وسط ما يعانيه الشعب السوري من أزمات اقتصادية، تسعى الحكومة السورية إلى إصدار قرارات جديدة تؤثر على الحياة اليومية للمواطنين. وبحسب بعض أعضاء مجلس الشعب السوري، فإن الجهات الرسمية بصدد اتخاذ قرارات بشأن رفع الدعم عن المحروقات وتحرير أسعاره، وإقرار زيادة جديدة على أسعار الخبز، حيث من المنتظر صدور هذه القرارات في غضون أيام.

مما لا شك فيه أن هذا الأمر يقلق المواطنين، حيث يؤثر بشكل كبير على ظروفهم المعيشية، ففي شباط/فبراير من العام الماضي، عندما بدأت الحكومة السورية بإلغاء الدعم عن شرائح واسعة من المواطنين، الأمر الذي أثار موجة من الغضب وحالة من الاستياء والسخط، نظرا لأن هذا الرفع كان مجحفا بحق الناس، وسط تتالي الأزمات الاقتصادية وضعف الرواتب والأجور.

رفع الدعم عن السوريين

نحو ذلك، قال عضو مجلس الشعب السوري صفوان قربي، إن اجتماعات اللجنة المؤلفة من مجلس الشعب السوري والحكومة انتهت منذ يومين، وخلال الليالي القادمة سنكون أمام خطوات وقرارات حكومية جديدة فيما يخص الدعم، على صعيد رفعه عن المحروقات وتحرير أسعاره، إلى جانب سلسلة من القرارات التدريجية التي ستصدر تباعا، بالتزامن مع زيادة للرواتب من خلال الوفرة المحققة من رفع الدعم.

قربي، ذكر وفق حديثه مع إذاعة “شام إف إم” المحلية يوم أمس الإثنين، أنه من ضمن القرارات سيطرأ رفع على سعر الخبز ولكن لن يكون كبيرا، لحساسية هذه المادة في المجتمع، بحيث تكون زيادةً يتقبلها المواطن، زاعما أن هناك مافيات تستفيد من دعم الخبز وتعتاش منه.

كما واعتبر قربي، أن ثمة من يعتاش من الدعم وأكثر من نصفه يُسرق بآليات تنظيمية إدارية مضبوطة، وبالتالي لا بد من نسف هذا الموضوع بشكل كامل، مشيرا إلى أن “قرار رفع الدعم أشبع نقاشا في مجلس الوزراء ومع الفريق الاقتصادي، وما سيصدر هو ليس نتاج مجلس الشعب، بل الحكومة”.

كما أكد عضو مجلس الشعب، أن هناك عجزا هائلا وضيقا حقيقيا، حيث جاءت الجلسة “الاستثنائية” الأخيرة “للتهدئة والراحة النفسية للشارع، خاصةً أنه لا يمكن إنكار أن الناس محبطة، بالتزامن مع الأداء الحكومي غير السويّ والإصرار على أخطاء اقتصادية على أنها الممكن فقط”.

تبريرات الحكومة كما هي لا تغيّر فيها، فهي تُعتبر أن الدعم الحكومي سبّب الأزمات التي تعيشها البلاد. في حين يرى البعض أن هذه القرارات الجديدة الخاصة برفع الدعم ورفع سعر الخبز ستزيد من إفقار ومعاناة السوريين، وليس العكس، كما تدعي الحكومة وتتخيلها.

كما أن هذه القرارات بالتزامن مع زيادة الرواتب لن تكون في مصلحة المواطن، وكأن الحكومة تعطي المواطن بيد وتأخذ منه باليد الأخرى، فقرارات الحكومة وخططها ليست مدروسة جيدا ولن تكون في صالح تحسين حياة الناس المعيشية أبدا.

انتقادات ساخرة

في المقابل، أثار تصريح قربي موجة انتقادات ساخرة من قبل المتابعين، فعلق أحدهم قائلا “يعني إذا حرروا الأسعار بيحرروا الرواتب عا اساس الدولار.. يعني لو يعطوا الموظف 800 دولار ويرفعوا الدعم عن كل شيء وبلا هل المنية.. ما الدعم مرفوع والأسعار مسعرة على دولار بـ 18 ألف”.

بينما علق آخرون “تحرير المحروقات يعني كل شي غلي عشر اضعاف والقادم أجمل، ماشاء الله على هالحلول الأبداعية رفع قيمة الخبز ورفع الراتب يارب ألطف. برافو تعبتو كتير كرمال الشعب يلي أكل هوا من الوضع المعيشي الصعب فوق كلشي رجعتو على الخبز كمان”.

كما طالب البعض الحكومة بأداء واجباتها ودورها تجاه المواطنين وحقوقهم، وأضافوا “بلا الدعم كله، على أن يطبق ما ورد في الدستور بما معناه أن على الدولة أن تكفل تأمين الحد الأدنى لمعيشة المواطن، وبلا ترقيع الدخل حاليا صفر مقارنة بتكاليف المعيشة، كل هالقرارات على حساب المواطن”.

هذا ومنذ مطلع شباط/فبراير 2022، استبعدت الحكومة العديد من الفئات والشرائح الاجتماعية من خطة دعم الحكومة التي تشمل بصورة أساسية مواد غذائية مثل “الخبز والغاز والمازوت والبنزين والسكر والرز”، عبر ما يعرف بـ”البطاقة الذكية”.

