نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تقريراً عن استراتيجية منع التطرف والعنف والبحث في الأسباب التي تجذب التطرف إلى المجتمعات الهشة، والفرصة المتاحة أمام الكونغرس للحفاظ على ما حققه من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية ومنعه من العودة مجدداً. وقد اعتمدت في تقريرها على برامج وأبحاث منظمة Mercy Corps الغير حكومية. فبالرغم من مرور عامٍ على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن الولايات المتحدة لم توضّح بعد كيف ستعمل على منع عودة التنظيم المتشدد وظهور جماعات متطرفة أخرى مشابهة في المستقبل. حيث تستحق هذه المهمة أن تؤخذ بعين الاعتبار بشكل أكبر من قبل الكونغرس الأمريكي الجديد في كانون الثاني 2019. فالتقارير تواترت على أنه تتم إعادة تجميع معاقل الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وتستمر مجموعات متطرفة محلية بممارسة أعمال العنف في الصومال ونيجيريا وأفغانستان.
حيث تبين برامج وأبحاث Mercy Corps كيف تعتمد استراتيجية منع التطرف والعنف على العوامل الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية التي تحدد ما إذا كانت هذه المجموعات قادرة على التكوّن وعلى تجنيد الشباب في بعض المجتمعات. فالحكومة الأمريكية تستثمر منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 الوسائل الاحترازية لمكافحة الإرهاب بما فيها من برامج إنمائية وبرامج دبلوماسية للحد من الانجذاب إلى الجماعات المتطرفة ومنع مناصريهم من الانضمام إليهم.

وقد كلّف ليندساي غراهام، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ، والذي يترأس اللجنة الفرعية المسؤولة عن ميزانية المساعدات الخارجية، فريق عمل للبحث في الأسباب الكامنة خلف التطرف العنيف في الدول الهشة. وقد أصدر الفريق النتائج الأولية في 7 أيلول الماضي داعياً الولايات المتحدة إلى تشييد جهود الحكومات المحلية في مكافحة التطرف العنيف وتزكية وسائل مكافحة التطرف العنيف المدنية باعتبارها ضرورة واجبة. لكن الوصول إلى تلك النتائج يتطلب جهوداً تتضمن العمل على حل مسائل السياسة المتعلقة بمشروع مكافحة التطرف العنيف، والتي بقيت بدون حل لأكثر من عقد من الزمن. الأمر الذي من شأنه مساعدة الكونغرس في تقرير الاستراتيجية المناسبة.

فيجب أولا إدراك أن أي نوع من الاستثمارات الأجنبية يساعد في التصدي لحركات التمرد والتطرف والتطرف العنيف. وهو أمر ليس واضح بشكلٍ دائم. ففي العقد الأول من الألفية الثانية، وبينما كان صنّاع السياسة في الولايات المتحدة يأملون أن المساعدات الإنمائية سوف تمكنهم من مواجهة الإرهابيين وتعبئتهم في كل من العراق وأفغانستان، تناقصت تلك الآمال لعدة أسباب. ففي بعض الحالات في أفغانستان تم تسليم المساعدات في المناطق المتنازع عليها, وكانت النتيجة زيادة عدد التفجيرات ضد المدنيين والقوات المسلحة التي نفذها المتطرفون. كما وجد المسؤولون أنفسهم في كثير من الأحيان مضطرون لصرف مبالغ كبيرة من المساعدات الإنمائية لبناء مشاريع بنية تحتية كبيرة بدون إشراف استراتيجي أو توجيه. ومع ذلك، وجد مريستوفر زورشر، من جامعة أوتاوا، في مراجعة منهجية أجراها للعام 2017, بأن صناديق إعادة الإعمار وأشكال المساعدات الأخرى في أفغانستان والعراق قللت من أعمال العنف عندما كانت مشاريع البنية التحتية صغيرة. وقد رافق ذلك نوع من الاستقرار في المجتمع الذي تلقى المساعدات.

