عاد ملف ملء فراغ الانسحاب الروسي من سوريا عبر الميليشيات الإيرانية إلى الواجهة، بعد تصريحات رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، وحيد جلال زاده، والذي ادعى أن إيران أو الموالون لحكومة دمشق لم ينتشروا بعد أن انسحبت القوات الروسية من قواعدها، معتبرا أن التقارير التي تتحدث عن استبدال إيران بروسيا في سوريا “كاذبة”، وفق زعمه.

دلالات هذا التصريح، الذي يتشابه مع تصريحات إيرانية سابقة نفت عدة تطورات جرت على الأرض السورية رغم حدوثها فعليا، كان أبرزها تواجد قوات وميليشيات تتبع للنفوذ الإيراني، وهو أمر ادعت كذبا إيران في السابق عدم حصوله، هو احتمالية لتوسع النفوذ الإيراني على حساب الروس، لاسيما بعد الاعتراف الإيراني الأخير بوجود انسحابات روسية، فهل يكون هناك مستوى مرتفع من مواجهة خطر تمدد النفوذ الإيراني من قبل الدول الإقليمية والعربية.

نسف للحل السياسي

التصريحات الرسمية الإيرانية، ورغم عدم الانسحاب الكلي للقوات الروسية من سوريا، جاءت وفقا للباحث في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان، لتنفي التوسع الكبير الذي تتهم به في سوريا، في الوقت الذي تحتاج فيه دمشق إلى بعض المساندة الاقتصادية، ولذلك استغلت طهران هذا الموقف لتظهر أن سوريا ليست جادة في المسارات السياسية أو حتى في مسار “خطوة مقابل خطوة” والتفاعل مع مبادرات الدول العربية.

ويشير علوان، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن تصريح زاده لإبعاد الشبهات عن طهران باستغلالها فرصة المعارك الروسية في أوكرانيا، وتحقيق الانتشار الكبير في سوريا، في ظل أن دمشق تعتمد على ازدواجية القوات الروسية الإيرانية في سوريا، تحاول دائما خلق التوازن بين الجهتين، وضمن تفاعلاته الداخلية الأمنية والخارجية السياسية.

وأكد علوان، أن إعادة التموضع الروسي، اقتضت انسحاب القوات الروسية من 16 موقع في وسط تدمر، ومطار حماة العسكري، ومن مستودعات مهين في حمص، ومطار النيرب العسكري، وكذلك من مواقع في دمشق وريف دمشق وفي درعا.

وأوضح الباحث السوري، أن القوات الروسية نسقت الانسحاب مع المجموعات الإيرانية وأبرزها “الحرس الثوري” الإيراني، لتحل مكان القوات الروسية في المواقع المذكورة، كما عززت القوات الإيرانية وجودها في القواعد المشتركة بين الطرفين والتي انسحب منها الروس.

عزل قادم لدمشق

على مدى السنوات السبع الماضية، عملت روسيا كقوة موازنة بين الأطراف التي تدعم دمشق من جهة، والمعارضة لها من جهة أخرى، فبحسب الصحفي الأفغاني، والمهتم بالشؤون الإيرانية، علي أخلاقي، منعت موسكو إيران من تعزيز وجودها العسكري بالطريقة التي خططت لها، ومع ذلك، يعتقد الآن أنه تم نقل القواعد الروسية المتروكة إلى “الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله”، حيث تخطط طهران لإرسال المزيد من القوات إلى سوريا.

ويضيف أخلاقي، “عندما ننظر إلى مسار العلاقات الإيرانية الروسية في السنوات الأخيرة، نرى أنه كان مسارا تنافسيا، حيث غالبا ما يكافح الجانبان من أجل السيطرة التكتيكية في بعض المناطق، ويختلفان حول إعادة إعمار سوريا بعد الحرب، فضلا عن العديد من السياسات الاقتصادية والسياسية والعسكرية”.

بيد أن هذه البلدان كانت لديها القدرة على تنسيق أنشطتها العسكرية والسياسية عند الاقتضاء، ولأن إيران كانت واحدة من الدول القليلة التي أبدت دعمها وتضامنها مع روسيا أثناء الصراع في أوكرانيا، فقد تكون روسيا ميالة إلى تسليم السيطرة التكتيكية على القتال في مناطق معينة إلى “الحرس الثوري” والميليشيات  الموالية لإيران.

وأوضح أخلاقي، أنه لا ترتبط إمكانية التوسع العسكري الإيراني في سوريا بهدف طهران وحسب، بل أيضا بتصميم دمشق على إبقاء السيطرة على المناطق المتنازع عليها ومواصلة محاربة المعارضة التي ستعتمد أكثر على إيران وميليشياتها، وهذا سيؤدي حتما إلى عزل دمشق من قبل الدول العربية والإقليمية التي ترى في توسع طهران استهدافا لمصالحها.

الجدير ذكره، أنه في أوائل نيسان/أبريل الفائت، قالت لونا الشبل، وهي المستشارة الإعلامية للرئيس السوري، بشار الأسد، “إن الدعم والخبرة التي يتمتع بها الجنود الإيرانيون موضع ترحيب”، مشيرة إلى احتمال زيادة النفوذ الإيراني في سوريا. ثم أعقب ذلك زيارة بشار الأسد إلى إيران في 8 أيار/مايو 2022، والتي لم تؤد سوى إلى ترسيخ هذا الاتجاه، لا سيما عندما حصل على أوسمة من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وتعهد بتعاون أوثق من السابق.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، عززت إيران وجودها – عبر ميليشياتها – في أكثر من 120 منشأة عسكرية ومقر قيادة في البادية السورية، حيث كان بين التعزيزات 4500 جندي وأنظمة صواريخ وأسلحة وطائرات بدون طيار ومعدات اتصال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة