجميع، فالمواطن السوري العادي يعاني من عبء الحياة الصعبة وتحديات الاقتصاد الضعيف، ولكنه لا يزال يسعى لإيجاد طرق للتغلب على الصعاب. ولكن عندما يفقد أساسيات الحياة مثل الطعام الذي يُستدام به أسرته، فإن هذا يمثل نكبة حقيقية وإهانة كبيرة لكل مجهود يُبذل. 

ضعف في حركة الشراء على مواد المونة - إنترنت
ضعف في حركة الشراء على مواد المونة – إنترنت

ربّة المنزل رويدا صرّحت في حديث لوسائل محلية أمس الثلاثاء، “كنا نعتقد في الماضي أن الكهرباء كانت تصل بانتظام، حيث كانت تأتي لمدة ساعة كل 5 ساعات، ولكن اليوم لا نتلقى سوى ساعة واحدة فقط في اليوم بأكمله! لقد تحولت الأمور إلى الأسوأ بشكل لم نكن نتوقعه”.

بالمقابل، أكد المهندس سميح، أنه لم يتأثر بفقدان أي من مواد المونة التي تم تحضيرها. إذ تبعت زوجته الطرق التقليدية لإعداد المونة، حيث قامت بتجفيف الفول والبازلاء والملوخية تحت أشعة الشمس وتخزينها في مطربانات زجاجية محكمة الإغلاق، وأيضا عبر حفظ الجبنة المملَّحة بعد غليها في مطربانات زجاجية.

أما رحاب، الموظفة وأم لأربعة أولاد، أضافت بأنها استبدلت الكهرباء بالطاقة البديلة في أعمال المنزل وإعداد المونة وتخزينها، مشيرة إلى أن الطاقة البديلة، على الرغم من تكلفتها المرتفعة، حلّت جميع مشاكلها المنزلية الناجمة عن نقص الكهرباء، وأصبحت لا تعاني من أي شيء.

محمود هو الآخر سخر من الواقع الحالي، وذكر أن “نصف ساعة من الكهرباء في هذا الجو الحار، فإن الثلاجة ذاتها باتت تتصبب عرقا، وبدأت بإذابة الثلج ومحتوياتها تتجه نحو حاويات القمامة! ليس الجميع لديهم طاقة بديلة، وليس الجميع قادرا على تركيبها، خاصةً نحن فئة الموظفين”.

مصدر في الشركة العامة لكهرباء حماة، أوضح أمس الثلاثاء، أن الكمية المتاحة من الكهرباء في حماة تتراوح بين 80 إلى 100 ميغاواط، وهذا يتطلب تطبيق برنامج تقنين صارم لمدة 30 دقيقة للتيار مقابل انقطاع يمتد لمدة 5 ساعات و30 دقيقة في مختلف المناطق والقرى في المحافظة.

ساعات التقنين تعود للارتفاع

منذ بداية شهر تموز/يوليو الجاري، مالت درجات الحرارة  للارتفاع تدريجيا في سوريا لتصبح أعلى من معدلاتها بقليل لمثل هذه الفترة من السنة، وبات الجو حارا نسبيا بين الصحو والغائم جزئيا بشكل عام، وسديميا مغبرا وحارا في المناطق الشرقية والجزيرة.

بائع سوري يرتب التفاح في كشك لبيع الفاكهة وسط انقطاع مستمر في الكهرباء - إنترنت
بائع سوري يرتب التفاح في كشك لبيع الفاكهة وسط انقطاع مستمر في الكهرباء – إنترنت

ربّة المنزل مريم سليم، قالت لـ”الحل نت”، إن الكهربا هذه السنة أسوأ من السنة الماضية، “مو شاطرين غير بالوعود وما في شي عم يتغير، أقل شي يجيبوها بالليل خلي العالم تعرف تنام، والناس اللي عندها دوام تاني يوم تقدر تقوم على شغلها، ما حدا عم ينام من الشوب، هاد طبعاً غير البراد اللي صار متل قلتو بس منظر بالمطبخ، باختصار موت عالبطيء”.

