أبواب لبنان مغلقة في وجه السوريين من أين ما أتوا

أبواب لبنان مغلقة في وجه السوريين من أين ما أتوا

لبنان (الحل) – منذ اندلاع الثورة السورية سنة 2011، ثم تطور أحداثها وبدء السكان بالنزوح واللجوء إلى الدول المجاورة، تعمدت قوى سياسية لبنانية القول أن لا شيء يحصل في سوريا وأن لا داعي لاتخاذ أي إجراء بشأن اللاجئين السوريين. تطور الأمر حتى بات هؤلاء اللاجئون يعدون بمئات الألوف، فكان قرار المديرية العامة للأمن العام اللبناني مطلع سنة 2015 بمنع دخول السوريين تلقائياً إلى لبنان على ما جرت العادة عليه منذ سنوات طويلة، فارضاً شروطاً يجب على السوري الراغب بدخول لبنان أن يحققها، كموعد سفارة أجنبية في بيروت، أو حالة صحية وموعد في مستشفى، أو طالب في جامعة لبنانية، وغيرها.

منذ ذلك الحين بات دخول السوري من سوريا إلى لبنان أمراً صعباً يجب أن يتم التحضير له، ومع إدخال تعديلات عديدة على القرار، بات هناك سماسرة من الطرفين، السوري واللبناني، يعملون على تأمين الشروط اللازمة، ولو على نحو مزيف، للشخص الراغب في دخول لبنان من سوريا.
صعب هذا القرار من حياة السوريين الشاقة أصلاً، لكنه بقي أمراً يمكن التعامل معه، خاصة إن توفر المال اللازم لتذليل الصعوبات، إما عن طريق السماسرة، أو عن طريق التهريب الذي أدى في بعض الحالات إلى موت الأشخاص من البرد في المناطق الحدودية الجبلية.

مع مرور الوقت، تحول لبنان لمساحة لقاء بين السوريين المغتربين واللاجئين في الدول الغربية، وأهلهم وأقاربهم الباقين في سوريا، فالأسباب التي تمنع السوريين من العودة إلى سوريا كثيرة: الملاحقة الأمنية، الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، شروط وقيود اللجوء في الدول الغربية… وعليه، تسعى العائلة المتباعدة إلى اللقاء في لبنان، فتسري الشروط المعروفة على القادمين من سوريا إلى لبنان، وفي مثل هذه الحالات حيث الهدف لقاء اللاجئين والمغتربين، عادة ما يعبر السوريون من بلدهم إلى لبنان تحت بند الحجز الفندقي والمبلغ النقدي الـ “كاش” بحوزتهم، لفترة توازي مدة الحجز الفندقي، وهمياً كان أم حقيقياً.

تبرز هنا المشكلة الأهم التي لا يسهل تفسير سببها، وهي أن الأمن العام اللبناني لا يقبل دخول السوريين الذي يحملون وثائق سفر كلاجئين في الدول الغربية، فرنسا أو ألمانيا أو كندا مثلًا. وإن كان من المفهوم أن تشديد الإجراءات بحق السوريين القادمين من سوريا إلى لبنان يهدف إلى الحد من عدد اللاجئين في لبنان، إلا أن منع أولئك القادمين من دول غربية يبقى غير مفهوم، إذ لا يعقل أن يترك هؤلاء لجوءهم في أوروبا ليأتوا ويستقروا في البلد الذي يعاني فيه اللاجئون الأمرين، فهم إن أتوا يأتون في زيارة قصيرة سيعودون بعدها حتماً إلى بلد لجوئهم.
نظرياً، وبحسب إجراءات الأمن العام اللبناني، يمكن للبناني أو لسوري يحمل إقامة سنوية في لبنان، من كفالة سوري لاجئ في أوروبا، فيستصدر له ما يشبه الـ “فيزا” التي تخوله الدخول إلى لبنان، ولكن الحالات الناجحة من هذا النوع هي حالات شديدة الندرة. ويروي شاب سوري راجع المقر الرئيسي للأمن العام في بيروت بهذا الشأن، أنه دخل مكتب ضابط برتبة مقدم بغرض الاستفسار، وبعد شرح غرضه عبر الضابط عن استغرابه الشديد من امتناع الأمن العام عن السماح للاجئين السوريين في أوروبا من زيارة لبنان للقاء أهلهم القادمين في سوريا، معتبراً هذا الامتناع توجهاً غير منطقي، ولا يمكن فهمه. واستنتج الشاب السوري أن سبب المنع ليس واضحاً لدى الضباط أنفسهم، وأن هذا الإجراء (كفالة لاجئ سوري في أوروبا لزيارة لبنان) نظري ولا يمكن تحقيقه عملياً.