الحكومة تذرعت بأن خطة رفع الدعم جاءت بهدف إيصاله إلى مستحقيه من الشرائح الأكثر احتياجا في المجتمع ومنع استغلاله وإيقاف الهدر، إلا أن مئات الآلاف تفاجؤوا باستبعادهم من الدعم رغم أنهم من الفئات المستحقة للدعم بحسب معايير الحكومة. ووفقا لذلك، جرى استبعاد نحو 596 ألفا و628 عائلة تحمل “البطاقة الذكية”، بحسب “وزارة الاتصالات السورية”.

هذا القرار أدى آنذاك إلى حالة من التخبط والتناقض في التصريحات الرسمية لمسؤولي الحكومة السورية في محاولة لتبرير الأخطاء الحاصلة بتطبيق القرار وخروج عائلات فقيرة من نظام الدعم وإجبارها على شراء المواد الأساسية بالسعر الحر الذي يبلغ أضعاف سعر المدعوم.

“البطاقة الذكية” موجودة في سوريا منذ حوالي 3 سنوات، وتُمنح هذه البطاقات للعائلات في سوريا ولبعض القطاعات الخدمية العامة والخاصة، لتوفير بعض المواد الخدمية والغذائية بسعر حكومي مدعم. 

الحكومة تدعي أن مشروع “البطاقة الذكية” الخاص بها يهدف إلى أتمتة توزيع المشتقات النفطية وغيرها من المواد والخدمات على المواطنين، من أجل منع تهريب هذه المواد والاتجار بها، إلا أن الفساد والاتجار بهذه المواد بات أكثر انتعاشا ورواجا من قبل إصدار ما يسمى بـ “البطاقة الذكية”.

الحكومة سبب الغلاء

على مدار الأشهر الماضية، ساهمت القرارات الحكومية في زيادة الأعباء الاقتصادية على السوريين، كل ذلك في وقت سرّبت فيه الحكومة أنباء تتحدث عن نيّتها زيادة الأجور والرواتب لمساعدة السوريين على تقليل الفجوة بين تكاليف المعيشة والأجور، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث حتى الآن.

منذ أشهر كان البعض يتحدث عن أن الراتب الحكومي لا يكفي لتغطية مصاريف عائلة لمدة أسبوع واحد، واليوم ومع الارتفاعات الجديدة في أسعار الصرف وأسعار السلع والمواد الغذائية، فإن الراتب الحكومي في سوريا فقد المزيد من قدرته الشرائية في الأسواق.

هذا الانحدار في مستوى المعيشة بسوريا، يأتي في ظل عجز شبه كامل للحكومة السورية عن التدخل لتحسين الواقع الاقتصادي، لتتحول الحكومة إلى “شاهد زور” على معاناة الأهالي، بحسب رأي مختصين ومطّلعين على الوضع الاقتصادي في البلاد.

تقرير لمنصة “غلوبال نيوز” المحلية نُشر مؤخرا، أكد أن “الفريق الاقتصادي التابع للحكومة السورية، لم يعد له أي دور إيجابي في الأسواق، فحتى أسعار السكر والشاي والرز والمتة، يقتصر دور الحكومة في تحديد أسعارها على المشاهدة فقط”.

تحركات وتصريحات المسؤولين الحكوميين تبدو هامشية من أجل تحسين الوضع المعيشي، وقد قوبلت بموجة انتقادات ساخرة من قِبل الشارع السوري.

عقب التراجع التاريخي لسعر الصرف، قامت الحكومة بإجراءات واجتماعات طارئة، بهدف وضع خطط لوقف هذا التدهور، بحسب زعمهم. لكن يبدو أن هذه التحركات قد اعتاد عليها الشعب السوري في الداخل، ففي كل مرة تجتمع أو يتم تشكيل لجنة اقتصادية لتأخذ على عاتقها مسؤولية وقف نزيف تدهور الليرة وتحسّن اقتصاد البلاد، إلا أن ذلك لا يتجاوز النطاق النظري، بل يفاقم أزمات السوريين.

أحد المتابعين انتقد الحكومة بقوله، إن الرواتب والأجور هزيلة ولا تكفي لأيام، ووجه سؤالا ساخرا للمسؤولين، قائلا “سؤال راتب الموظف بيكفي حدا من السادة المسؤولين لغاية الضهر الجواب اكيد لا.. الوضع ببلدنا سوريا مابينحل إلا بتشكيل محاكم ميدانية لكل شخص مسؤول وغير مسؤول ساهم وشارك بتدمير هالبلد ودمر البشر والحجر والاقتصاد وكل معاني الحياة”.

في العموم، ومنذ تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي خلال الشهر الماضي، ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من خمسة أفراد في سوريا إلى أكثر من 6.5 ملايين ليرة سورية، بعد أن كان في نهاية آذار/مارس الماضي نحو 5.6 ملايين ليرة، في وقت لم يتجاوز متوسط الرواتب الـ 150 ألف ليرة، بحسب دراسة نشرتها جريدة “قاسيون” المحلية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات