كما جرت العادة في سوريا تقوم كل أسرة بتخزين “المونة” وبكميات مناسبة للعديد من المواد الغذائية مثل ورق العنب واللبنة والبازلاء والملوخية والمربيات والمخللات وأهمها “المكدوس” وغير ذلك، ولكن بما أن أسعارها أصبحت خيالية، فإن كل عائلة اليوم “ستموّن” بقدر استطاعتها المادية فقط والتي أصبحت محدودة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.

نظرا لارتفاع الأسعار هذه الأيام، ثمة مخاوف من عدم قدرة الكثير منهم على تخزين “المونة”، وبالتالي ستقنّن العائلات الكثير من المواد، حيث عزف الكثيرون مؤخرا عن شراء ورق العنب الذي بلغ سعره 15 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد في أسواق العاصمة السورية دمشق.

هذا واعتاد السوريون خلال سنوات طويلة ماضية على تخزين العديد من المواد الغذائية في نهاية فصل الصيف، لتكون مخزونهم الغذائي طوال فصلي الشتاء والربيع، بغية الإسهام في تخفيف النفقات والمصاريف المعيشية اليومية، ذلك لأن هذه الأصناف الغذائية غير متوفرة في فصل الشتاء وفي حال توافرت فستكون غالية الثمن وطعمها غير جيد مثل مواسمها الطبيعية.

ورق العنب بـ 15 ألف

نحو ذلك، لم تتمكن الكثير من العوائل السورية من شراء ورق العنب لتخزينه لفصل الشتاء على الرغم من أنه لا يزال في موسمه، إذ حالت أسعاره دون تجهيزه لـ”المونة” كما اعتادت ربات البيوت، حسبما أورده موقع “أثر برس” المحلي يوم أمس الثلاثاء.

سوق الخضار في سوريا- “إنترنت”

بالنسبة للأسعار فإن سعر الكيلو الواحد من ورق العنب من النوع الفرنسي يتراوح من 13- 15 ألف ليرة سورية، وسعر الكيلو الواحد من ورق العنب البلدي يتراوح بين 10-12 ألف ليرة، أما كيلو ورق العنب الساحلي يتراوح سعره بين 7-10 آلاف ليرة وتختلف الأسعار بحسب جودة الورقة وقياسها وبين سوق وآخر.

إحدى المتسوقات تحدثت للموقع المحلي قائلة إنها تخلت عن “المونة” هذا العام لعدة أسباب، أهمها ارتفاع الأسعار بشكل كبير إضافة لغياب التيار الكهربائي لوقت طويل، مشيرة إلى أنها في العام الفائت خسرت مونتها إثر نظام تقنين الكهرباء القاسي.

في حين أضافت موظفة في القطاع العام أنها اشترت ورق عنب بكمية قليلة جدا وخزّنته بالطرق القديمة، شارحة أن ورق العنب يمكن وضعه بطريقتين، الأولى “الشرش”، وهي وضع المادة المراد تخزينها كورق العنب ووضع ماء وملح وإغلاق العبوة بطريقة محكمة جيدا لمنع تسريب الهواء، أما الثانية فهي مسح ورق العنب من الغبار بطريقة ناشفة ووضعه كما هو في عبوة بلاستيكية غير مبللة وضغطه بإحكام لمنع دخول الهواء عليها وتدعى هذه الطريقة “الضغط”.

ربات المنزل في سوريا يتبعون هذه الطرق القديمة جدا في تخزين “المونة” نظرا لغياب الكهرباء لساعات طويلة، مما قد يؤدي إلى تلف المواد المخزّنة كما حدث للكثير من العوائل على مدار السنوات الماضية.

موظفة أخرى تعمل في القطاع الخاص بيّنت أن طبخ ورق العنب بات مكلفا جدا بسبب ارتفاع سعر مكوناته من ورق العنب واللحم والأرز والبهارات، مضيفة أنها أصبحت وجبة تطبخ في المناسبات أو مرة واحدة خلال الموسم، بعدما كانت تطبخ بشكل شبه أسبوعي وبكميات كبيرة.

أسباب الارتفاع

في السياق أوضح عضو “لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه” في دمشق محمد العقاد أن ارتفاع سعر ورق العنب يعود لكثرة الطلب وقلة العرض رغم أنه يُزرع في جميع المحافظات السورية، ولأن الآن موسمه فمن الطبيعي أن يكون هناك طلب زائد عليه من الأهالي وأصحاب معامل “الكونسروة”.

العقاد، أردف أن ورق العنب الساحلي يكون رخيص الثمن عن باقي الأنواع لأن ورقته خشنة وغير مرغوبة أما ورق العنب البلدي الذي يأتي من دمشق وريفها يمتاز بطراوته، مشيرا إلى أن ورق العنب يتم تصديره بكميات جدا قليلة ومن الممكن أن تنخفض الأسعار قليلا بعد انتهاء فترة “المونة”، إلا أن هذا لم يحدث خلال العام الماضي وقبله.

