النظام حيال الدين… ممنوع مرغوب وبمقاسات مختلفة

النظام حيال الدين… ممنوع مرغوب وبمقاسات مختلفة

ريف دمشق (الحل) – في سنوات الحرب التي تمر بها سوريا، وجد الاختلاف الديني والمذهبي أرضاً خصبة ليستخدم كسلاح مؤثر عند معظم أطراف النزاع، كل لكسب تأييد جماعة والتحريض ضد أخرى، اعتماداً على اعتقاد نسبة لابأس بها من السوريين بمرجعياتهم الدينية والمذهبية، وانصياع نسبة منهم للأمر الديني، بناءً على ثقتهم برجال الدين الذين يستمدون سطوتهم من النظام نفسه.

ويعتبر نظام الأسد واحداً من أكبر المستفيدين من تسيير الدين لتحقيق أهدافه، واللعب على العاطفة الدينية الموجودة لدى هذه الفئات، ليكون سلاحاً إضافياً لأسلحة السلطة العسكرية والقبضة الأمنية وترهيب السكان، التي يمتلكها.

الواجهة الدينية لتحقيق غايات النظام
عمل النظام على إظهار حاكمية الدين للبلاد، وتحكّمه بقراراتها وقوانينها، وذلك من خلال خطابات رئيسه ومسؤوليه، دون الانسلاخ التام عن العلمانية، والتي أكد بشار الأسد في خطابه الافتتاحي لـ “مركز الشام الإسلامي” أنّ الدين لا يناقضها، وفصل بين ما أسماه “علمانية مؤمنة وعلمانية غير مؤمنة”.

كما انتقى النظام شخصيات تناسب أفكاره ولديها قابلية التغيير وفق متطلباته لشغل المناصب الدينية في البلاد، مثل وزارة الأوقاف والإفتاء، وإدارة المراكز العلمية، وكان لأصحاب هذه الشخصيات دوراً هاماً في ضبط نسبة كبيرة من السوريين في مناطق النظام، إذ اعتمدوا على فتاوى الشيوخ وأخذوا بآراء الشخصيات الدينية التي كانت تؤيد النظام مثل “محمد سعيد رمضان البوطي”، والذي قتل بتفجير أثناء إعطاءه درساً في أحد مساجد العاصمة.

مركز ديني مختص بوظائف استخباراتية
افتتح بشار الأسد الشهر الماضي “مركز الشام الإسلامي لمحاربة الإرهاب والتطرف” بحضور حشد من رجال الدين والشيوخ، وتحدث مطولاً عن “أهمية الدين في المرحلة الحالية، مؤكداً أنّ سوريا تنتهج الطريق الوسطي بعيداً عن التطرف، وموجهاً الشيوخ المجتمعين بضرورة العمل على نشر هذا الوعي بين الشباب الذين غرر بهم طيلة السنوات التسع الماضية”، وفق وصفه.

ويضم المركز عدة أقسام، المعهد الوطني لتأهيل الأئمة والخطباء في كل المحافظات، وهو معهد لإعداد الخطباء المسؤولين عن توجيه الخطاب الديني بشكل مباشر للسوريين عبر خطبة الجمعة، والمعهد الدولي للعلوم الشرعية والعربية للراغبين في الحصول على العلوم الشرعية من علماء بلاد الشام الوسطية، لتأسيس أرضية علمية تناسب الأفكار والمشاريع التي يعمل عليها النظام، وقسم رصد الأفكار المتطرفة والفتاوى التكفيرية عبر شبكة الانترنت وكيفية تحليلها ومعالجتها، وهذا القسم معني بتنفيذ أجندات تجسس تخدم مصالح النظام وأفرعه الأمنية، عبر متابعة وسائل التواصل الاجتماعي وملاحقة كل من يخالف الفكر الذي تنتهجه مؤسسات النظام الدينية، وقد يتعرض المخالف لهذا الفكر للاعتقال.

