تعددت الأحاديث المتداولة خلال الفترة الأخيرة في الأوساط السياسية حول اقتراح “البنتاغون” خطة على ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بشأن التعاون مع الحكومة السورية من أجل محاربة تنظيم “داعش”، وذلك بعدما زعم موقع “المونيتور” ذلك في تقرير منشور منذ أيام قليلة.

فيما ألمح موقع “المونيتور” عن خطة أميركية للتقريب بين “قوات سوريا الديمقراطية” وحكومة دمشق. وقال الموقع، عبر مصادر مطلعة على المناقشات، إن وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” اقترحت على “قسد” الدخول في شراكة مع دمشق لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي.

وتأتي خطة الشراكة هذه ضمن مراجعة متجددة للسياسة الأميركية تجاه سوريا، والتي لا تزال قيد المناقشة في الوزارة الأميركية، بحسب ما زعم موقع “المونيتور” الأميركي. وقال الموقع أيضاً، بحسب مصادره الخاصة، التي لم يكشف عن هويتها، إنه “تم الاستعانة بتركيا، الحليف المهم في الناتو، لإبداء رأيها”.

واشنطن تنفي خبر التعاون بين قسد ودمشق

في المقابل، وبعد نشر وتداول خبر “المونيتور” في وسائل الإعلام وبين أروقة السياسيين والأوساط السورية بشكل عام، سارع المتحدث باسم “البنتاغون”، باتريك رايدر، إلى نفي صحة المعلومات حول نية الولايات المتحدة توجيه “قوات سوريا الديمقراطية” للتعاون والتنسيق مع دمشق، كما نفت نيتها الانسحاب من سوريا، رداً على تقرير “المونيتور”، وما نشرته “فورين بوليسي” لاحقاً من أن واشنطن تدرس إمكانية سحب قواتها بشكل كامل قوات من سوريا.

وقد قالت القائمةُ بأعمال نائب وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، إن الولايات المتحدة لا تخطّط لسحب قواتها من سوريا، مضيفة في حديث مع “سي إن إن” التركية: “اسمحوا لي أن أضع الأمور في نصابها الصحيح، أميركا لن تنسحب من سوريا”.

من جانبهم، استبعد محللون صحة هذه الأخبار، وقد عزا هؤلاء ذلك إلى أنها لا تتوافق، بل تتعارض مع سياق الأحداث الجارية في المنطقة. أيّ كيف يمكن لواشنطن أن تطلب من حليفتها “قوات سوريا الديمقراطية” التي قاتلت إلى جانبها، أخطر تنظيم -داعش- في العالم، التعاون مع حكومة دمشق التي قرارها رهن كل من إيران وروسيا، ألد أعداء الغرب وعلى رأسهم واشنطن.

ولم يتطرق “المونيتور” إلى تفاصيل مقترح “البنتاغون”، مشيراً فقط إلى أن هدفه هو حماية “قوات سوريا الديمقراطية” في الحرب ضد “داعش” على المدى المتوسط ​​إلى الطويل. وفي الواقع هذا مخالف للواقع، إذ إنه لولا وجود مساندة القوات الروسية والدعم الإيراني لدمشق، لم تكن الأخيرة لتتمكن من حماية نفسها من هذا التنظيم الإرهابي.

كما أن “قسد” تقول إن علاقتها متوترة مع حكومة دمشق، نظراً لأن الأخيرة تتجاهل مناقشة ومحاورة المستقبل الديمقراطي في البلاد.

وجرى الحديث عن تواصل وتعاون بين “قوات سوريا الديمقراطية” والقيادة في دمشق، وتحديداً في عام 2019، عندما اجتاحت تركيا مناطق في الشمال السوري وهيمنت على مدينة رأس العين/ سري كانيه وريفها، حيث أُعلن عن تعاون بين “قسد” ودمشق، برعاية روسية، ونصت الاتفاقية حينها على نشر نقاط عسكرية ثابتة في بعض المناطق الحدودية، مثل تل تمر، لكن الاتفاق آنذاك اقتصر كان على الجانب العسكري دون الخوض في القضايا السياسية.

أسباب نشر هذا الخبر

ورغم إبداء “قسد” رغبتها في الدخول في مباحثات مع الحكومة السورية بشأن مستقبل مناطقها وسوريا ككل، إلا أن القيادة في دمشق وضعت شروطاً صعبة على “قسد” ولا ترغب بمستقبل ديمقراطي لكامل سوريا، ولا تزال متمسكة بشروطها التي ترفضها “قسد” بطبيعة الأحوال.

للحكومة السورية جملة من المصالح السياسية في مسألة التعاون مع “قسد” وفق شروطها وما ترنو إليه، ومن بين تلك المصالح؛ هي أن تصلح علاقتها مع الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وخاصة بعد أن تم إعادتها إلى محيطها العربي والإقليمي ولـ”جامعة الدول العربية”.

وطالما أن دمشق لم تبدِ أي مرونة فيما يتعلق بشروط تعاونها مع “قسد”، فإن الأخبار المتداولة على موقع “المونيتور” ما هي إلا فقاعة مدفوعة من قبل جهات لها مصلحة (مثل إيران وروسيا) في اختبار وجس نبض “قسد” وحليفتها واشنطن فيما يتعلق بالتعاون مع القيادة بدمشق، ودون شك أن كل من إيران وروسيا لديهما الرغبة اليوم وقبل غد، أن تخرج واشنطن من سوريا وبالتالي ملء فراغها.

