بسام الحسين – دمشق

ما إن تمكنت القوات #الروسية والميليشيات الإيرانية وما تبقى من قوات للنظام من إفراغ المدن السورية المنتفضة من أهلها، وتجميعهم في #إدلب، حتى بدأت تحذيرات المجتمع الدولي من كارثة إنسانية ستحل في هذه المدينة إذا ما نشبت المعارك فيها.

تقع إدلب على البوابة الشمالية لسورية التي تطل منها على تركيا وأوروبا، على مساحة قدرها 6100 كم2 أي أكثر من مساحة نصف لبنان. حدودها الشمالية مع تركيا بطول 130 كم، عدد سكانها حوالي مليون ونصف المليون نسمة، وفقاً لإحصائيات الأحوال المدنية.

أهميتها الاقتصادية للنظام

تحتل إدلب موقعاً متميزاً على طريق الحرير قديماً، من خلال معبر #باب_الهوى الحدودي، وتعتبر محافظة ادلب من أغنى المحافظات السورية، وصلة الوصل ما بين المنطقتين الساحلية والوسطى، والمنطقتين الشمالية والشرقية، حيث تكوّن جسراً بين مناطق الإنتاج الزراعي في الجزيرة السورية، والمناطق الشرقية، ومناطق التصدير إلى ميناء اللاذقية عبر جسر الشغور.

حاولنا في “الحل السوري” مقاربة الموضوع أكثر فكان حديثنا مع الخبير الاقتصادي (عبدالرحمن سفر)، الذي قال: ” لا يختلف إثنان بأن النظام عمل منذ اليوم الأول على استخدام كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً ضد المنتفضين لإعادة سوريا إلى ما قبل 2011، إلا أن لمحافظة إدلب أهمية اقتصادية بالغة الأهمية تجعل منها أولوية له في إستعادتها، العامل الأول في هذه الأطماع هو الاحتياطي السوري من الغاز الطبيعي في المنطقة الفاصلة بين إدلب واللاذقية حيث يعتبر الأكبر في المنطقة، وبحسب دراسات علمية جرت في السنوات التي تلت اندلاع الثوة السورية، وإذا ما  تم استخرج هذا الغاز ستصبح سوريا ثالث بلد مصدّر للغاز في العالم بعد قطر وروسيا، حيث يبلغ احتياطي الغاز في هذه المنطقة نحو 21.5 مليار متر مكعب”.

ويتابع سفر كلامه بالقول: ” لا يمكن الحديث عن قطاع الزراعة في سوريا دون التطرق لإدلب، التي تعتبر سلة غذائية زراعية لسورية بأكملها، حيث تأتي سوريا في مقدمة الدول المطلة على المتوسط في إنتاج زيت الزيتون، ويؤكد الباحثون أن المناطق المحيطة بإدلب هي الموطن الأصلي لهذه الشجرة ومنها انطلقت الى دول حوض المتوسط ومن ثم إلى دول العالم” .

ووفقا لسفر فقد كان يساهم الدخل الذي يأتي من الزيتون ما بين 2.5 و5.5 ٪ من الدخل القومي السوري، وحوالي 15٪ من قيمة الدخل الزراعي، ويساهم الزيتون بتشغيل ما يقارب 20٪ من إجمالي القوى العاملة في سوريا.‏

إدلب رافعة الاقتصاد السوري

كما هو معلوم فإن سوريا بلد زراعي، ويحتل القطاع الزراعي فيه المرتبة الأولى من حيث رفد الاقتصاد الوطني، وبحسب المواطن (سالم الحاج موسى) من مدينة سراقب في إدلب، فإن الاحصائيات تؤكد أن إدلب تأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد الأشجار، والإنتاج على مستوى سوريا، وتحتل زراعة الزيتون مكانة هامة في هذه المحافظة، حيث شهدت زراعة الزيتون فيها تطوراً ملحوظاً خلال العقود الماضية، من حيث المساحة والعدد، وتعتبر المساحة التي تغطيها هذه الزراعة الأكبر من بين المساحات المستثمرة زراعياً، وتشكل نحو 70% من مساحة زيتون القطر، بحوالي 129 ألف هكتار.

كما بلغ عدد المعاصر 183 معصرة، وأقيمت في ادلب عدة شركات لتعبئة وفلترة #الزيت، ومع تحسن نوعية المعاصر وزيادة عددها تحسنت نوعية الزيت وصناعة تخليل الزيتون الأخضر والأسود حيث هناك عدة ورشات تعمل في هذا المجال داخل وخارج مدينة إدلب.‏

إدلب الضاربة في التاريخ

مثلها مثل باقي المدن السورية تتميز إدلب بغناها بالمواقع الأثرية، فما إن تنتقل من مدينة إلى أخرى مجاورة حتى تصادفك الأوابد الأثرية شاهدة على الحضارات التي تعاقبت في تلك المحافظة، وتضم إدلب عدداً لا بأس به من المواقع الأثريّة، العائدة لحقب تاريخية متنوعة، ولعل أشهرها مملكة إيبلا التي تعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد ووقفة بوجه الرومان والفرس وقتها، وتمتد باقي الممالك التي سادت في إدلب من الألف الخامسة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، إلى العصور الإسلامية، وتتميَّز بمساجدها المملوكية، والعثمانية، وبخاناتها وحماماتها الشعبيّة ودُوْرِهَا ذات الطراز العربي، العائدة للقرن السادس عشر الميلادي كالجامع الكبير ودار الفتح الأهلية، ودار عياش.

ويؤكد عالم الآثار السوري (سعيد الناصر) بأن التطور الحضاري نقل إدلب إلى مدينة تابعة لحلب سنة 1700 ميلادية، وتميزت وقتها بسوق كبير وحمام شعبي ومضافة للمسافرين عرفت باسم الخان، وذلك بالاستناد إلى النصوص التاريخية التي كانت تحفظ في متحف إدلب الكبير قبل أن ينقل النظام تلك النصوص والتحف النفيسة واللقى #الأثرية إلى دمشق دون لجان مختصة لإحصاء التراث ولمنع ضياعه، ولا غرابة في ذلك فالنظام يعتبر تلك #الآثار أهم ما تمتلكه سوريا وعمل خلال السنوات الماضية على تهريب الكثير من آثار البلد إلى أوروبا عبر وسطائه.

ويتابع الناصر كلامه بالقول: “في سنة 1883، بدأت #الصناعة تدخل المدينة بإنشاء أكثر من 15 مصنعاً لصابون الغار الممزوج بزيت الزيتون، وفي القرن التاسع عشر، شُيِد بالمدينة عدد من مصانع الحصير، و45 مصنعاً للدهانات الملونة الطبيعية، وكانت سنة 1890 نقطة مفصلية بتاريخ تطور المدينة من خلال اتساع سوقها الشعبي ووجود 14 مسجداً و90 مدرسة لتعليم القرآن الكريم، وفي مرحلة الانتداب الفرنسي كانت أولى المناطق السورية التي دخلت إليها زراعة الذهب الأبيض “القطن”.

ويختم الناصر كلامه بالقول: “بقي النظام ينظر إلى أبناء تلك المدينة بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية كما العديد من أبناء المحافظات السورية الأخرى، ووقف حائلاً أمام نهضة أبناءها، وينتظر هذا النظام سداد دين كبير لكل من تم تهميشه خلال حقبته البائدة”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.