تثير أزمة الخبز بالشمال السوري كثيرا من المخاوف بين المواطنين، وحتى المسؤولين المحليين. إذ يمثل رغيف الخبز حجر الأساس في الحياة اليومية للسوريين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم، ويعتبر فقدانه أو ارتفاع ثمنه مسألة حياة أو موت. خاصة في الشمال السوري، حيث يعاني الأهالي والنازحون من أزمات مركبة ومتداخلة، ومستمرة منذ سنوات،  بفعل ظروف الحرب والنزوح.

ويعيش الشمال السوري اليوم أزمة حقيقية، تتمثل بتناقص مخزون القمح بشكل كبير، ما قد يؤثر مستقبلا على إنتاج رغيف الخبز وكميته ونوعيته و ثمنه. وبحسب إحصائيات غير رسمية يعمل قرابة أربعمئة فرن، في مختلف مناطق شمال سوريا، على إنتاج أكثر من عشرين مليون رغيف خبز يوميا، باستهلاك يصل إلى ألفي طن يوميا من الطحين. وتقدّر مصادر غير رسمية أن كميات الطحين المتوفرة حاليا في الشمال السوري قد تكفي بالكاد شهرين من الزمن، في حال لم يجد المستوردون حلولا مستعجلة لتأمين الطحين.

ويدخل الطحين إلى محافظتي إدلب وحلب على شكل مساعدات مقدمة من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، عبر معبر باب الهوى، لكن وارادت الطحين مهددة بالتوقف، مع المساعي الروسية المستمرة منذ عام لإغلاق المعبر، وهو آخر المعابر الحدودية التي تدخل عبرها المساعدات الإنسانية إلى المتضررين في سوريا. في محاولة من روسيا لحصر إدخال تلك المساعدات عبر حكومة دمشق. ما يهدد بأزمة خبز كبيرة بالشمال السوري.

 إضافة لذلك لم يعد بإمكان التجار شراء القمح من أوكرانيا، وإدخاله إلى الشمال السوري عبر تركيا، بسبب الغزو الروسي. كما أن الحكومة التركية منعت مؤخرا تصدير القمح من تركيا، من أجل الحفاظ على مخزونها الاستراتيجي من هذه المادة، ما يضع التجار والمستوردين أمام معضلة حقيقية، بحاجة لحل سريع. فحتى مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وهي أكثر المناطق السورية إنتاجا للقمح، يمكن أن تعاني بشدة من هذا الوضع، نظرا لعدم وجود مخزون استراتيجي كاف من القمح فيها.

أسباب أزمة الخبز في شمال غرب سوريا

تعتبر كميات القمح المنتجة محليا في شمال غرب سوريا قليلة جدا ولا تكفي حاجة السوق والاستهلاك المحلي المتزايد. ففي محافظة إدلب، وبعد الحملة العسكرية الأخيرة للقوات النظامية على ريفها الجنوبي، وتحديدا مناطق سراقب ومعرة النعمان، خسرت المعارضة أكثر من ألفين وثلاثمئة كيلو متر مربع من الأراضي الصالحة للزراعة، وباتت المنطقة الصالحة للزراعة، الخاضعة لسيطرتها في إدلب، تقدّر بنحو خمسمئة كيلو متر مربع فقط، لم يزرع منها بالقمح إلا حوالي مئة كيلومتر مربع. الأمر الذي يجعل أزمة الخبز بالشمال السوري حقيقة واقعة،  بحسب إفادات تجار قمح في إدلب، تواصل معهم موقع “الحل نت”.

المزارع مصطفى خضر، من معرة مصرين بريف إدلب، يقول لـ”الحل نت” إن “ارتفاع أسعار الأسمدة والبذار والري دفع كثيرا من المزارعين للعزوف عن زراعة القمح، والبحث عن محاصيل أخرى، يكون إنتاجها أعلى ثمنا من القمح، مثل  المحاصيل العطرية والطبية”.

من جهته يقول تاجر القمح أحمد بركات لـ”الحل نت”: “ارتفاع ثمن الشحن والاستيراد سينعكس سلبا على أسعار القمح المباع في الشمال السوري، وبالتالي سينعكس على ثمن رغيف الخبز. كنا نقوم باستيراد الطحين من أوكرانيا، وأحيانا نقوم بشرائه من تركيا، ثم ندخله الى الشمال السوري ونبيعه بأسعار مناسبة. أما الآن فقد توقف الأتراك عن بيع القمح والطحين لنا، من أجل المحافظة على مخزونهم، وأيضا لم يعد بإمكاننا الاستيراد من أوكرانيا. نبحث اليوم عن دول اخرى للاستيراد منها، لكن تكلفة الاستيراد ستكون مرتفعة، ما سيؤدي لأزمة خبز بالشمال السوري، ولا نعلم كيف سنبرر ارتفاع الأسعار للناس هنا”.

