خاص (الحل) – عقب انتهاء قمة سوتشي حول سوريا، غرّد رئيس دائرة الاتصالات بالرئاسة التركية فخر الدين ألتون قائلاً: «إن تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، ستواصل المساهمة في حل الأزمة السورية». هذه التغريدة تعزز الانطباع أن الدول الثلاثة لم تتفق على المسارات كلها، ولم يستطع الرؤساء احتواء الخلافات التركية-الإيرانية، مع ختام القمة الرابعة لهم، ويبدو واضحاً أن نقطة الخلاف الرئيسة حول الوضع في إدلب، إذ أن إيران كانت- وما تزال- تدعو إلى عمل عسكري واسع، بينما تعارض أنقرة ذلك دون الإفصاح عن خططها السرية، مشددة أن التعامل مع الوضع يجب أن يسوده الهدوء وبخطوات متوالية. ما يعني أن اللقاء لم ينجز مهماته، والكعكة السورية تقسم وراء الكواليس.

في الوقت الذي كانت أوساط المراقبين بانتظار أن تحدد القمة، مستقبل منطقة خفض التصعيد في إدلب، ظَهَرَ من خلال المناقشات، وبعض التسريبات التي حصلنا عليها أن إحدى أهم أهدفها إنقاذ «مسار أستانة» ومحاولة إيجاد «منافذ» لها تحقق جزء ما رسم له، بعد التأكد من «فشل» المأمول منه، ورغم التهديدات الروسية طيلة الفترة الماضية بشن حملة على إدلب، فإنها بدت في القمة وكأنها ليست مهتمة بعمل عسكري فيها- لكن ليس من أجل عيون إردوغان- بل لأسباب أخرى، في مقدمتها «إدراك أن ذهاب إدلب لمصلحة النظام تسقط آخر ملف يبرر استمرار آستانة» هكذا رآها أحد الإعلاميين المراقبين للحدث عن قرب، …سوى ذلك؛ وفي مراجعة لمقارنة البيان الختامي الرابع مع القمم الثلاثة السابقة، نستنتج أنه لم يعكس أيّة توافقات محددة على أيّة قضية جديدة؛ أو مسار خلاف، وبالتالي؛ فإن كل ما تم التوافق عليه، هو ذاته ما تم الاتفاق عليه في آخر قمة لهم بالمكان ذاته!

وعلى الرغم من ما تمّ استنتاجه آنفاً، خرج وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على الإعلاميين قائلاً: «المحادثات حول الوضع في إدلب كانت مثمرة جدا»، لكن الجزء الثاني من إجابته على السؤال الذي وجهه أحد الصحفيين عكس ذلك تماماً، حين أضاف «الوضع بحد ذاته معقد، وبالطبع هنا لا بد من المضي خطوة خطوة نحو الأهداف التي نريد تحقيقها، والتي اتفقنا عليها في أيلول العام الماضي في سوتشي» أيّ أنه لم يربط ذلك بنتائج اجتماعات الأمس، وإنما بالاجتماع السابق، وما اتفق عليه حول المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب.

أما الرئيس الإيراني حسن روحاني، وخلال المؤتمر الصحفي المشترك في أعقاب محادثات، عبر عن قلقه من احتمال انتقال «داعش» إلى أفغانستان و تهديد إيران، وكذلك إزاء معلومات حول نية الولايات المتحدة التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، بعد الانسحاب من شرق الفرات! مطالباً أن تكون كل الأراضي السورية، إدلب وشرق الفرات تحت سيطرة الحكومة السورية. وهذه إحدى نقاط الخلاف مع الطرف التركي، التي سياساتها التوسعية أبعد من ذلك، مما يعني أن الدول الضامنة، بحاجة لدول أخرى ضامنة لاتفاقاتها.

من جانبه أصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن «يكون اتفاق أضنة، أرضية لضمان أمن تركيا عبر الحدود مع سوريا»، وهذا الموقف في مضمونه تهرّب من المسؤولية، ومجاملة «مجانية» للطرف السوري والتركي، حين يقول: «نتفهم قلق تركيا، ونرى أنه هناك اتفاق أضنة بينها وبين السلطات السورية، الذي ينظم حماية الحدود ومكافحة الإرهاب».