وفي مواجهة المعلومات المستقاة من مقر الأمن العام بشأن هذه الكفالة، تتوفر معلومات متضاربة معها من خدمة الهاتف المقدمة من الأمن العام على الرقم 1717، ما يجعل الأمور أكثر غموضاً على المعنيين والراغبين في الكفالة.
بطبيعة الحال، وكما هو الحال في مواقف متعددة، تكون “الواسطة” إن توفرت حلاً ناجعاً في حالات مماثلة.
الاحتمال الآخر لكفالة لاجئ سوري في الخارج للسماح له بدخول لبنان، هو أن تتم هذه الكفالة عن طريق جمعية مرخصة في لبنان، لبنانية كانت أم أجنبية، على أن تحقق الشروط المطلوبة من تأمين وحجز فندقي ودعوة وما شابه للشخص المكفول، وأن تكون الجمعية “مرضي عنها” من قبل الأمن العام.

في حالة شاب سوري آخر نجح بعد توفير “واسطة” في زيارة لبنان رفقة عائلته قادماً من ألمانيا للقاء أهله القادمين من حمص، روى أن زيارته لبنان مدة 3 أسابيع قد كلفته أكثر من 5000 دولار شملت مصروف عائلته ومصروف أهله بما في ذلك كلفة الفندق والطعام وبعض النزهات والترفيه. وعليه يستغرب الشاب رفض الأمن العام تسهيل دخول أمثاله المضمون عدم بقائهم في لبنان إذ لن يتخلوا عم لجوئهم في أوروبا ليبقوا حيث يُضطهد السوريون، خاصة أنهم ينفقون مبالغ مفيدة للإقتصاد اللبناني خلال زياراتهم.
ضابط سابق في الأمن العام اللبناني رجح وجود عدة أسباب وراء هذا السلوك من قبل الأمن العام: الأول هو التخوف من أؤلئك الذين غادروا الأراضي السوري من غير المعابر الرسمية، خاصة بإتجاه تركيا، فللأمن العام حساسية خاصة تجاه هؤلاء، حتى ولو كانوا يحملون جنسيات بلدان غربية.

السبب الثاني هو التنسيق المعلن بين الأمن العام اللبناني والنظام السوري، وتبعية الأمن العام لحزب الله، ما يرجح أن الأمن العام اللبناني ينفذ رغبة النظام في الحؤول دون أن تكون عودة اللاجئين من أوروبا إلى لبنان سهلة وممكنة. أما السبب الثالث فهو العقلية الأمنية التعميمية -بحسب الضابط- التي تحكم أغلب الأجهزة الأمنية في بلداننا، والتي تعتبر هؤلاء اللاجئين أخطاراً إرهابية محتملة، أو عملاء لداعش.

الملفت في كل هذا أن قرار الأمن العام مطلع عام 2015، والذي تشدد في قبول دخول السوريين إلى لبنان ووضع قيوداً عليهم، هو قرار اعتبره مجلس شورى الدولة في لبنان سنة 2018 قراراً باطلاً وغير شرعي، وليس من شأن الأمن العام أن يصدره. ورغم ذلك، بقي القرار سارياً ومطبقاً دون أي مشكلة حتى هذه اللحظة!

إعداد: رجا أمين

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.