وضع المسيحيين في سوريا: لماذا تخالف حكومة دمشق دستورها بمنح إعفاءات لرجال الدين؟

وضع المسيحيين في سوريا: لماذا تخالف حكومة دمشق دستورها بمنح إعفاءات لرجال الدين؟

يثير وضع المسيحيين في سوريا كثيراً من التساؤلات. خاصة بعد عشر سنوات من الحرب السورية، التي رفعت فيها حكومة دمشق شعار “حماية الأقليات”. فهل فعلاً ينال المسيحيون السوريون في بلادهم معاملة تليق بهم. بوصفهم مواطنين. ومكوناً هاماً وأصيلاً من المكونات السورية؟

هذا السؤال يبدو إشكالياً على ضوء بعض التطورات الأخيرة. فقد أصدر مجلس الوزراء السوري قراراً يقضي بإعفاء كل من «البطاركة والأساقفة وسائقيهم، والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، من تصريف مبلغ مئة دولار أميركي في حال سفرهم وعودتهم إلى البلاد». وهو الإجراء المفروض على كل السوريين بموجب القرار 31/م.و الصادر عام 2021.

القرار الذي يبدو في ظاهره امتيازاً للفئة المذكورة، أثار تحفّظ عدد من الحقوقيين. باعتباره يهدد وضع المسيحيين في سوريا، بوصفهم مواطنين متساوي الحقوق مع غيرهم. ويخالف ما نصّ عليه الدستور السوري المعمول به حالياً، في المادة /33/ منه: «المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات. لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».

أعفاء مواطنين يحملون رتبة كنسية من إجراء قانوني مفروض على بقية السوريين قد يجعل وضع المسيحيين السوريين أقرب لمفهوم سابق لمفهوم المواطنة، هو “الذمية”. أي أن أبناء الأقليات غير المسلمة لديهم حقوق وواجبات مختلفة عن المسلمين. والفهم المغلوط لمفهوم “الذمية” في التراث الإسلامي قد يحوّل المسيحيين إلى مواطنين من الدرجة الثانية. كما أن لمثل هذا النوع من القرارات عواقب اجتماعية سلبية. منها إثارة البغضاء والتصارع بين مكونات المجتمع الواحد. فالتمييز، بنوعيه الإيجابي والسلبي، سلاحٌ ذو حدين. ولا يحل مشكلةً يكون أصلها عدم المساواة.

موقع «الحل نت» التقى مع ناشطين وحقوقيين سوريين من أصول مسيحية، لمعرفة رأيهم بالقرار، وانعكاسه على وضع المسيحيين في سوريا.

رشوة ممثلي المسيحيين في سوريا

المحامي “إدوار حشوة” أكد لموقع «الحل نت» أنه «لا يجوز صدور قانون لمصلحة شخص أو فئة محددة، لأنه يتعارض مع عمومية القانون وشموله للجميع».

كما أوضح أن «المعمول به في سوريا هو منح الكنائس والمساجد والأوقاف اعفاءات من رسوم الكهرباء، باعتبارها مراكز عامة. إلا أنه لم يسبق منح اعفاءات لأشخاص من رجال الدين».

وعن أسباب القرار، وانعكاساته على وضع المسيحيين في سوريا، يرى “حشوة” أن «هذا المرسوم أقرب لرشوة. تدفعها حكومة دمشق لعدد من رجال الدين المسيحيين، الذين يملكون علاقات مع الأجهزة الأمنية. وتتشابك مصالحهم السياسية والاقتصادية مع مصالح المسيطرين على السلطة في البلاد. تماماً مثلما كان وضع الشيخ أحمد حسون،  مفتي سوريا قبل إلغاء المنصب، وغيره من رجال الدين المسلمين المتواطئين مع الحكومة السورية».

ما يقوله “المحامي حشوة” له ما يدعمه من مؤشرات. فوفق دراسة صادرة عن مركز “مالكوم كير – كارينغي للشرق الأوسط “، بعنوان “الحقل الديني يستمر في التوسّع في سورية”، فإن «الكيانات المسيحية في سوريا تمكّنت من توفير مصادر تمويلية خاصة بشبكات مانحيها الدوليين. ومنها “مجلس الكنائس العالمي”، و”خدمات الإغاثة الكاثوليكية”، و”الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين”». وهذا يشير إلى توسع اقتصادي وتمويلي للمؤسسات الكنسية في سوريا. تسعى حكومة دمشق للاستفادة منه. في الوقت الذي تعاني فيه من العقوبات الأميركية. وواحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية التي عرفتها البلاد في تاريخها. ما قد يدفع المسؤولين السوريين إلى منح معاملة خاصة لبعض رجال الدين المسيحي. حتى لو أثّر هذا على وضع المسيحيين في سوريا بوصفهم مواطنين.

استثمار النفوذ الديني

المهندس “أيمن عبد النور”،  رئيس منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أكد لـ«الحل نت» موقفه المبدئي بأنه «لا يحوز التفريق بين المواطنين على أي أساس عرقي أو طائفي أو ديني أو جندري».

ويوضح “عبد النور” وضع المسيحيين في سوريا من الناحية الدينية، وترتيبات عمل الكنائس على الصعيد الجغرافي المعمول بموجبها منذ ما قبل اتفاقية “سايكس بيكو” وتقسيم دول المنطقة في شكلها وحدودها الجغرافية المعروفة، حيث «يشمل عمل المطارنة السوريين غالباً سوريا ولبنان. فيما يشمل عمل البطاركة سوريا ولبنان والأردن وفلسطين كاملة، وجزءاً من تركيا. فمثلاً مطران حمص هو مطران لمدينة طرابلس اللبنانية ورعيتها أيضاً. وكذلك المطران المقيم في مدينة درعا السورية هو أيضا مطران لمناطق داخل لبنان».

متابعاً: «تتوسع المهام والواجبات الكنسية لمنصب البطرك باعتباره صاحب أعلى درجة كهنوتية بالكنيسة. وتشمل ولاية البطرك المقيم في دمشق كل من سورية ولبنان وفلسطين والأردن وأجزاءً من تركيا. وعليه فإن سفر هؤلاء المطارنة والبطاركة لا يكون لحضور مؤتمر تمت دعوتهم له بشكل شخصي. ولا يندرج ضمن إطار الرحلات السياحية. بل يقع ضمن واجباتهم الرعوية والكنسية، التي تحتم عليهم السفر لمتابعة مؤسساتهم ورعاياهم في أماكن انتشارها الجغرافي. خارج الحدود الجغرافية للدولة السورية».

للقراءة أو الاستماع: سوريا وحَفلةُ التَّقسيم.. ماذا عن المَسيحيين؟

أمام هذا الواقع يرى “عبد النور” أن «الحكومة السورية وجدت مبرراً لقرارها. ظاهره دعم ادعائها بحماية الأقليات السورية عموماً.  وباطنه كسب ولاء رجال الدين هؤلاء. واستثمار تحركاتهم الواسعة، لتأمين موارد جديدة لها. حتى لو أدى هذا قانونياً إلى تغيير وضع المسيحيين في سوريا. والخروج عن مبدأ المساواة القانونية، الذي يكفله القانون المدني».  

ومن الجدير ذكره أن القرار موضوع تقريرنا قد تزامن مع رفض المحكمة الأميركية العليا منح استثناءات قانونية لأسباب دينية. فقد رَدَت دعاوى في محاكم ولاية نيويورك للحصول على استثناء من قرار التلقيح الإلزامي ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19). رفعتها مجموعة من الأطباء والممرضات المسيحيين. وفق ما نشرته وكالة الأنباء  رويترز.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.