ماذا جنت روسيا منذ بداية تدخلها في سوريا؟

ماذا جنت روسيا منذ بداية تدخلها في سوريا؟

حسام صالح

منذ أن شنت روسيا أولى ضرباتها الجوية بسوريا في 30 أيلول 2015، كان التاريخ بمثابة أكبر تدخل لموسكو في الشرق الأوسط منذ عقود، والهدف المعلن حينها على لسان بوتين بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه “تدخل لمواجهة الإرهابيين في سوريا، بالتعاون مع دمشق، بحيث يستهدف تنظيم داعش وجبهة النصرة، وجماعات إرهابية أخرى”، لكن هذا التدخل في حقيقة الأمر أسفر بعد 3 سنوات عن مقتل آلاف المدنيين، وتهجير مئات الآلاف تحت مسمى “المصالحة”، وبناء أكبر القواعد العسكرية على شواطئ المتوسط، ومع التصريحات المتكررة من جانب روسيا بسحب قواتها من سوريا، إلا أن الوقائع تقول إن روسيا توسع نفوذها وتتمدد داخل البلاد الذي أنهكته الحرب، بل وباتت تنافس حليفها “إيران” اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً، لتحقيق المكاسب والامتيازات داخل الأراضي السورية.

فتدخل بوتين في سوريا، لم يكن بهدف “محاربة الإرهاب” فقط، وبحسب معهد “بروكنجز” الأمريكي للدراسات الاستراتيجية “كان نظام بشار الأسد في أضعف حالاته منذ العام 2013، لكن مسار الحرب أنذر بتقلص حجم موطئ القدم الروسي في المتوسط، آخر مصادر نفوذها، فكان لابد من هذا التدخل لقلب موازين القوى لصالح الأسد”.
حصيلة التدخل العسكري في 3 سنوات
قد تكون الحقيقة الأبرز منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا، هو تراجع قوة المعارضة والمساحات التي تسيطر عليها لمصلحة النظام وحلفاءه، حيث بات النظام بسيطر على مساحة تقارب 109 آلاف كيلو متر، من إجمالي مساحة سوريا البالغة 185 ألف كم.
ومع ذلك، لابد من تفصيل لحجم القوات والمعدات الروسية التي استخدمت في الحرب السورية، بناء على الأرقام التي نشرت من قبل وسائل الإعلام الروسية، وبعض الوكالات العالمية على النحو التالي:
معظم العمليات الروسية كانت تدار وتنطلق من قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية، بوجود عشرات الطائرات بمختلف أنواعها (سوخوي 24و34و30و35) والتي كشفت وكالة الأناضول عن أعداداها بنحو 34 مقاتلة حربية و16 مروحية، في مقابل استخدام روسيا نحو 231 نوعاً من الأسلحة الجديدة والمحدثة.
وفي الحديث عن الدعم الجوي المقدم للنظام، لابد من الإشارة إلى أن القوات الجوية الروسية أجرت حوالي 40 ألف طلعة جوية داخل الأراضي السورية، إضافة إلى تحليق الطائرات من دون طيار لأكثر من 25 ألف مرة، وأجرت اختبارات لطائراتها، كان من أبرزها طائرة (TU-160) الاستراتيجية، من أكبر الطائرات الحربية في العالم القادرة على إسقاط 40 طناً من القنابل، و12 من الصواريخ المجنحة.

ولتثبيت وحماية الوجود الروسي في سوريا، نشرت منظومتي الدفاع الجوي S300 و S400، كما استخدمت في عملياتها العكسرية قاذافات استراتيجية، وصواريخ عابرة يصل مداها لـ4500 كم، كما استخدمت روسيا في عملياتها العسكرية قاذفات استراتيجية من نوع توبوليف – 22 وتوبوليف – 160، إضافة إلى صواريخ عابرة يصل مداها إلى 4500 كل، كما تحركت حوالي 189 سفينة حربية باتجاه شواطئ المتوسط خلال ثلاث سنوات، واستخدمت روسيا غواصات أربع مرات على الأقل في استهدافها مواقع تابعة للمعارضة السورية.
وعن عدد القوات الروسية المتواجدة على الأرض السورية، لايوجد معلومات دقيقة عن هذا الموضوع، سوى تصريح للرئيس بوتين في في أوائل العام الجاري أن حوالي 48 ألف عسكري روسي شاركوا في الحرب السورية.