أما في هذا العام، فقد وجد باحثوا Mercy Corps أنه عند مشاركة الأفراد في برامج المساعدات الأجنبية الخاصة بهم أو بقطاعات أخرى، تكون هناك بلاغات عن نقص في مساعدات الجماعات المعارضة المسلحة. كما وجد الباحثون أنه عند التحاق الشباب ببرامج التعليم الثانوي في الصومال، وهو برنامج إنمائي بالغ الأهمية، انخفض دعمهم للجماعات المسلحة بنسبة 65 %. وفي تقدير قديم صدر في وقتٍ سابق من هذا العام عن برامج مكافحة التطرف الكبيرة المطبقة في عدد من المدن في الولايات المتحدة، كتب تامر ميتس، من كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، أن المجتمعات التي تركزت فيها جهود مكافحة التطرف العنيف انخفضت فيها تغريدات الأفراد المشاركين مع الدولة الإسلامية على تويتر. كما توصل مؤخراً باحثون في جامعة ستانفورد وجامعة برازيليا إلى أنه عندما تستفيد العائلات اللاجئة من المساعدات الأجنبية، فإن الذكور في تلك العائلات والذين بلغوا سن القتال تقل احتمالية عودتهم إلى سوريا للقتال في صفوف المجموعات المتطرفة. وبالتالي، وبالاستناد إلى البيانات، يبين التقرير وجود أدلة متزايدة تؤكد فعالية برامج مكافحة التطرف العنيف لكن تلك الأدلة ليست بالكافية.
ثانياً: يجب على صانعي السياسة مواجهة مشكلة تجنيد الإرهاب على مستوى المجتمع. وقد ركّز المختصون في برامج مكافحة التطرف العنيف جهودهم لفترة طويلة على الأشخاص المعرضون لخطر الانضمام إلى الجماعات المتطرفة. ومع ذلك فمن غير الممكن في كثير من الأحيان التنبؤ بهؤلاء الأفراد. كما يمكن للبرامج الإنمائية والدبلوماسية التي تركز على المجتمع أن تنظر في الاحتياجات الأمنية والاقتصادية للسكان على نطاق أوسع، فضلاً عن المظالم الطويلة من قبل الحكومات بسبب التهميش والاستبعاد. وهو ما يوفر عاملاً قوياً للمتطرفين لتجنيد الشباب.
ويؤكد الباحثون في Mercy Corps أنهم يعلمون بأن التطرف العنيف سوف يستمر في الظهور في المجتمعات التي تكون قدرات الدولة فيها ضعيفة أو غير موجودة. وحيث يحد الاستبداد من التعبير الديني أو غيره من أشكال الهوية الثقافية. وكذلك عندما يرى المواطنون بأن الدوائر الأمنية هي موجودة لافتراسهم وليس لحمايتهم. وبالنظر إلى نشأة تنظيم الدولة الإسلامية، يتوضّح كيف استغل ظروف العراق ما بعد الحرب. فبدأ التنظيم باجتذاب العرب السنّة بعد أن تم تهميشهم من قبل الحكومة العراقية الجديدة. كما كان الشباب في السنوات التي سبقت ظهور التنظيم عرضة للإساءة من قبل الشرطة والمسؤولين في الدولة. لذا جذب تنظيم الدولة الإسلامية الشباب كبديل لحكومتهم، وتمكن من السيطرة بسرعة على الأراضي والمؤسسات الرئيسية كالبنوك ومصافي النفط. إلى أن تمكنت الحكومة العراقية والتحالف الدولي متعدد الجنسيات من طرد التنظيم من معاقله في صيف عام 2017.

من جهة أخرى، يرى التقرير أنه يجب على الكونغرس العمل على تحسين برامج المساعدة الخارجية التي تساعد الحكومات المحلية على أن تصبح أكثر شرعية ونزاهة. لكن أي جهود لتحسين استراتيجية مكافحة التطرف العنيف الأمريكية سوف تكون مستحيلة إذا ما سمح الكونغرس بمزيدٍ من إضعاف وزارة الخارجية الأمريكية خاصة الإمكانيات الدبلوماسية المكرّسة لمنع الصراع والتطرف. فالجهود التي بذلتها الحكومة التونسية، على سبيل المثال، للحد من تدفّق المقاتلين الأجانب، إضافة إلى الجهود في مدينة منيابولس الأمريكية لمنع الشباب الأمريكيين من أصل صومالي من الانضمام إلى حركة “الشباب”، تدل على أن النفوذ الدبلوماسي يمكنه الحد من جاذبية التطرف. هذا بالإضافة إلى الضغط على الحكومات الشريكة لكي تقوم بتغيير سياساته المحلية.
وتخن الفورين بوليسي تقريرها بالإشارة إلى أن هزيمة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق كلّفت 14.3 بليون دولار في الإنفاق العسكري وحده. ومن غير الواضح إلى متى ستدوم هذه الهزيمة! لذلك فإنه يجب على الكونغرس الأمريكي اغتنام الفرصة والتركيز على جهود الوقاية من عودة المتطرفين بدلاً من انتظار الأزمة القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.