بالاستناد إلى الغلاء الحاصل في الأسواق السورية مؤخرا، ولا يزال مستمرا بشكل شبه يومي وذلك تزامنا مع ارتفاع سعر الصرف الدولار مقابل الليرة السورية الأمر الذي أدى إلى اكتفاء السوريين بشراء ما يحتاجونه بشكل يومي وأساسي والابتعاد عن الكماليات أو الرفاهية، إلى جانب الإقبال الضعيف على “المونة”، حيث لم تستطع معظم العائلات في توفير تكلفة “المونة” هذه السنة.

مادة ورق العنب لم تكن هي الوحيدة التي ارتفع سعرها، بل ارتفعت معظم أسعار السلع الغذائية ولا سيما تلك التي تُخزّن، مثل البازلاء والفاصوليا الخضراء، حيث ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية، في تقرير نُشر مؤخرا، بوجود فروقات في أسعار مواد “المونة” في أسواق العاصمة دمشق، حيث بلغ سعر كيلو البازلاء بقشرها في سوقي باب سريجة والهال بين 3200- 3500 ليرة، وسعر كيلو الفول بقشره بين 2000 – 2500 ليرة، فيما تقارب سعر الكيلو المقشّر من المادتين في السوقين بسعر وسطي بين 10000- 12000 ليرة، أما سعر كيلو الثوم اليابس في السوقين بين 5000-5500 ليرة، والأخضر بين 2000-3000 ليرة، والبصل الفريك بين 1500- 2000 ليرة.

أما في سوقي الشيخ سعد وسوق ضاحية قدسيا، فقد ارتفعت الأسعار 25 بالمئة تقريبا، في وقت بيّن بعض الباعة أن الموسم هذا العام بدأ بأسعار مرتفعة من قرابة 6 آلاف ليرة لكيلو البازلاء و4 آلاف ليرة لكيلو الفول، ثم انخفضت بعد انقضاء أسبوع على بدء الموسم بشكل ملحوظ.

لكن تجار من سوق الهال، أكدوا للصحيفة المحلية، أن انخفاض الأسعار لم ينعكس أبدا على معدلات الطلب على المواد، فالإقبال ما يزال ضعيفا، ومن المتعارف عليه أن عمر الموسم الزمني لا يتجاوز 20 يوما على الأكثر.

غلاء مواد “المونة”

السوريون اعتادوا في مثل هذه الأيام على تخزين “المونة”، وخاصة المربيات وخلال الأسابيع القادمة ستبدأ بـ”مونة” “المكدوس”، والجبن، و”الشنكليش”، ثم في شهر تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، يأتي تأمين “مونة” الزيتون، وأيضا الزيت الذي وصل سعره إلى حدود الـ 500 ألف ليرة، لصفيحة الـ 16-17 ليترا، وذلك كله بالتزامن مع تردي الوضع الاقتصادي.

إلا أنه خلال الأسابيع الماضية اختفت مادة السكر من الأسواق السورية لفترة وجيزة، ومن ثم عادت للظهور وأصبحت متوفرة في المحلات التجارية، ولكن بسعر أعلى بنسبة 30 بالمئة عن ذي قبل، حيث وصل سعر الكيلوغرام منه إلى 9 آلاف ليرة سورية، بعد أن تراوح سعر الكيلوغرام بين 6500 و 7 آلاف ليرة.

هذه الطريقة أو التكتيك في رفع الأسعار بسوريا من قبل التجار وسط غياب الرقابة والتموين باتت مكشوفة ومعروفة للجميع. فعندما تختفي سلعة ما في الأسواق، يكون التأكيد بأنها ستعاود الظهور بعد فترة قصيرة من الزمن، ولكن بسعر مرتفع.

تموين ورق العنب- “وسائل التواصل الاجتماعي”

الأهالي أرجعوا هذه الحركة لاستغلال التجار وعديمي الضمير لموسم صناعة المربى. أمين سر “جمعية حماية المستهلك” بدمشق وريفها عبد الرزاق حبزة، كان قد كشف يوم الثلاثاء الفائت، الجانب المظلم لقضية اختفاء السكر من الأسواق السورية، مبيّنا التلاعب الذي حصل من قبل التجار، وكيف بات سوق السكر ساحة لعب لنوايا فاسدة هدفها المواطن.

تكلفة مرطبان أو قطرميز “المكدوس” حجم صغير في العام الماضي بلغ حوالي 150 ألف ليرة، ما بين سعر الباذنجان والثوم والفليفلة حسب نوعها، والجوز إضافة إلى تكاليف الغاز وزيت الزيتون، ونظرا لارتفاع أسعار كل هذه المكونات لأكثر من الضعف، فإن تكلفة المرطبان الواحد لن يقلّ عن 300 ألف ليرة سورية، وهو ما يساوي راتب الموظف الحكومي لشهرين ولا شك أن هذا الرقم كبير بالنسبة لمداخيل وأجور المواطنين في البلاد، وهو ما سيؤدي إلى عزوف الناس عن تخزين “المونة” أو التقنين منها قدر المستطاع وحسب إمكانياتهم المادية.

الغلاء في معظم السلع الغذائية وغيرها من المنتجات في الأسواق يأتي بعد أن قامت الحكومة السورية برفع أسعار مادتي البنزين والغاز المنزلي والصناعي، دون رفع الرواتب أو الأجور، تاركة المواطنين لإدارة شؤونهم ومصاريفهم اليومية التي تزداد يوما بعد يوم إثر تدهور سعر الصرف بين الحين والآخر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات