العنصرية ضد السوريين بتركيا: ماذا تفعل المعارضة السورية لمواجهة جرائم الكراهية؟

العنصرية ضد السوريين بتركيا: ماذا تفعل المعارضة السورية لمواجهة جرائم الكراهية؟

في تطور لتصاعد العنصرية ضد اللاجئين السوريين بتركيا، أقدم المواطن التركي “كمال كولماز”، في السادس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من العالم الماضي، بإضرام النار بمكان إقامة المواطنين السوريين “محمد البش”، و”مأمون نبهان” و”محمد العلي”، في منطقة غوزيل باهشي (Güzelbahçe) التابعة لولاية أزمير. وكان الشبان يعملون في ورشة لصناعة الحجر الخاص بالأرصفة.

لم يكن بين الضحايا والجاني أي خلافات سابقة. وبحسب مصادر محلية تمت الجريمة بدافع العنصرية ضد السوريين بتركيا. إذ أكد أحد المواطنين الأتراك، في إفادته للشرطة، أنَّ الجاني، قبل ساعات من الواقعة، صرّح بأنه «ذاهب لإحراق هؤلاء السوريين».

تذكّر هذه الجريمة العنصرية بمقتل الطفل السوري “أيمن حمامي”، في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2020، في مدينة “سامسون” التركية. وهي تأتي في سياق تصاعد الاعتداءات على السوريين، التي كانت تتم عادة على خلفية مشادات كلامية تتطور إلى عراك، أو هجمات جماعيّة على السوريين وأماكن سكنهم أو محلاتهم التجارية. إلا أنها اليوم باتت تأتي على ما يبدو دون سابق إنذار.

وفي حديثه لـ«الحل نت» أفاد “محمد دعبول”، صديق المغدورين، أنه خلال تردد الجاني على أصدقائه الأتراك بالمنشأة، كان «كثير اللوم لهم. بسبب تعاملهم اللطيف مع العمال السوريين». وفيما رفض “أحمد البنهان”، أخ الضحية “مأمون”، التعليق على الحادث. كتب “أحمد البش”، أخ الضحية “محمد”، رسالةً تمنى ترجمتها للغة التركية. جاء فيها: «نحن لا نُكنّ للأخوة الأتراك أية مشاعر عنصرية. ونتمنى منهم، حكومةً وشعباً، النظر لحالات عنصرية تجاهنا، بدأت تطفو على سطح المجتمع التركي بوتيرة متصاعدة. رغم أنها تتناقض مع القيم التركية».

عجز القانون عن مواجهة العنصرية ضد السوريين بتركيا

القاضي السوري” أنور مجنّي” يشير إلى جذور مشكلة العنصرية ضد السوريين بتركيا بالقول إن «تعامل المؤسسات الحكومية التركية تضعف المركز القانوني للسوريين. فهي لا تأخذ شكاويهم بخصوص العنصرية بصفة رسمية. إضافة لغياب الحيادية المفترضة بالمؤسسات الحكومية. كما حدث في حالات ترحيل السوريين، لدى أي مشكلة يتعرّضون لها أو يتورّطون بها». مضيفاً أن «العنصرية في القانون التركي مجرم، حيث يجرّم القانون خطاب الكراهية. إلا أن النيابة العامة التركية لا تحرّك الدعوى العامة إلا بموجب ضبط شرطة. وهو الحلقة المفقودة في المسألة. نظراً لعدم قيام الضابطة الشرطية بأخذ الشكاوي المقدمة في هذا الشأن بالطرق الرسمية. ما يكرّس من مشكلة العنصرية ضد السوريين بتركيا».

في تقريره لعام 2020، قال “مركز ستوكهولم للحرية”، ومقره السويد، إن «اللاجئين السوريين يتعرّضون للاستهداف بوتيرة مرتفعة في تركيا. من خلال خطاب وجرائم الكراهية. ويلقى عليهم اللوم في كثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية».

وأكد التقرير أن «اللاجئين السوريين في تركيا هم ثاني أكبر فئة مستهدفة في الإعلام التركي». راصداً ستمئة وسبعين مادة إعلامية تصنّف بوصفها خطاب كراهية في وسائل الإعلام التركية. موضحاً أن «اللاجئين السوريين يوصفون دائماً بشكل منهجي في الإعلام التركي بالمجرمين أو القتلة واللصوص. ويصوّرون بوصفهم تهديداً بمشكلات أمنية داهمة. وأنهم السبب في الوضع الاقتصادي السيئ في تركيا، وتزايد أرقام البطالة».

الأحزاب التركية المعارضة وتصعيد العنصرية ضد السوريين

“عبد الله سليمان أوغلو”، الصحفي المختص بشؤون اللاجئين، أشار، في حديثه لموقع «الحل نت»، إلى «وجود أحزاب سياسية معارضة. بنت برامجها السياسية على أساس تمييز عنصري وخطاب الكراهية تجاه الأجانب. مثل حزب “الشعب الجمهوري” و”الجيد” و”الظفر” وغيرها. وأدى هذا  بالمحصلة إلى تنامي العنصرية ضد السوريين بتركيا. وبث روح الكراهية والتمييز».

 كما أضاف أن «كتلة كبيرة من الناس تتأثر بهذا الخطاب. وتقوم بتضخيم الحوادث الفردية. في مسعى لتحميل الأجانب، وخاصة السوريين، مسؤولية المشاكل الاقتصادية والبطالة وارتفاع الإيجارات».

وبالفعل لم تفوّت كثير من الأحزاب السياسية التركية المعارضة أي فرصة لاستغلال ملف اللاجئين لخدمة مصالحها. و جاءتها الفرصة على لسان خصمها الشرس، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. الذي قال إن «بلاده أنفقت أربعين مليار دولار على اللاجئين». ليصبح هذا الرقم ورقةً الرابحة لتحقيق مكاسب سياسية. وكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقبلة. وهكذا تحوّل السوريون في ظل هذه الخلافات إلى وقود حرب سياسية بين الأطراف التركية المتنافسة.

القاضي “أنور مجنّي” يرى أن «نقل الوجود السوري في تركيا من الحيز الإنساني إلى الحيز السياسي. وتحويله إلى سلعة انتخابية بين الأحزاب المتنافسة. أحد أسباب تنامي العنصرية ضد السوريين بتركيا، وخطاب الكراهية تجاههم».

مشيراً إلى أن «الأرقام غير الدقيقة حول الإنفاق على اللاجئين السوريين في ظل الأزمة الاقتصادية، التي تصدر عن وسائل الإعلام الحكومية. أدت لنتائج سلبية على السوريين الموجودين في تركيا. نظراً لما قابلها من خطاب إعلامي معارض. بنى عليها وروّجها للجمهور التركي. ما جعل السوريين محلاً لتفريغ الحنق الشعبي على الأداء السياسي والاقتصادي لحكومة أردوغان».

استفحال الجرائم العنصرية

وقد تطوّرت نزعة العنصرية ضد السوريين بتركيا، التي دعمتها الأحزاب المعارضة، بحسب “عبد الله سليمان أوغلو”، إلى «إلحاق الضرر والأذى بممتلكات، وحتى بأرواح السوريين. وما مقتل الشباب الثلاثة إلا نتيجة لتنامي تلك الروح العنصرية».

 فيما يرى “مجنّي” أن «عدم النظر لجذور المشكلة سبب أساسي لتصاعد مستوى الجريمة بدوافع عنصرية في تركيا».

ولا يكاد يمضي شهر دون وقوع جريمة بحق اللاجئين السوريين، ضمن مختلف الولايات التركية. بدافع السرقة أو الاغتصاب أو العنصرية. وتحفل صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء ضحايا العنصرية ضد السوريين بتركيا.

وتزايد خطاب الكراهية ضد السوريين بعد جريمة قتل ارتكبها سوري، راح ضحيتها شاب تركي في منطقة “ألتين داغ” بالعاصمة التركية أنقرة، في شهر آب/أغسطس الماضي. تعرّضت على إثرها ممتلكات السوريين للتخريب والحرق. ولاحقاً تم إطلاق هتافات تدعو إلى طرد السوريين من البلاد، قبيل بدء المباريات في الملاعب الرياضية. ووصل الأمر إلى حد دعوة مسؤولين أتراك إلى طرد السوريين، على غرار “تانجو أوزجان”، رئيس بلدية ولاية “بولو”، الذي قام برفع أسعار الكهرباء والمياه. بهدف الضغط على اللاجئين السوريين لمغادرة الولاية.

دور المجتمع المدني في مواجهة العنصرية ضد السوريين بتركيا

«يجب على الدولة إيقاع الحد الأقصى من العقوبة بحق المرتكبين جرائم بدوافع عنصرية. لتكون رادعاً لهم ولغيرهم». بحسب “أوغلو”. الذي يلتقي مع “مجنّي” في التأكيد على ضرورة «تولي منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام مهمة إخماد العنصرية ضد السوريين بتركيا. وبيان فداحة نتائجها على المستوى الشخصي، ومستوى المجتمع والدولة».

 ويشير “أوغلو” إلى «ضرورة قيام وسائل الاعلام التركية بإظهار الجوانب الإيجابية للوجود السوري. وروح الأخوّة الموجودة بين الشعبين، الذين تربطهما روابط الأخوّة والجيرة والدين. وتناول قصص النجاح والتأثير الإيجابي للسوريين على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي, والابتعاد عن السلبية في تناول أي حدث يخصّ السوريين».

بدوره ينوّه “مجنّي” لضرورة «مطالبة المؤسسات التركية بتطبيق المعايير القانونية والإنسانية على جميع الأطراف. ومخاطبة الشعب التركي بلسانه، من خلال منظمات المجتمع المدني السورية والتركية».

كما يطالب القاضي السوري المؤسسات، التي تدّعي تمثيل السوريين، بالنظر «لمصالح المجتمع السوري في تركيا. بوصف هذا أولوية يجب رعايتها. بعد أن أجبرت الحرب السوريين على الهروب من بلادهم».

 للقراءة أو الاستماع: تقرير: اللاجئون السوريون في إسطنبول لا يبحثون عن مستقبلهم في تركيا

ورغم وجود جمعيات حقوقية سورية وتركية، تعنى بالمساعدة في مواجهة العنصرية ضد السوريين بتركيا، إلا أن خدماتها مقتصرة على تقديم المشورة القانونية. في الوقت الذي يتهم فيه السوريون المقيمون في تركيا الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة المعارضة بالتقصير في هذا الملف. وعدم القيام بدورهما في حماية السوريين، والدفاع عن حقوقهم في تركيا.

فيما يقتصر دور وسائل الإعلام المحلية والعالمية على عرض أخبار العنصرية ضد السوريين بتركيا بشكل مقتضب. دون البحث المعمّق في جذورها ومسبباتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.