بعد تحسّنٍ طفيف في وضع التغذية الكهربائية خلال فترة العيد، التي لم تُرضِ العديد من المواطنين، عادت ساعات التقنين للارتفاع في معظم المحافظات السورية.

مصدر في وزارة الكهرباء، كشف في تصريح خاص لموقع “غلوبال” المحلي اليوم الأربعاء، عن أن سبب ارتفاع ساعات تقنين الكهرباء في معظم المحافظات يعود إلى نقص كميات إنتاج الكهرباء، مشيرا إلى أن التغذية تتم وفقا لكميات الإنتاج المتاحة.

وفيما يتعلق ببرنامج التقنين في مدينة دمشق، أوضح المصدر أنه لا يوجد برنامج ثابت، بل يتم توزيع التيار الكهربائي على مناطق المدينة وفقا لكميات الطاقة المتاحة، ويتراوح برنامج التقنين بين 6 إلى 7 ساعات من التقطع مقابل ساعة من التشغيل.

أيضا في معرض حديثه عن إمكانية تحسّن واقع التقنين الكهربائي في الأيام القادمة، أكد المصدر مجددا أن ذلك يعتمد على تحسّن كميات إنتاج الكهرباء؛ خصوصا مع توقف مشاريع الطاقة البديلة في عدرا والشيخ نجار والمنطقة الصناعية بحسياء، وعدم الانعكاس الإيجابي لمشروع الربط الكهربائي مع الأردن ومصر وإلغاء الحماية الترددية.

أطنان من الخضراوات يوميا

هذا واعتاد السوريون خلال سنوات طويلة ماضية على تخزين العديد من المواد الغذائية في نهاية فصل الصيف، لتكون مخزونهم الغذائي طوال فصلي الشتاء والربيع، بغية الإسهام في تخفيف النفقات والمصاريف المعيشية اليومية، ذلك لأن هذه الأصناف الغذائية غير متوفرة في فصل الشتاء وفي حال توافرت فستكون غالية الثمن وطعمها غير جيد مثل مواسمها الطبيعية.

تسويق الخضروات من أجل دعم الفلاحين - إنترنت
تسويق الخضروات من أجل دعم الفلاحين – إنترنت

“المونة صارت شهوة، البيت اللي فيو مونة مثل مستودعات التاجر المليانة بضاعة”، هذا الوصف يبدو غريبا بعض الشيء على أهالي سوريا، الذين اعتادوا مع دنو شهر تموز/يوليو من كل عام، البدء بالتجهيز لمونة الشتاء، بدأ من البازيلاء إلى ورق العنب، والبامية والفول.

ليس غلاء الخضروات ما يمنع السوريين من صناعة المونة، فضمن خطة عمل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لجهة تنشيط تسويق الخضروات من أجل دعم الفلاحين والتدخل الإيجابي في الأسواق، تستمر “السورية للتجارة” عبر فروعها في دمشق وريفها وفي حماة واللاذقية وطرطوس باستجرار كميات كبيرة من الخُضر من الفلاحين مباشرة من دون حلقات الوساطة.

مدير عام المؤسسة السورية للتجارة، زياد هزاع، كشف في تصريحات صحفية من بداية الأسبوع بأن فرع المؤسسة في دمشق وريفها وفي عدد من المحافظات يستجر يوميا كل فرع على حدى ما بين 40 إلى 50 طنا من الخضر.

علي عباس المنحدر من طرطوس، ذكر في تعليقه على كلام هزاع، “السيد الرئيس قال لكم أيها المسؤولين لا توعدوا الناس بشيء لا تستطيعون تلبيته، وأنت يا سيد رئيس الحكومة وعدت الناس بأنهم سيلمسون تحسن بالكهربا نهاية حزيران/يونيو، بذلك تكون قد أوهنت من عزيمة الأمة؛ لأنك لم تستطع تأمين ما وعدت به”.

رغم هبوط أسعار الخضروات، إلا أن علّة التقنين الكهربائي في سوريا تسببت في نكبة مونة البيت السوري، فبات المواطن يتنقل في طريق عيشه من مطب إلى آخر دون قدرته على مواكبة الظروف الاقتصادية التي أضحت فوق طاقته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات