نفط وحدود وسياسة بين لبنان وإسرائيل والنظام السوري

نفط وحدود وسياسة بين لبنان وإسرائيل والنظام السوري

لبنان (الحل) – الاعتقاد بوجود مخزون نفطي وغازي ما في الأراضي والمياه اللبنانية أمر قديم العهد يرجع قرابة 100 سنة إلى الماضي خلال سلطة الإنتداب الفرنسي في لبنان، الذي جرت بعض الدراسات إبان وجوده، ثم تطورت لاحقاً مع شركات من جنسيات مختلفة، رجحت وجود ثروة مماثلة، بعضها في البر وأغلبها في البحر، وخلال السنوات الأخيرة تم تأكيد وجود ثروات مماثلة في مواقع مختلفة على طول الساحل الشرقي للمتوسط من سوريا إلى لبنان ففلسطين.

مع تأكيد وجود هذه الثروات المشكوك في وجودها قبلاً، تحول موضوع ترسيم الحدود البحرية الذي كان مهملاً في السنوات الماضية أمراً شديد الأهمية لسوريا ولبنان وإسرائيل ومعهم أيضاً قبرص، فرسم الحدود البحرية يعني تحديد المناطق العائدة لكل دولة والتي يمكن بالتالي العمل على استخراج النفط منها.
ويتخذ هذا الملف لبنانياً أهمية وحساسية إضافيتين بسبب سلاح حزب الله وحالة العداء مع إسرائيل من جهة، والوضع المالي والاقتصادي اللبناني شديد التردي والذي ينتظر فيما ينتظر عائدات النفط لتعيد بعض الانتعاش لشرايينه.

بسبب حالة العداء مع إسرائيل، واستحالة المفاوضات الثنائية، ووجود اعتراضات لبنانية على ترسيم الحدود البرية بعد حرب تموز 2006، أجّل لبنان ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. وبسبب العلاقات المضطربة وغير المتوازنة مع النظام السوري الذي كان يحاول فرض شروطه على رسم الحدود البرية، تجنب لبنان في السابق طرح أمر ترسيم الحدود البحرية. فبقيت قبرص التي لا يعترض ترسيم الحدود البحرية معها مانع، وعليه جرى البحث في هذا الأمر مع السلطات القبرصية منذ سنة 2006، ثم ما لبثت أن توقفت بسبب خلاف حكومي.

المياه اللبنانية قسمت إلى “بلوكات”، والخلاف الأساسي مع إسرائيل يقع بالدرجة الأولى على الحدود في منطقة البلوك 9، بالإضافة إلى خلافات أصغر في البلوكات 8 و10، ومن أصل مساحة المياه اللبنانية البالغة 22 ألف كيلومتر مربع، يدور الخلاف مع إسرائيل حول قرابة 850 كيلومتراً مربعاً، ففي كانون الأول 2011 أبرمت إسرائيل وقبرص اتفاقاً حول ترسيم الحدود البحرية بينهما وضعت بموجبه إسرائيل يدها على 860 كيلومتراً مربعاً من المنطقة الاقتصادية اللبنانية (أي المنطقة المشتركة بين الدول ما بعد المياه الإقليمية) التي يعتقد أنها تحوي كميات تجارية جيدة من النفط والغاز.
الوساطة الأمريكية عبر الموفد الأمريكي فريدريك هوف ينة 2012 تقدمت باقتراح تقاسم المنطقة المتنازع عليها بين الطرفين على أساس ثلث لإسرائيل مقابل ثلثين للبنان، ولكن الاعتقاد اللبنانية بأنه المساحة المتنازع عليها هي كلها من ضمن المياه الإقليمية اللبنانية أدرى إلى رفض مقترح الوسيط.
رغم ذلك الخلاف بين دولتين عدوتين، أقدم لبنان على منح ائتلاف مكون من ثلاث شركات، إيطالية وفرنسية وروسية حق التنقيب عن النفط والغاز في بلوكين واحد منهما هو البلوك رقم 9 المتنازع مع إسرائيل على قسم منه، الأمر الذي استجلب رفضاً إسرائيلياً، والتهديد برد مباشر على الخطوة اللبنانية التي اعتبرت استفزازية.

دخل الأمين اعلام لحزب الله حسن نصرالله على الخط من خلال تصريحه أن “القوة الوحيدة لدى اللبنانيين هي المقاومة التي تستطيع إيقاف منصات النفط الإسرائيلية خلال ساعات إن طلب منها ذلك” موضحاً أن الطلب يكون من المجلس الأعلى للدفاع في لبنان الذي يرأسه حليفه رئيس الجمهوري، مكرساً بعداً شرعياً لسلاح الحزب ويؤكد ارتباطه الفرسمي بلبنان. وأضاف نصرالله أنه يجب على الدولة اللبنانية أن تتعامل مع هذا الملف من منطلق قوة لا ضعف والقوة هي بالوحدة اللبنانية، الأمر الذي فسر محلياً بأنه أمر من نصرالله بوجوب الانصياع لأمر عمليات الحزب.
يريد الإسرائيليون والأمريكيون بصفتهم وسطاء فرض حل هوف بعد تعديله قليلاً من قبل المبعوث الأمريكي ساترفيلد، وهو ما رفضه لبنان الذي يفضل مقترح رئيس مجلس النواب نبيه بري القاضي ترسيم الحدود البحرية عبر اللجنة الثلاثية التي شكلت بناء على تفاهم نيسان 1996 وتضم لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة، وهو اقتراح يبدو منطقي يتطلب تدخل اليونيفل الذي يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن غير متوفر حالياً.

لكن تبقى الحدود البحرية الشمالية، فعرض لبنان حق الاستثمار في البلوكين رقم 1 و2 مع 3 بلوكات أخرى على شركات التنقيب، يعني أن الخلاف في هذين البلوكين حول الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية مع سوريا سوف يفتح مجدداً، فالنظام السوري ليس بعيداً عن طرح المناطق نفسها للاستثمار أما شركات التنقيب، ولو كان محكوماً بحكم الأمر الواقع بشركات روسية أو ربما إيرانية لا غير.
يعتقد أن المساحة المختلف عليها مع سوريا تنقص قليلاً عن 400 كيلومتراً مربعاً، ولكن عندما يكون الخلاف الحدودي مع إسرائيلي لا يخجل أحد أو يتراجع عن التصريح والمطالبة بما يعتبره حقاً لبنانياً ومواجهة التعديات الإسرائيلية، بينما يسكت أغلب السياسيون الممانعون، ويمتنعون عن التصريح بشأن الخلاف مع الجار الشمالي اللدود، ولو كان هذا السكون هو عن حق لبناني وطني.
في هذا السياق أعطت أرقام غير مؤكدة لهذا الخلاف طابعاً مختلفاً إذ أشارت إلى ضخامة المخزون الذي يحتويه قياساً بالبلوكات الأخرى لبنانية كانت أم سورية، وسهولة التنقيب فيه والاستخراج منه لقلة عمق قاع البحر وقرب المخزون هذا القاع الأمر الذي لا يتطلب الحفر عميقاً للوصول إليه. ولكن هل يمكن رسم الحدود البحرية من دون رسم الحدود البرية التي امتنع النظام السوري لعقود عن ترسيمها رغم كل الجهود اللبنانية والوساطات التي أتت لدفع هذا الترسيم؟ يقول الخبراء أن أساس رسم الحدود البحرية يقوم على الحدود البرية، فالخلاف على عشرات المتار مثلاً من الحدود البرية على الشاطئ بين البلدين، يغير الكثير في الحدود البحرية بينهما.

يتخوف بعض المعادين للنظام السوري في لبنان من اعتبار موضوع ترسيم الحدود بين البلدين أمراً ملحاً ووطنياً لا بد منه مدخلاً إلى التطبيع مع النظام السوري على مستوى عالٍ، وهو التطبيع الذي كان كثر من السياسيين اللبنانيين يقاومونه بشتى الطرق ويسعون إلى تأجيله ما استطاعوا، هذا التطبيع قد يستجلب شروطاً من النظام بشأن اللاجئين السوريين والمطلوبين من مشنقين ومعارضين مقيمين في لبنان.

مع تقدم العلاقات اللبنانية الروسية، وفتور في علاقات سياسيين لبنانيين مؤثرين بالإدارة الأمريكية، قد يكون دور وساطة روسي فاعلاً في ترسيم الحدود البحرية بين البلدين الجارين، اللذين يتعطشان لأموال عائدات النفط والغاز لترميم الاقتصاد المتداعي وتحسين شرعيتهما المفقودة أو المنقوصة أمام شعبيهما.

رجا أمين

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.