أثار هدم حكومة دمشق للأبنية، في المناطق التي استعادت السيطرة عليها من قوات المعارضة، كثيرا من علامات الاستفهام حول دوافع هذه الخطوة، وحقوق السوريين في مساكنهم وملكياتهم وأراضيهم، في الفترة التي تستعد فيها أطراف عدة للبدء بعملية إعادة الإعمار.

ويؤكد كثير من أهالي المناطق المستهدفة أن عددا كبيرا من المنازل المراد هدمها ليست آيلة للسقوط كما تدّعي حكومة دمشق، وملكيتها تعود غالبا لمعارضين معروفين للأجهزة الأمنية، ما يجعل عمليات الهدم أقرب لعمليات انتقامية منظمة ضد مناطق سورية متعددة.

ويشير مصدر أهلي من مدينة داريا لـ”الحل نت” إلى أن “بلدية المدينة شرعت بنشر إنذارات هدم إلكترونية على صفحتها الرسمية على فيسبوك، دون تبليغ أصحاب المباني بالبدء بعمليات الهدم”.

وتعاني مدينة داريا، مثل معظم المناطق التي كانت تحت إدارة قوات المعارضة، من أضرار بالغة، طالت أبنيتها ومحالها التجارية، نتيجة حملات القصف العشوائية خلال السنوات السابقة. وهي من أكثر المناطق التي تتعرض لظاهرة هدم حكومة دمشق للأبنية.

ويوضح المصدر أن “معظم الأبنية الطابقية داخل المدينة تعرضت للدمار الكامل أو الجزئي، وتعد عشرات الأبنية مؤهلة للسقوط في أي وقت، وهذا ما حدث قبل أسابيع، حين انهار أحد المباني أثناء عمليات ترميمه، مخلفا عددا من القتلى”.

وفي حلب، بدأ مجلس المدينة، لأول مرة، بهدم مباني في أحياء حلب الغربية، يقول إنها “مخالفة أو آيلة للسقوط”. ويبدو أن الحملة تستهدف عقارات يملكها غائبون، معظمهم مُهجّرون قسريا إلى مناطق المعارضة خارج مدينة حلب. بحسب موقع “سيريا ريبورت”.

ويؤكد الموقع أن “مجلس مدينة حلب يرفض إعطاء رخص ترميم للأبنية المتضررة في تلك الأحياء، ما دفع بعض أصحابها إلى ترميمها من دون ترخيص، الأمر الذي اعتبره المجلس مخالفات بناء”.

ويشير الموقع إلى أن “عمليات الهدم والإزالة لم تستهدف فقط الأبنية المخالفة والآيلة للسقوط، بل طالت أيضا أبنية متضررة من المعارك، ولكنها غير مهددة بالسقوط. ويملك تلك الأبنية مُهجّرون عن المنطقة، محسوبون على المعارضة، وغالبيتهم من ريف حلب الغربي”.

ونقل الموقع عن مصادر أهلية أن” الجزء الأكبر من عمليات الهدم لم يكن بسبب الحرص على السلامة الإنشائية، بقدر ما مثّل إجراءات انتقامية ضد أصحاب تلك الأبنية، بسبب موقفهم السياسي”

“هدم حكومة دمشق للمباني هو الخطوة الثانية بعد التعفيش”

الباحث الاقتصادي خالد التركاوي يرى أن “هدم حكومة دمشق للأبنية عملية ممنهجة لتطويع البلاد تحت إمرة السلطات السورية، فهي تريد مواطنين مطيعين، وإلا فلا حاجة لها بهم”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “حكومة دمشق تغاضت عن عمليات التعفيش وسرقة الممتلكات، التي جرت طوال السنوات السابقة، لتكون الخطوة التالية إصدار القانون رقم 10، بهدف تشريع عمليات الهدم والاستيلاء على الممتلكات. إذ يقضي القانون سيء الصيت بالسماح بإنشاء مناطق تنظيمية في جميع أنحاء سوريا، كما يخول الحكومة وضع يدها على ممتلكات السوريين في الخارج، بعد أن تم إبلاغهم بضرورة إثبات ملكيتهم خلال ثلاثين يوما من صدور المرسوم الخاص بمنطقتهم. وفي حال عدم قيامهم بذلك، لن يتم تعويضهم، وستعود ملكية العقار إلى البلدة أو الناحية أو المدينة، التي يقع فيها العقار”.

 ويبيّن التركاوي أن “حكومة دمشق، وطيلة السنوات الماضية أيضا، دأبت على إصدار قرارات الاستملاك، ومصادرة وتجميد الأموال، التي طالت آلاف المواطنين”. مشيرا إلى أن “أخطر مسألة، تم التغاضي عنها، أن عمليات التشبيح والتعفيش، التي سبقت عمليات الهدم، طالت كل شيء تقريبا داخل وخارج عقارات ومتاجر السوريين، مثل كابلات الكهرباء، الحنفيات، منجور الألمنيوم والخشب. وكذلك تم هدم الأسقف من أجل استخراج الحديد، كما في حالة حمص وقرى حماة وبعض قرى حلب، وبالتالي فإن هدم حكومة دمشق للأبنية يأتي خطوة مكملة لعمليات التشبيح والتعفيش”.

ويؤكد الباحث الاقتصادي أن “عمليات تمويل مجموعات الشبيحة كانت تعتمد على استغلال كل ما يمكن استغلاله في الأحياء والمدن والبلدات التي تسيطر عليها حكومة دمشق”.

لجان السلامة العامة وتدخلات الأجهزة الأمنية

يعتمد هدم حكومة دمشق للمباني على التقارير الهندسية، التي تصدرها لجان السلامة العامة، لتحديد المخاطر على السلامة الإنشائية للأبنية، خاصة في المناطق المتضررة من العمليات القتالية. وتأمين هذه التقارير يعد شرطا أساسيا للنازحين الراغبين بالعودة إلى بيوتهم.

ويؤكد تقرير لموقع “سيريا ريبورت”، حول لجان السلامة العامة، “غياب أي تعريف واضح لتلك اللجان، وعدم وجود توصيف موحد واضح لمهامها وطبيعة عملها. كما أن شكوكا تحوم حول حيادية عملها، وسط اتهامات من المعارضة لها بالخضوع لتدخلات الأجهزة الأمنية”.

ويوضح التقرير أن “لجان السلامة العامة لها عدة أنواع، بعضها تسمى لجانا هندسية، وتعتبر مسؤولة عن إصدار التقارير حول السلامة الإنشائية للأبنية، أو نسب الدمار في منطقة ما؛ وأحيانا تسمى باللجان الفنية، أو لجان الترابط الانشائي، أو لجان الانشاء والتعمير، أو لجان تقييم المباني المتضررة. وسبب تعدد الأسماء يعود إلى عدم وجود معايير موحدة لتسمية اللجان، ولا لتوصيف مهامها. ودائما ما يتسبب ذلك بالخلط فيما بينها”.

كما أن لتقارير لجان السلامة العامة دورا كبيرا في تحديد المصير العمراني لمناطق محددة. واعتمادا على تقارير هذه اللجان يمكن للوحدة الإدارية أن تقرر إغلاق المنطقة وهدمها بالكامل، والعمل على إصدار مخطط تنظيمي جديد لها. وبالتالي فهذه اللجان هي الأداة الأساسية لهدم حكومة دمشق للأبنية.

الفساد وهدم الأبنية

عمار عز الدين، مدير مكتب هاتاي في رابطة المحامين السوريين، يُعرّف البناء الصالح للسكن بـ”البناء غير المعرض للانهيار، ولا يشكل خطرا على شاغليه. أما البناء غير الصالح للسكن فهو بناء مهدد بالانهيار، بسبب تعرضه للقصف، وتضرر جزء منه. ولا يجوز السماح بالسكن فيه مطلقا، ويجب إخلاء ساكنيه في حال كان مأهولا”.

