مع رفع القيود والإجراءات الخاصة بفيروس “كورونا” تدريجيا، عادت أشكال الحياة إلى سوريا، ولا سيما تلك الأماكن التي كانت محظورة على السكان ارتيادها بسبب التجمعات، كالسينما والمقاهي، وصالات الأوبرا، فحتى مدارس الرقص في دمشق، عاد طلابها إلى الفصل بحثا عن فترة راحة قصيرة تنسيهم ضغوط الحياة.

لا وجود للأزمات داخل الفصل

 على خلفية موسيقى “السالسا”، يقوم عدنان محمد، بتدريس الرقص اللاتيني لمدة ساعة في الأسبوع في استوديو بدمشق، لمساعدة طلابه على الأقل لفترة وجيزة على نسيان المشاكل التي تعصف بهم، سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية.

بالنسبة للشباب والشابات السوريين الذين يأتون إلى فصله، وبحسب التقرير الذي نشرته وكالة “أي بي” اليوم الثلاثاء، فإن الرقص في القاعة هو شكل من أشكال التحرر، حيث يجدون أنفسهم وراحتهم في الموسيقى بعيدا عن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية العديدة في بلادهم.

ويقول محمد، 42 سنة، “إنهم يأتون بشخصية ويخرجون بأخرى تماما، فخلال تلك الساعة، يدعون الحرب التي دامت 11 عاما في سوريا بعيدا عن أذهانهم، والسياسة، والقلق بشأن الأزمة الاقتصادية، وانخفاض قيمة العملة في البلاد باستمرار”.

وأضاف محمد، إن الطلاب الذين يترددون إلى مدرسة الرقص، يضعون الطاقة السلبية جانبا، ويبدأون بالتفاؤل، مضيفا “أعتقد أننا نمنحهم الطاقة للبقاء في البلاد، الآن هناك سبب لبقائهم”.

ساعة للتنفس

على مدى السنوات العديدة الماضية، هدأت خطوط الصراع إلى حدّ كبير، ولكن الحرب ألحقت دمارا كبيرا في البلاد، ولكن الصدمة الكبرى بحسب مدرب الرقص، كانت عندما أغلقت جائحة فيروس “كورونا” كل شيء، حتى الاستوديو الخاص به، الذي افتتحه منذ 15 عام.

يارا زارين، مهندسة تعمل أيضا كمعلمة في مدرسة “ناتشين للرقص” الواقعة في حي الشعلان بدمشق، قالت للوكالة،  “الناس مرهقون في الوقت الحاضر، ويمكننا أن نشعر بالكثير من الإحباط”، مبينة أن هدف المدرسة ليس فصل طلابها عن الواقع ولكن توفير مساحة لمدة ساعة أو ساعتين، حيث يمكن للطلاب أن يكونوا على طبيعتهم.

وبحسب التقرير، فإن مدارس الرقص لا تقدم دروسا خلال الأسبوع فقط، ولكن أيضا حفلات الرقص، حيث عادت الحفلات والعروض الصغيرة إلى البلاد مؤخرا، ولا سيما في دمشق.

وبحسب محمد أيضاَ، فقد تمّ في الشهر الماضي تنظيم حفلة راقصة “تكنو” في مصنع مهجور للإسمنت خارج دمشق، حيث كانت واحدة من أكبر الأحداث المقامة خلال السنوات السابقة، وقد جذبت مئات الشباب.

كانت مدارس رقص الصالات تحظى بشعبية كبيرة قبل عام 2011 بين بعض شرائح المجتمع السوري، حيث وصف الطالب عمار مسعود، دروس الرقص بأنها “نسمة حياة”.

وتابع “في بعض الأحيان، ينتهي بي الأمر بالتغيّب عن الفصول الدراسية لأنني يجب أن أعمل، لكني ما زلت أحاول قدر المستطاع المجيء إلى المدرسة، وبالنسبة لصديقته مايا، فإن الرقص هو مخرج من الضغوط والصعوبات التي تواجهها.

الحياة في سوريا ما زالت قاسية

لم تشهد أحياء كثيرة في العاصمة السورية دمشق أضرارا كبيرة نسبيا خلال السنوات السابقة، لكن شح الوقود والكهرباء وارتفاع الأسعار والافتقار إلى فرص العمل جعلتْ حياة سكانها بعيدة كل البعد عما كانت عليه قبل عام 2011.

كمتنفس للعوائل، كانت العديد من العائلات السورية تنتظر العطلة الأسبوعية بفارغ الصبر للخروج إلى البساتين المحيطة بدمشق، وتجتمع العائلات والجيران حول إعداد الأطعمة المشوية على اختلاف أنواعها، لكن “السيران” كما يسميه السوريون، بات رفاهية لا يقدر عليها إلا القليل الآن.

فعلى الرغم من الأمان النسبي في العاصمة دمشق، إلا أن المعاناة مستمرة، وتكاد تتضح في طوابير السيارات الطويلة أمام محطات الوقود، وطوابير المواطنين الذين ينتظرون دورهم لملء العبوات لتزويد المولدات الكهربائية بالبنزين.

أما اللحوم التي كانت في مرحلة سابقة مكونا أساسيا على موائد الكثير من السوريين، فقد تحولت إلى سلعة رفاهية بالنسبة لمعظمهم وسط ارتفاع جنوني للأسعار وازدهار السوق السوداء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.