مبادرات لمواجهة أزمة الخبز بالشمال السوري

موقع “الحل نت” رصد عدة مبادرات محلية وإقليمية لمواجهة أزمة الخبز بالشمال السوري. فقد أسست “جمعية قطر الخيرية” في ريف حلب الشمالي محطتين لإكثار البذار، من أجل دعم المزارعين، وتأمين متطلبات الشمال من القمح.

وذكرت الجمعية، عبر حسابها على موقع تويتر، أن “محطتي الإكثار تم بناءهما في بلدتي مارع وقطمة بريف حلب، ويهدف المشروع لسد الفجوة الحاصلة، من خلال دعم تسويق وتخزين القمح، وتوفير مدخلات إنتاج القمح، إضافة إلى إنتاج الطحين، وتوزيع الخبز بواقع خمسين طن طحين يوميا. وشراء ألف طن، وتوزيع الخبز المدعوم”.

“ويغطي المشروع بشكل أولي احتياجات مئتي عائلة من المزارعين، يبلغ الدعم المخصص لكل منها مساحة هكتار زراعي واحد. وشملت المدخلات الزراعية لكل مستفيد كميات من البذور والسماد، ومئة وثلاثة وستين لترا من المازوت، من أجل الري التكميلي”، بحسب الجمعية.

وفي شمال شرق سوريا تحدث السيد سلمان بارودو، الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية، عن الإجراءات المتخذة لوقاية المنطقة من شبح أزمة الخبز بالشمال السوري: “قمنا بتقديم  كافة مستلزمات الزراعة، من سماد ومبيدات وأدوية ومحروقات، بالسعر المناسب للفلاحين. ونعمل على تسهيل استلام المحاصيل منهم. إضافة لتقديم الدعم من خلال قروض ميسرة، لضمان استمرار زراعة أكبر قدر ممكن من الأراضي”.

وأضاف في إفادته لـ”الحل نت”: “قمنا أيضا بإجراء دورات متخصصة للعمال المسؤولين عن استلام القمح من الفلاحين، لضمان أفضل جودة ممكنة لتخزين القمح، من أجل توزيعه لاحقا على الأفران على شكل طحين في مختلف مناطق الإدارة الذاتية”.

وأوضح أن “هيئة الاقتصاد والزراعة تقوم بشراء القمح من الفلاحين بأعلى سعر ممكن، من أجل دعمهم، وجعلهم لا يلجؤون إلى  زراعة محاصيل أخرى على حساب المادة الأساسية، وهي القمح”.

مقالات قد تهمك: الصراع على القمح السوري: هل يؤدي تهديد المجاعة لحرب بين قسد وحكومة دمشق؟

آثار القرار التركي بمنع التصدير إلى الشمال السوري

أصدرت تركيا قرارا، حصل موقع “الحل نت” على نسخة منه، يقضي بمنع تصدير عشرات السلع لدول الجوار التركي، وعلى رأسها سوريا والعراق، اللتين تعتمدان بشكل كبير على المنتجات التركية.

وجاء القرار، بحسب خبراء اقتصاديين، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، وما قد يرافقه من تبعات اقتصادية ومعيشية كبيرة. نظرا لكون روسيا وأوكرانيا من أبرز مصدري السلع الغذائية الأساسية في العالم.ولعل أبرز المواد الممنوع تصديرها القمح والشعير والذرة والأعلاف والبقوليات، إضافة لمختلف أنواع الزيوت، ما يساهم بتصاعد أزمة الخبز، والغذاء عموما، في الشمال السوري.

وقال عدد من تجار المنطقة لـ”الحل نت” إن “منع الأتراك تصدير بعض المنتجات لن يحدث وحده أزمة خبز كبيرة بالشمال السوري، بسبب عدم منع تركيا استيراد هذه المواد من بلدان أخرى، وإدخالها عبر أراضيها إلى الشمال السوري، إلا أن أسعار المواد يمكن أن ترتفع بسبب تكلفة الشحن من بلدان بعيدة”.

موقع “الحل نت” عاين الأسعار في الشمال السوري بعد القرار التركي، ولاحظ ارتفاع أسعار عدد كبير من المواد، التي تم إيقاف استيرادها من تركيا، مثل الزيوت. فقد ارتفع سعر لتر زيت دوار الشمس من ثماني عشرة إلى أربعين ليرة تركية بشكل مفاجئ. فيما ارتفع سعر الطن الواحد من مادة التبن العلفية من ألف ليرة تركية إلى ثمانية آلاف ليرة تركية. وهذا قد يجعل أزمة الخبز بالشمال السوري تأتي وسط ارتفاع شامل في أسعار المواد الغذائية والعلفية، ما يزيد من معاناة الأهالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.