كما يضم المركز أيضاً قسم مكافحة الفكر المتطرف، ومركزا للبحث العلمي ومكتبة، وعدد من قاعات المحاضرات التي سيتم فيها تدريب وتأهيل رواد المركز وفق ما يتناسب مع سياسة النظام التي يطرحها عبر المعاهد الشرعية المنتشرة في المحافظات والتي تحمل اسم “معاهد الأسد”، والمدارس الشرعية، وكليات الشريعة في الجامعات.

الأوقاف تؤمن دخل بالملايين للنظام
تعتبر وزارة الأوقاف مصدراً جيداً لتأمين المال لنظام الأسد، وذلك عبر حملات الجباية الأسبوعية التي تتم في كل مسجد في سوريا يوم الجمعة، والتي تؤمن عشرات الملايين أسبوعياً لحكومة النظام، ويتم صرفها لرواتب العاملين في الوزارة، والتعليم الشرعي، إضافةً لتوزيع ما يفيض إلى الجمعيات المرخصة من النظام.

وبحسب محمود. ج ( أحد موظفي الأوقاف في ريف دمشق) فإنّ السنوات الأخيرة شهدت تقديم مساعدات من عائدات وزارة الأوقاف لمصابي قوات النظام، وعائلات قتلاه، إَضافةً لتقديم مبالغ كبيرة عبر جمعيات ظاهرها إنساني، وتخفي أجندات داعمة للنظام والفصائل العسكرية التي تسانده، مثل الدفاع الوطني.

وأضاف الموظف أنّ حكومة النظام تقدم مرتبات شهرية منخفضة جداً للعاملين بالمساجد والمدارس الشرعية تبدأ بما يعادل ثلاثين دولار وتصل لستين دولار كسقف أعلى، وهناك مطالبات من شريحة كبيرة من الموظفين بزيادة الرواتب لا سيما مع تردي الوضع المعيشي في البلاد وارتفاع الأسعار تزامناً مع استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار.

مساجد مراقبة وخطب على مقاس السلطة
على الرغم من تهيئة النظام للمساجد والمؤسسات الدينية واختيار مسؤوليها بعناية وبعد دراسات أمنية موسعة، فإنّ الجهات الأمنية لا تتركها دون رقابة، و أشار الجناني إلى أنّه وفي كل يوم جمعة يتلقى أربعة اتصالات من أفرع أمنية، تسأله عن محتوى الخطبة، والخطيب الذي ألقاها، ومجريات الصلاة، والتحقق من الدعاء لرئيس النظام بعد الخطبة.

وأضاف المصدر أن ضباط النظام لا يكتفون بهذه الاتصالات بل يتحققون من صحة المعلومات الواردة لهم عبر المخبرين الموجودين في كل منطقة، إذ يتوجب عليهم حضور صلوات الجمعة منتظرين أي خطأ أو تجاوز للخطباء، وأكدّ المصدر أنّ بعض الخطباء سمعوا تسجيلات صوتية لخطبهم بعد مراجعتهم للأفرع، التي طلبت تفسيراً لبعض ما ورد فيها قبل الإفراج عنهم.

وشهدت مساجد دمشق وريفها تغييرات كبيرة على مستوى الخطباء والأئمة، حيث تم استبدال العشرات منهم، وعلى رأسهم الشيخ “مأمون رحمة”، الذي عرف بمواقفة المؤيدة للنظام، وصاحب نظرية “الوقوف في طوابير الوقود نزهة”، والذي لم يشفع له ولائه بالحفاظ على خطابته في المسجد الأموي بدمشق.

الدين المطلوب صوفية بعيدة عن السياسة
توجّه حكومة النظام بنشر العقيدة “الصوفية” والتي تتمحور حول حب النبي محمد، وآل بيته والوثوق الأعمى بالشيوخ ورجال الدين الذين يقومون بالحضرات والجلسات الدينية الروحية، والذين يفضلون عدم الخوض في السياسة والاقتراب من السلطة، التي يعتبرونها مؤمنة لأنّها تسمح لهم بممارسة طقوسهم الخاصة.

ومن أوجه الدعم الذي تقدمه السلطة لرجال الدين الصوفيين بعض الصلاحيات الأمنية، التي تضمن تنقلهم في مناطق سيطرة النظام دون مواجهة مشاكل، وتسهيلات لإقامة الدروس والحضرات الخاصة بهم في المساجد، إضافةً للسماح لهم بتنفيذ أنشطة خيرية بعيداً عن التراخيص والحصول على الأذونات.

“التسامح الديني” مبرراً لسطوة إيرانية في البلاد
تستغل حكومة النظام مصطلح “التسامح الديني” وخطابات الابتعاد عن الطائفية، لتبرير المد الإيراني في سوريا، حيث أصبح للطائفة الشيعية نفوذاً كبيراً في البلاد، لا سيما في دمشق وريفها، إذ تنتشر المزارات في محيط العاصمة وداخلها، ويمارس “الشيعة” طقوسهم الدينية في الشوارع والمزارات دون أي رقابة تذكر.

وبينما يحارب النظام الفكر الوهابي، ويتهم كل من يعارضه به لكونه فكراً متطرفاً ودخيلاً على البيئة الشامية، يُسمح للحوزات الإيرانية بالانتشار في معظم المناطق مع منحها تسهيلات كبيرة على كافة المستويات، كما يتم ترخيص أي مؤسسة ترغب إيران بإنشائها في مناطق سيطرتها، التي تسعى لأن تكون تابعةً لها دينياً وعسكرياً واجتماعياً.

وقد أصبح للإيرانيين عشرات النقاط الهامة في سوريا، خصوصاً في دمشق وريفها، إذ تحاول إيران وضع موطئ قدم لها في منطقة محيطة بالعاصمة، فتسيطر على السيدة زينب جنوبي العاصمة، وتعيد تأهيل مقام “سكينة” في مدينة داريا، كما تعمل على تقوية انتشارها داخل أحياء العاصمة، بحجة قدوم الحجاج الإيرانيين إلى مقامات الأولياء وآل البيت في سوريا.

شخصيات مخابراتية تقود آلاف الشبّان لخدمة النظام
قال خريج كلية الشريعة “عمر حجازي”، إنّ أجهزة النظام الأمنية عملت على تكوين شخصيات دينية لخدمة مصالحها، وقامت بتلميعها وإظهارها للشباب على أنّها الشخصيات المخلّصة، التي ستجعل منهم “مشاعل للهداية” وجسوراً لعبور الأجيال نحو الأفضل.

وأضاف حجازي تم تلميع هذه الشخصيات عبر سنوات وعندما احتاجها النظام في مواجهة معارضيه، كانت سبباً في انقسام السوريين بشكلٍ واضح، وعلى سبيل المثال هناك الشيخ “بسام ضفدع” الذي ساهم بتسليم مناطق واسعة من الغوطة الشرقية للنظام أثناء الحملة العسكرية الأخيرة، مستخدماً مئات الشبّان الذين آمنوا بأفكاره ووثقوا بمعتقداته، وبالتالي أصبحوا مطيعين له بشكل دفعهم لتقديم تنازلات للنظام والعمل معه ضد من كانوا يوماً يواجهون مصيراً واحداً.

ولا ننسى الشيخ “محمد رمضان البوطي” الذي كان يحظى بقاعدة شعبية كبيرة في سوريا، واستفاد النظام من موقفه المؤيد في كسب تأييد مئات الآلاف من السوريين الذين يرون في شخص البوطي القدوة التي يجب اتباعها دون نقاش.

ولا يزال الدين هو الخيار الأمثل للأنظمة القمعية والتنظيمات المتطرفة لتحقيق الغايات “القمعية” والحصول على موالين وأتباع مستعدين لتنفيذ كل ما يطلب منهم دون نقاش، ويخشون الخروج عن السلطة المتحكمة بهم خوفاً من الوقوع في “المعصية” أو “الكفر”، فلا بد من “طاعة ولي الأمر” حتى وإن كانت هذه الطاعة مناصرةً لحاكم يقتل مدنيين، او “خليفةً” يتسبب بموت مئات الأبرياء، فقط لأنّهم طالبوا بحريتهم، أو تختلف ديانتهم عن الدين الجديد الذي ينادي به “الخليفة” ويريد فرضه على الجميع بقوة السلاح والترهيب.

إعداد: فتحي سليمان

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.