ويضيف، خلال حديثه، لـ”الحل نت” أن “مسألة تحديد هذا الوصف تقع على عاتق مجلس المدينة، بعد تشكيل لجان هندسية مهمتها الكشف على المباني المهددة، ومن ثم إقرار إن كانت صالحة للسكن أم لا، بموجب تقرير كتابي، يرفع لمجلس المدينة، ضمن اختبارات هندسية معينة لكل بناء على حدة، تبين مدى قابلية هذا البناء للترميم، وهل توجد خطورة بعد ترميمه من تعرضه الانهيار”.

ووفقا لعز الدين “تقع المسؤولية القانونية بكل الأحوال على مجلس المدينة، فيجب عدم السماح لشاغلي الأبنية بالعودة إليها، إلا بعد تحقيق الشروط المطلوبة المذكورة آنفا. ولكن في ظل الفساد المستشري داخل حكومة دمشق، والرشاوى، وتحكّم الأجهزة الأمنية بكامل عمل مؤسسات الدولة، وسيطرة ما يسمى ميليشيات الدفاع الوطني و الشبيحة على كثير من الأحياء، فإن معايير العودة للمباني تقتصر على دفع مالكيها أو شاغليها رشاوى للجان المسؤولة، دون تنفيذ الشروط الفنية المطلوبة للتأكد من سلامة البناء. ما تسبب بانهيار عدد من الأبنية، ومقتل مدنيين، أغلبهم من النساء والأطفال”.

مقالات قد تهمك: سوريا وكوريا الشمالية: ما الدور الذي تلعبه بيونغ يانغ في الحرب السورية وإعادة الإعمار؟

“هدم حكومة دمشق للأبنية نوع من الهندسة الديمغرافية”

وحول أهداف هدم حكومة دمشق للمنازل يرى عز الدين أنها “تسعى لتحقيق هدفين، أولهما معاقبة السوريين، الذين ثاروا ضد حكمها، والقضاء على حلمهم بالعودة لوطنهم؛ وثانيهما تمويل ميليشيات الشبيحة. إذ تسعى السلطات الأمنية للحصول على منافع مادية من عمليات الهدم، بعدما فرغت من نهب الأموال المنقولة للسوريين. فعقب توقف عجلة الحرب، لم تعد توجد مناطق جديدة تسيطر عليها حكومة دمشق، لذلك فإن الاستفادة من عقارات المهجرين أسلوب ملائم لها لتمويل الميليشيات الموالية لها، لضمان استمرار ولائها، خاصة في ظل عجز حكومة دمشق عن تحمل تكاليفها المادية”.

أما عن مستقبل حقوق الملكية، بالنسبة للعقارات المهدمة التي تخص المعارضين، على اعتبار أن الوضع الأمني لا يسمح لهم بالحضور شخصيا لمتابعة هذه القضية، يؤكد عز الدين أن “القوانين التي صدرت منذ العام 2012، تجعل المستقبل غامضا، وتقع على عاتق حكومة دمشق، وفق القانون، مسؤولية الحفاظ على ممتلكات مواطنيها، المقيمين في سوريا وخارجها، سواء كانت هذه العقارات سليمة، أو تضررت بشكل كلي، أو تعرضت للهدم بسبب الحرب”.

ويشير، في ختام حديثه، إلى أن “القانون رقم 3 للعام 2018، والذي يتضمن إزالة الأنقاض، يعد تمهيدا للاستيلاء على أملاك المهجرين؛ بينما يمكن اعتبار القانون رقم 10 للعام 2018 نمطا من الهندسة الديمغرافية، يتيح هدم حكومة دمشق للأبنية بحرية، وإعادة تنظيم البلدات والأحياء وسكانها، وفقا لأولوياتها”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.