سياسياً: تهجير ومسارات حل جديدة
لم تقتصر روسيا على آلة الحرب العسكرية في مساندتها للنظام واستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها في معارك شرسة مع المعارضة، بل تعداها إلى تغيير مسار الحل السياسي في سوريا القائم على مسار جنيف إلى توجيهه نحو مسار “أستانا”، وابتدعت مناطق خفض التصعيد، وتحريك فصائل المعارضة وتقسيم المناطق وعقد صفقات منفردة لإتمامها.
ومن منطلق “الحرب ليست سوى امتداد للسياسة عبر طرق أخرى” التي اعتمدها الرئيس بوتين في تعامله مع الملف السوري، ذكرت صحيفة ” أتلنتيكو” الفرنسية في حديث مع المؤرخ “رولان لومباردي” عن هذا الموضوع بقوله: ” فرض الروس سياستهم الخاصة في الشرق الأوسط، والمجهودات الدبلوماسية التي بذلتها روسيا خلال السنوات الأخيرة، التي كانت ناجعة على الصعيدين الدولي والإقليمي”، ووفقا للباحث الفرنسي، فإن “الأسباب لا تتوقف هنا، بل هناك سبب محلي خدم الروس في الحرب السورية، الذي يتمثل في إرساء مركز للمصالحة مخصص للنظر في مفاوضات الحرب وحماية تنقل المقاتلين، فضلا عن تقديم مساعدات للأهالي الذين ينسقون مع السلطات المدنية والمنظمات غير الحكومة والأمم المتحدة”.
فكان الحل الروسي بابتداع صفقات “التسوية” التي تقضي بخروج ممن لايرغب في المصالحة إلى الشمال السوري، مقابل تسليم المعارضين لأسلحتهم ونشر الشرطة العسكرية لتثبيت الأمن، وهو ماحصل في كل من الغوطة الشرقية وأرياف حمص وحماة، ومدينة حلب.

ماذا عن حجم الخسائر؟
لا معلومات كثيرة حول الخسائر التي تكبدتها روسيا منذ تدخلها في سوريا، سوى بعض الأرقام التي يصرح عنها الروس، وبعض التسريبات الاخرى لوسائل الإعلام، فمن حيث عدد القتلى الروس، صرح رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، فيكتور بونداريف، أن عدد قتلى العسكريين الروس في سوريا بلغ 112 عسكريًا منذ اطلاق العمليات الروسية، وأن حوالي نصف هؤلاء قُتلوا جراء تحطم طائرة “أن-26” واستهداف طائرة “إيل-20”.
في حين، يقول تقرير لوكالة “رويترز” إن مئات القتلى الروس في سوريا لايعلن عنهم، لأنه يعتبر من أسرار الدولة، في حين لاتحتسب روسيا أيضاً المرتزقة المتعاقدة معهم، حيث يلعب هؤلاء دور القوة الهجومية في العمليات البرية تحت قيادة عسكرية”، وهذا ماحدث فعلاً عند مقتل عشرات المرتزقة الروس بعد استهدافهم من قبل طائرة أمريكية في شرق سوريا، وأجبرت روسيا فيما بعد على الاعتراف بمقتل العديد منهم.

ومن حيث المعدات العسكرية، نشرت صحيفة الديلي صباح تقريراً مفصلاً عن عدد الطائرات التي سقطت أو أسقطت في سوريا منذ بداية تدخلها في سوريا، حيث أظهرت الوقائع سقوط وتعطل حوالي 35 طائرة، 4 منهم سقطوا منذ بداية العام الحالي.
وفي الحديث عن كلفة الحرب، نشرت مجلة “جينز” العسكرية البريطانية دراسة شاملة، قدرت فيها الإنفاق اليومي على عمليات موسكو العسكرية في سوريا بنحو 2.4 مليون إلى 4 مليون دولار يومياً، تشمل أجور عسكريين وثمن الأسلحة ووقود، إضافة إلى الطلعات الجوية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.