مبادرات دولية مستمرة لدعم العراق وتمكينه، حيث وافق “البنك الدولي”، اليوم الإثنين، على تمويل مشروع جديد يخص التعليم في العراق على مدى عامين.

إذ أعلن البنك موافقته على مشروع جديد بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي لدعم الابتكارات من أجل التعلم في ثلاث محافظات عراقية، بحسب بيان أورده البنك وتلقى موقع “الحل نت”، نسخة منه.

ووفقا للبيان، فأن المشروع يهدف إلى تعزيز ممارسات التدريس لمعلمي اللغة العربية والرياضيات، وتحسين مهارات القراءة والكتابة والحساب لدى طلاب المرحلة الابتدائية من الفئات الأكثر احتياجا في المحافظات العراقية التي تتأخر التنمية فيها عن المحافظات الأخرى.

كما أنه، بالرغم من تنمية رأس المال البشري في صميم تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، إلا أن رأس المال البشري في العراق يمثل 15 بالمئة فقط من إجمالي الثروة، وهو أحد أدنى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويرجع إلى حد كبير إلى ضعف نواتج التعليم.

وبحسب البنك، يظهر أحدث تقييم لمهارات القراءة للصفوف الأولى وتقييم مهارات الرياضيات للصفوف الأولى، فإنه بحلول الصف الثالث لم تكن الغالبية العظمى من الطلاب العراقيين الذين تم تقييمهم قد اكتسبوا بعض المهارات الأساسية الكافية، مع أكثر من 90 بالمئة من الطلاب يعجزون عن فهم ما يقومون بقراءته.

ويستهدف المشروع الجديد الطلاب المنتمين للفئات الأشد فقرا، لمنع المزيد من خسائر التعلم بينهم، ولضمان التعليم لجميع الأطفال العراقيين.

اقرأ/ي أيضا: 65 جامعة عراقية تدخل التصنيف العالمي

استثمار التعليم في العراق

المدير الإقليمي لدائرة المشرق بـ”البنك الدولي” ساروج كومار جاه، قال إن “تعزيز التعلم والإنتاجية لهذا الجيل والأجيال القادمة في العراق، ومن ثم تأمين الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي تنجم عنه، يتطلب استثمارات في المهارات الأساسية للطلاب من الفئات الأكثر احتياجا”.

وبحسب البيان، أشار كومار جاه إلى أن “المشروع الجديد يساعد العراق على تحسين نواتج تعلم القراءة والرياضيات لأكثر من 300 ألف طالب وطالبة، وتحسين ممارسات التدريس لأكثر من 4000 مدرس ومدرسة لمادتي الرياضيات واللغة العربية في محافظات العراق الثلاث الأشد فقرا”.

وستنفذ وزارة التربية العراقية المشروع الجديد بالتعاون الوثيق مع وزارتي التخطيط والمالية على مدى عامين، وفقا لكومار، لافتا إلى أن “النتائج التي ستظهر في إطار تنفيذ هذا المشروع سيتم الاستفادة منها على نطاق وطني أوسع، وتوجيه الإصلاحات اللازمة للارتقاء بمستوى جودة التعليم وملاءمته في العراق.

لكن المشكلة لا تتعلق بمن ينفذ المشروع، كما يرى قحطان الياس، وهو أستاذ جامعي متقاعد، ويقول لموقع “الحل نت”، إن “القضية تتعلق بالبيئة بشكلها العام، إذ لا يمكن النهوض بواقع التعليم إذا ما لم يكون هناك مشروع إصلاحيا عام للبلاد، وهنا أود الإشارة بشكل خاص للمنظومة السياسية”.

ويضيف أنه “عادة ما، وإذا ذهبنا وأجرينا تقييما للبلدان التي تعاني من واقع سياسي غير مستقر دائما ما تجدها متأخرة في مجالات الحياة كافة، على اعتبار أن الاستقرار السياسي ونظام الحكم المستقر لا توجد أمامه خيارات للانشغال عن تطوير ومتابعة قطاعات الدولة بمجملها، وإذا ما تخلف عن ذلك ستجد الشعب يلاحقه، وهذا أيضا من باب أن حتى الشعب سيكون متفرغا لمتابعة سير عمل نظامه الحاكم، لا أن يكون منشغلا بمشاكله كما في البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي”.

يمثل النظام السياسي والحكومات في بلدان العالم، مظلة لباقي قطاعات ومؤسسات الدولة، وعندما تهترئ هذه المظلة ستجد البلد عاريا، ومجردا من كل شيء، أسسه وقيمه وتعليمه كما العراق، وانهيار التعليم هو الكارثة الأعظم، بحسب الياس.

انهيار التعليم في العراق

ولفت إلى أنه “منذ 2003 تاريخ انهيار كل شيء في العراق، وحتى الآن إذا ما لاحظنا سنجد، آلاف المبادرات الدولية والإقليمية التي وجهت للعراق وبكافة المجالات، إلا أن العراق بقي متأخرا ويوما على يوم يتراجع أكثر، ولم تسعفه المنظمات ولا الأموال، ببساطة لأن ما يجري في هذا البلد من صراع دولي وإقليمي وداخلي، أكبر من أن يكون لباقي المجالات أثرا أو فسحة للتطور، وهذا كله من جانب”.

ومن جانب آخر، فإنه حتى إذا ما كانت هناك فرصة للنهوض بالواقع التعليمي العراقي، فالأمر لا يتعلق بالأموال بقدر ما يتعلق بإعادة بناء المنظومة التعليمية ورسم قيمها وأسسها، كما يعتقد الياس، ويشير إلى أن، العراق بلد غني وعلى أقل تقدير فهو في الوقت الحالي وعلى مدى المستقبل القريب، يمتلك ثروة مالية كبيرة، بالتالي هذا يعني أن النهوض بالتعليم ليس بحاجة إلى أموال، بقدر حاجته إلى إعادة تأهيل بدأ من أخلاقيات الاستاذ وإلى الطالب، وصولا إلى إعادة النظر بالمناهج والبنى التحتية، وإطلاق يد المعلم والأستاذ، وإبعاد ضغوطات المجتمع عنهم.

وأردف، أن “الحديث عن العملية التعليمية في بلاد مثل العراق، يعني أنها لا تقتصر على الجانب العلمي، ولذلك أشرت أعلاه إلى المناهج، بمعنى إننا نحتاج لوقفة جادة أمام مجالات علم النفس ومكافحة التطرف، والتهيئة الفكرية للطلاب، وهذا ما يجب أن يتضمنه المنهاج، لتجاوز سنوات من الاحتقان الطائفي، وبناء جيل يمتلك مصدات فكرية ناضجة تحميه مستقبليا، وتمكنه من الإبداع”.

ويواجه المجتمع العراقي تدهورا في الاقتصاد والتهديدات الأمنية ونزوحا بالملايين، إضافة إلى الفساد والبطالة والعنف والإرهاب، وكل هذه العوامل أثرت على العديد من أفراد المجتمع وتسببت بالكثير من المشاكل، منها تزايد نسبة الأمية في البلاد، فبحسب الإحصائيات الرسمية تصل نسبة أمية الكبار في العراق إلى حوالي 50 بالمئة منذ العام 2018.

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء، فإن نسبة الأمية في العراق بين السكان الذين تزيد أعمارهم عن 10 سنوات، بلغت 13 بالمئة، وترتفع النسبة بين الإناث ممن تزيد أعمارهن عن 10 سنوات، لتصل إلى 18 بالمئة، فيما تنخفض بين الذكور إلى 8 بالمئة.

اقرأ/ي أيضا: الاعتداءات على معلمي العراق: هل يجب معاملة الطلاب وفق قانون مكافحة الإرهاب؟

استشراء الأمية

فيما أعلن عضو نقابة المعلمين ناصر الكعبي، في تصريح صحفي بوقت سابق، إن الأمم المتحدة أبلغتهم بوجود 12 مليون شخص أمي في العراق، في حين أن، هذا الرقم يتجاوز ضعف الرقم السابق الذي أعلنت عنه وزارة التربية في 2020، والمقدر بنحو 5 ملايين شخص.

بالمقابل، كان العراق يعتبر أول دولة في منطقة الشرق الأوسط استطاعت القضاء على الأمية بشكل تام في فترة الثمانينات، استنادا للتقارير الصادرة عن منظمة “اليونسكو”.

والعام الماضي، حذر “البنك الدولي” من أزمة تواجه العراق تتعلق برأس المال البشري، تغذيها أزمة التعليم، حيث يؤكد أن الطفل المولود في العراق اليوم سيصل في المتوسط، إلى 41 بالمائة فقط من إنتاجيته المحتملة عندما يكبر، فلن يتوقع للطفل العراقي ان يحقق أكثر من 4 سنوات فقط من التعلم عند وصوله عمر 18.

وبهذا يتمتع العراق بواحد من أدنى مؤشرات رأس المال البشري في المنطقة، يعزو “البنك” أسباب انخفاض مستويات رأس المال البشري إلى السنوات الطويلة من الصراع الدموي، وغياب الإصلاحات، ومحدودية الفرص المتاحة للشباب، والاضطرابات الاجتماعية، والفساد الإداري.

وبحسب تقرير “البنك الدولي”، فإن “العراق ينفق 10 بالمئة، أقل لميزانيته العامة على التعليم الأولي والعالي، مقارنة بمتوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

اقرأ/ي أيضا: إيران تتغلغل في قطاع التعليم السوري.. توسّع التنافس الروسي الإيراني؟


أرقام صادمة


وتمثل رواتب المدرسين والموظفين حصة عالية نسبيا من الإنفاق على التعليم العام – 93 بالمئة، بينما يتم تخصيص 1 بالمئة فقط من ميزانية الاستثمار في العراق لقطاع التعليم.


ووفقا للتقرير، فإن الأرقام تظهر نقصا كبيرا في معدلات الالتحاق ما قبل الابتدائي والثانوي، حيث يلتحق 11 بالمئة فقط من الأطفال بعمر 5 سنوات.، وفي التعليم الثانوي، تتراوح معدلات الالتحاق بين 58 و 33 بالمئة في التعليم الثانوي والاعدادي، على التوالي.


في حين يؤكد التقرير أن، النقص في البنية التحتية التعليمية يؤثر بشكل كبير على قدرة تقديم خدمات تعليمية عالية الجودة، حيث يبلغ متوسط عدد الطلاب في المدرسة الواحدة بما يقارب 400 طالب مع مشاركة عدد من المدارس في بنايات ومرافق واحدة.


كما أشار إلى أن نحو 2.1 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 6 و 17 عاما خارج المدرسة في العراق، نصفهم تقريبا في الفئة العمرية للمدارس الثانوية، ناهيك عن تأثيرات المناهج ومحدودية التطوير التي تؤثر كلها على مستوى التعليم.

وعلى الرغم من التحسينات في السنوات الأخيرة، فإن معدلات المشاركة التعليمية المنخفضة نسبيا في العراق، تعني بقاء أكثر من مليوني طفل ومراهق خارج المدرسة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.