حديث أردوغان خلال المؤتمر، لم يكن أقل «تلغيماً» من سابقيه، فهو في لقاء مع الضامنين معه، فيما كان كلامه موجهاً للولايات المتحدة، فيقول: «لا يجوز أن يؤدي الانسحاب الأميركي إلى فراغ شرق الفرات. ولا يجوز السماح بمنح تلك المناطق لـ(لإرهابيين)». أيّ أنه من روسيا يعبر عن تخوفه من توسع وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر ثاني أكبر قوة منظمة في سوريا، بعد جيش النظام، على تلك المناطق، متأملاً من شركائه دعمه في هذا الموقف، وعدم السماح لـ«قسد» بالتمدّد.

وكعادته كما في لقاءاته وخطاباته، هدد أردوغان بالورقة التي يحارب بها أوروبا والمنطقة، حول اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا، لكن اللافت أكثر في حديث الرئيس التركي قوله: «بذلنا الكثير من الجهود للحفاظ على الهدوء في إدلب رغم كل الاستفزازات». مضيفاً «أطلعت بوتين وروحاني على جهودنا في هذا المجال، وعلى الاستفزازات التي يتعين الحد منها».

وهذا ما يؤكد التسريبات التي نقلتها وسائل إعلامية عدّة، ومنها «الحل السوري» حول محاولات تركيا لتغيير وتحويل هيئة تحرير الشام «جبهة النصرة» سابقاً، وأحد فروع تنظيم القاعدة في سوريا، إلى كيان جديد شبيه بحزب الله اللبناني، ولعلّ ما قامت به الهيئة خلال اليومين الماضيين من تغيرات وخاصة اللوحات الطرقية التي كانت جزء من سياسة التنظيم المتشدد، والتي أزيلت بكل ما يعبر عن الجهاد، يدخل في سياق حديث الرئيس التركي.

إذن موسكو ستؤجل «الضربة» ولو مؤقتاً؛ ليس تجاوباً مع مناشدات أردوغان، وإنما لإدراكها أن المعركة تعني نسف اتفاقات خفض التصعيد، والمنطقة العازلة في إدلب، أيّ نسف ما تبقى من «مسار آستانة» الذي سيعقد بعد شهرين تقريباً وفقاً للتسريبات، أولاً، ومن أجل استمرار تعاون «الثلاثي الضامن» ثانياً.

وكانت الصفحة الرسمية لوزارة الدفاع الروسية في الـ«فيسبوك» نشرت الأسبوع الفائت، البيان المشترك لوزير الدفاع الروسي والتركي، واتفاقهما على أن «لا تتجاوز أيّة عملية يقوم بها الجانبان معا في إدلب، حدود المنطقة منزوعة السلاح هناك، ويتم سحب الأسلحة الثقيلة منها والرشاشات ويشرف عليها الروس والأتراك».

نحن أمام «ضامنين» لكل واحد منهم أطماعه الخاصة في الكعكة السورية، لكن يبدو إدلب أحد أهم الملفات التي هم بحاجة لـ«نجاح» جديد يسجل لهم، ضمن «مسار آستانة» وعن طريق لقاءات سوتشي، هذه المسارات التي عند كل لقاء كأنه الأول، لعدم تحقيق أيّ شيء عمليّ؛ أو تقدّم في أبسط القضايا، بما في ذلك اللجنة الدستورية، ومسار «تعزيز الثقة» الذي تهرّب منه النظام، لعدم استطاعته الإيفاء بوعوده وخاصة في قضية عشرات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، دون أيّ ضغط من هؤلاء الضامنين، ولسان حال الشعب السوري يسأل: أنتم ضامنون لمشاريعكم ومصالحكم؛ أم ضامنون لمطالب شعب خرج للحرية لأجل إسقاط الاستبداد والفساد؟

إعداد وتحرير: معتصم الطويل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.