وهذا ما رجحه بعض المحللين، حيث يقول إنه ربما تكون كاتبة التقرير في “المونيتور” قد أخذت هذه المعلومات من مصادر تعتقد أنها موثوقة، لكنها في الواقع ربما كانت مدفوعة برغبات إيرانية أو روسية، على سبيل المثال.

وما يدعم هذه الفرضية هو أن وسائل الإعلام الروسية ركّزت على هذه الأخبار بشكل يوحي بقرب خروج الولايات المتحدة من سوريا وربطها بالأحداث الجارية في المنطقة، إضافة إلى تنويه محللين تابعين للحكومة السورية ووسائل إعلامها المحلي على هذا الأمر، بل وأظهروا أن حكومة دمشق مستعدة للتواصل مع “قسد” وأنه لم ينقطع سبل التواصل فيما بينهم وأن تعاون قريب غير مستبعد قد يحدث بين الطرفين، ومن هذه المواقع “موقع أثر برس” المحلي.

مركز مدينة القامشلي/ قامشلو شمال شرقي سوريا- “الشرق الأوسط”

وللحكومة السورية جملة من المصالح السياسية الأخرى في مسألة التعاون مع “قسد” وفق شروطها وما ترنو إليه، ومن بين تلك المصالح؛ هي أن تصلح علاقتها مع الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وخاصة بعد أن تم إعادتها إلى محيطها العربي والإقليمي ولـ”جامعة الدول العربية”.

ماذا عن الانسحاب الأميركي من سوريا؟

في سياق الأخبار المتداولة حول إمكانية انسحاب أميركا نهائياً من سوريا، يرى زياد سنكري، الباحث في العلوم السياسية والمتخصص في الشؤون الأميركية، أن مسألة تواجد القوات الأميركية سواء في سوريا أو العراق، تظل محل جدل وخلاف سياسي بين أجنحة الحكم الأميركي.

وأضاف سنكري المقيم في واشنطن لـ”الحل نت” أنه منذ نحو شهر سقط مقترح سحب القوات الأميركية من سوريا في “الكونغرس” الأميركي بعد محاولات بعض النواب الجمهوريين فرض أمر واقع على إدارة بايدن وحثها على ذلك.

وما نشر مؤخراً عن نية الإدارة الأميركية سحب قواتها من سوريا مفاجئ من حيث التوقيت. ومن المعروف أن الإدارة الأميركية تراجع بشكل دوري هذا الأمر، وتفحص مدى فعالية الوجود على الأرض، وتدرس المخاطر، وتحدد الأهداف الاستراتيجية المباشرة، حتى لو كان وجود القوات يخدم هذه الأهداف، وفق تقدير سنكري.

ولا يخفى على أحد أن ثمة انقساماً في بعض أجنحة الإدارة حول ضرورة بقاء هذه القوات، خاصة في كل مرة تشتعل فيها الأوضاع في الشرق الأوسط، وهذا ما حدث مؤخراً في غزة. وبسبب الدعم الأميركي غير المحدود لإسرائيل في غزة، ترى القوات الأميركية الموجودة في سوريا والعراق نفسها تحت مرمى الميليشيات المدعومة من إيران، على حدّ تعبير سنكري.

متى التعاون بين “قسد” ودمشق ممكناً؟

حتى الآن، هناك إجماع على أن وجود القوات الأميركية في سوريا يخدم السياسة الأميركية الحالية ويشكّل حالة دعم للحلفاء الأكراد، وفي الوقت نفسه تؤرق القوات الأميركية الميليشيات التابعة لإيران، وقد نجحت في كثير من الأحيان في قطع الإمدادات عنهم.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تواجد هذه القوى لن يكون إلى الأبد. وسيأتي يوم تغادر فيه سوريا، لكن هذا لن يحدث بالتأكيد في عام الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفق ترجيحات سنكري لـ”الحل نت”.

لكن هذا لا يعني عدم وجود خطط للانسحاب، بل يجب أن تأتي هذه الخطط بتنسيق سياسي يضمن نوعين من الحماية السياسية للحلفاء الأكراد، أي “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا. ومن هنا تعمل واشنطن على بلورة رؤية لمستقبل المنطقة من خلال فتح باب التعاون والتواصل مع الحكومة السورية في دمشق، وإن كان بشكل غير مباشر.

لكن هذا التعاون لن يكون مجدياً، إلأ في حال ضمان الحماية للأكراد من جهة، وتعديل الحكومة السورية من سلوكها السياسي بالفعل، من جهة أخرى.

ومن ثم قد تأتي خطة “التقارب” بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” بشكل جدي، واقتراح تشكيل لجنة سياسات مشتركة للتشاور حول مصير “قسد” على المدى المتوسط ​​والطويل.

وكل هذه الخطط والاقتراحات لكي تصبح مثمرة، أصبحت، لضيق الوقت، مرتبطة بشكل مباشر بإعادة انتخاب إدارة الرئيس جو بايدن لـ”البيت الأبيض”، وفق تقدير سنكري. الذي يضيف أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما قد يفعله دونالد ترامب في حال فوزه بالانتخابات، خاصة أن هذا التواجد تحول من قتال “داعش” وفروعه إلى سبب جوهري، حتى لو لم يعلن عنه، وهو منع إيران من استخدام الطريق القادم من العراق إلى سوريا.

وفي المجمل، فإن القوات الأميركية باقية في سوريا حتى الساعة، لكن يجب أن يعي الجميع أن هذا البقاء ليس إلى الأبد، ومن هنا يجب بحث الأرضية وإعدادها سياسياً لما يمكن أن يسببه أي انسحاب أميركي أو إعادة تموضع عسكري في هذه المنطقة الحساسة جداً.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات