رحلة خروج المدنيين من معسكرات «داعش» بالباغوز إلى الحياة

رحلة خروج المدنيين من معسكرات «داعش» بالباغوز إلى الحياة

(الحل) – تتحدّث وسائل الإعلام التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (#قسد) منذ أكثر من أسبوع وحتّى الآن، عن خروج آخر دفعات المدنيين من بلدة الباغوز التي تُعتبر الجيب الأخير لتنظيم «داعش» ولكن سرعان ما يتّضح أن هناك المزيد من المدنيين داخل تلك البلدة الذين استخدمهم التنظيم كدروع بشرية لإطالة عمر المعركة.

باتت الباغوز مؤخّراً حديث كل وسائل الإعلام السورية، والعربية وحتى الدولية، إذ تتجه أنظار العالم إلى تلك البلدة الصغيرة، التي لم يكن معظم السوريين يسمعون باسمها حتّى قبل تحصّن فلول «داعش» فيها.

الاسم الكامل هو «الباغوز فوقاني»، وهي بلدة سورية صغيرة تتبع لناحية سوسة في منطقة البوكمال بريف دير الزور الشرقي، وحتّى عام ٢٠٠٤، لم يكن عدد سكانها يتجاوز  الـ 10 آلاف نسمة، وفقاً للمكتب المركزي السوري للتعبئة والإحصاء.

 

مدينة المعركة الأخيرة ومعضلة المدنيين في الباغوز

يرجع سبب «شهرة» الباغوز مؤخّراً إلى أنّها أصبحت مدينة المعركة الأخيرة ضد تنظيم «داعش» في سوريا. وفقاً لمتطوّعة تعمل في إحدى المنظّمات الدولية المشرفة على خروج المدنيين من الباغوز، فإن معظم المدنيين الذين كانوا محاصرين داخل البلدة ليسوا من الباغوز نفسها، الكثيرون منهم قدموا إليها من البوكمال والسوسة والقرى محيطة بها.

ولكنّهم انسحبوا نحو الباغوز بعد انسحاب عناصر تنظيم «داعش» منذ أشهر، والذي منعهم من التوجه نحو المناطق التي تسيطر عليها «قسد» في الوقت الذي لم يكن هناك أيّة معابر خاصة لخروج المدنيين وفصلهم عن المقاتلين.

لهذا السبب، ترجع المتطوّعة ذاتها سبب كثافة المدنيين داخل الباغوز، قائلةً: «إن أعدادهم كبيرة جداً وفي كل مرّة كنا نظن أنه لم يعد هناك مدنيون داخل الباغوز يتّضح أن هناك المزيد منهم».

وأضافت أنّه حتى الآن ما يزال هناك المئات في الباغوز بين عناصر من مقاتلي تنظيم «داعش» ومن المدنيين المحتجزين لأنّهم غير قادرون على الخروج من المنطقة بسبب منعهم من الخروج من قبل التنظيم بغرض استخدامهم كدروع بشرية، مؤكّدةً أنّه من خلال الوضع الغذائي والصحّي للخارجين، يتّضح أن من بقي من مدنيين داخل الباغوز يعانون من ظروف إنسانية كارثية وهي أقرب للمميتة، بسبب رفض التنظيم خروجهم ونفاذ المؤنة التي خصصت للمقاتلين فقط، بحسب وصفها.

لحظات ما قبل الخروج

بعد فترة الحصار تحت نار القصف والمعارك التي عاشها المدنيون داخل الباغوز، انطلقوا ليواجهوا رحلة خروجٍ صعبة. في محيط المنطقة، حدّدت “قوات سوريا الديمقراطية” ويساندها عسكريون لوجستيون أمريكيون مناطق محدّدة لتكون مسار المدنيين في رحلة خروجهم.

على هذه المسارات تتجمّع العشرات من وسائل الإعلام والصحفيين والمنظمات الدولية الإغاثية مع العناصر المسلحة التابعة لـ«قسد» من أجل استلام المدنيين، إذ يتم وضعهم ضمن طابور كبير وتفتيشهم بعناية مع النساء والأطفال، وفقاً للمشاهدات التي عاينها موقع «الحل» خوفاً من وجود انتحاريين بينهم.

يبدو أن الأطفال ما زالوا غير واعين بتغيّر الجهة المسيطرة، فبمجرّد أن يشاهد طفلاً ما سلاحاً فردياً مع أحد مقاتلي «قسد» ما يلبث أن يرفع إصبعه ويُشير بإشارة الشاهدة، ربما كان هذا الطفل يستخدم هذه الطريقة من أجل «كف نظر» مسلّحي تنظيم «داعش» عنه أو عن عائلته، فيما يختلط بين المدنيين العشرات من عوائل التنظيم سواء من نسائهم أو أطفالهم.

مؤخّراً وصلت شاحنة مليئة بنساء مصابات بجروح، تم نقل عدد منهن على حمالات، وسارع مسعفون من مجموعة «فري بورما راينجرز» إلى وضع بطانيات حول امرأة بحاجة إلى تدخل عاجل ويصل الرجال على عكازات أو محمولين على أسرّة متنقلة.

ويأتي خروج هذه الدفعة غداة إعلان قوات سوريا الديموقراطية إجلاء 3500 شخص من الباغوز، بينهم 500 مقاتل من التنظيم سلّموا أنفسهم لقواتها.

 

مصير مجهول

لا تنتهي معاناة المدنيين بمجرّد الخروج من الباغوز والوصول إلى منطقة آمنة تحت سيطرة «قسد» إذ يتم نقلهم بشكلٍ دقيق إلى مخيّمات في المنطقة ليتم تأمينهم، والتأكد من عدم انتمائهم لتنظيم «داعش» وهذه العملية لإنقاذ المدنيين السوريين الذين أجبروا على البقاء في مناطق التنظيم.

وقال نازح يعيش في مخيّم الهول بريف الحسكة لموقع «الحل»: «يوجد ما يزيد عن أربعة آلاف نازح من المدنيين ومن عائلات تنظيم (داعش) خرجوا من مخيّم الباغوز ووصلوا إلى مخيّم الهول خلال الأيام الماضية».

وأضاف النازح، أن المخيّم ممتلئ أصلاً بالنازحين حتّى قبل بدء العملية العسكرية على منطقة الباغوز، لافتاً إلى أن المخيّم لم يكن يستوعب أيّ مدني، وعلى الرغم من ذلك يتم نقل آلاف النازحين من الباغوز إليه لعدم وجود تلك الإمكانات الكبيرة لدى المشرفين على المخيم بعد أن زادت الأعداد بشكل مضاعف.

يصف المصدر ذاته الحال داخل المخيّم بـ«الصعب والخطير في الوقت ذاته» مطالباً أن «يتم فرز المدنيين الأبرياء عن عناصر (داعش) وزوجاتهم، لحين استكمال التحقيقات اللازمة معهم ونقلهم إلى مراكز خاصة» مشيراً إلى أن العديد من هؤلاء أجانب، مما يعني أن احتمال رجوعهم لبلادهم قد تطول، بالإضافة إلى قلة المنظمات المدنية التي تهتم بالنازحين في المخيم.

تكمن الكارثة في حال استمرَّ هذا الوضع لفترة طويلة، ولا سيما أنّه من غير المعروف المدّة الزمنية التي سوف يبقى النازحون فيها هناك، خاصة وأن مجرد الاختلاط بعناصر التنظيم قد تؤدي لنتائج غير مرغوبة، وهذا غير مستبعد عن استراتيجية «داعش».

تقرير: منار حداد – تحرير: سارة اسماعيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.