القضية اليومية بين السوريين هي سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، لأن العملة المحلية غير مستقرة منذ عشر سنوات، لكن ما يثير التساؤل هو وجود لجنة لإدارة سعر الصرف موازية لمجلس النقد والتسليف، وظيفتها ضبط سعر صرف الليرة مقابل الدولار، علما أن غالبية أعضائها ينتمون إلى قطاع الأعمال، وليس لديهم ما يكفي من النشاط الاقتصادي المنتج لإحداث فرق في هيكل الإنتاج، فما قصة لوبي الدولار في سوريا؟

خفض الدولار بشعارات تعبوية

مع الانخفاض الذي شهدته الليرة السورية مقابل الدولار خلال الأيام القليلة الماضية، حيث وصل سعرها لـ4010 ليرة مقابل الدولار الواحد، كان الجانب الأكثر غرابة في هذا الأمر، اعتقال أقوى لاعب في لجنة إدارة سعر صرف الدولار في سوريا، دون توضيح.

في تقرير نشرته صحيفة “صاحبة الجلالة” المحلية، اليوم الثلاثاء، ذكر أن سبب اعتقاله دون توضيح اسمه، جاء بسبب خلافات مع أقرانه من رجال الأعمال، حول إقامة بعض الأنشطة الاقتصادية التي لا تتجاوز سياق الدعاية، مشيرا إلى أن عمل هذه اللجنة لا يخرج عن هذا السياق كثيرا.

واستدل التقرير على ذلك، بأنه “كلما شهد سعر صرف الليرة تذبذبات، سرعان ما يصرح أحد أعضاء اللجنة بأن الدولار إلى نزول، فتشتعل وسائل التواصل مساندة له، كما حصل منذ أشهر عدة عندما تخطى السعر حاجز الـ3500 واستمر بالصعود إلى ما هو عليه حاليا”.

وادّعت الصحيفة، أن عدم اعتماد اللجنة سياسة واضحة المعالم أو رؤية محددة تشتمل على أهداف تكتيكية وإستراتيجية، يبين أن الأمر من وجهة نظر اللجنة يحل بشعارات تعبوية ليس إلا، أو أن الاقتصاد الوطني يدار عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

من جانبه، اعتبر المصرفي عامر شهدا، أن ارتفاع أسعار السلع والمنتجات في السوق مقابل تراجع القدرة الشرائية، دليل واضح على فشل عمل اللجنة التي لم تتمكن من تحديد سعر الصرف في السوق الموازية.

وفي السياق نفسه، قال شهدا، إنه “تحت إشراف مجلس النقد والتسليف، هناك لجنة تسعير رسمية مكلفة بإعداد الدراسات التي تحدد سعر الصرف الرسمي”، وعليه يبقى السؤال، لماذا لم تنجح هذه اللجان بتثبيت سعر صرف الدولار في سوريا؟

إجراءات غير منطقية

جميع التدابير والإجراءات المتخذة سابقا للسيطرة على سعر صرف الدولار في سوريا، كانت بنظر الخبراء إدارية وليست اقتصادية، لأنها استنفدت القدرة على مقاومة قوة السعر، والنتيجة هي قفزة غير عادية في سعر الصرف، حيث تستقر الليرة لفترة وعندما تصطدم بحاجز معين، تقفز لحاجز أكبر.

ومن بين هذه الإجراءات الإدارية، وفقا لما ورد في التقرير، ملاحقة الصيارفة في السوق السوداء الذين تفطنوا تماما للعبة “القط والفأر” في هذا المجال، حيث يعرفون بالضبط متى يديرون أعمالهم وكيف يتعاملون مع السوق السوداء بالطرق التقليدية.

كما ذهبت اللجنة في إجراءاتها غير المنطقية، إلى ضبط السيولة لدى المصارف عبر فرض سقف يومي للسحب، الذي كان له تأثيرا سلبيا على الاقتصاد المحلي أكثر من آثاره الإيجابية على تحسين سعر صرف الدولار في سوريا، الذي لم يكن إلا ضمن حدود ضيقة جدا.

إذ تسبب ذلك، بتعطيل الحركة التجارية بشكل كبير وانحسار البنية الإنتاجية، بسبب قلة السيولة النقدية الكافية في كثير من الظروف من جهة، وانعدام ثقة أصحاب العمليات الاقتصادية، في التعامل مع شيكات أو تحويلات بين حسابات بنكية من ناحية أخرى.

الليرة لن تتماسك

خلال الأسبوع الفائت، وبعد أن رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للصناديق الفيدرالية بمقدار 75 نقطة أساس دفعة واحدة، شهد العالم أعلى ارتفاع في أسعار الفائدة خلال 28 عاما، حيث استقرت أسعار الفائدة في حدود 1.50 بالمئة إلى 1.75 بالمئة بعد هذا الارتفاع، مع توقع زيادات بمتوسط 50 نقطة أساس لبقية اجتماعات هذا العام، وهو ما أدى إلى تدهور العملات في الدول النامية ومن بينها الليرة السورية.

سعر صرف الدولار ارتفع مقابل الليرة في سوريا خلال التداولات في السوق السوداء اليوم الثلاثاء، عقب قرار مصرف سوريا المركزي بتثبيت تخفيض سعر الليرة رسميا إلى 2814 أمام الدولار الأميركي، في وقت تتعرض فيه الليرة السورية لضغوط متزايدة منذ شباط/فبراير 2022 بعد غزو روسيا لأوكرانيا، إذ ترتبط دمشق بعلاقات اقتصادية وثيقة مع موسكو.

وفي مدينتي دمشق وحلب، وصل سعر الدولار الأميركي أمام الليرة السورية إلى 3980 ليرة سورية، وسعر البيع إلى 4010 ليرة، كذلك وصل سعر صرف الدولار أمام الليرة في مدينة إدلب إلى 3935 ليرة للشراء، و3975 ليرة سورية للبيع.

ووصل سعر صرف اليورو مقابل الليرة السورية، للشراء إلى 4170 ليرة و4210 ليرات للبيع، كما وصل سعر صرف الريال السعودي مقابل الليرة السورية إلى 1056 ليرة لشراء كل ريال، مقابل 1069 ليرة لبيع كل ريال.

ويبدو أن اللجنة المكلفة بضبط سعر صرف الدولار في سوريا، لا تطلع على حركة البورصات والأسهم والذهب والعملات المختلفة أمام الدولار، والتي كانت صاحبة النصيب الأكبر من التأثيرات، خاصة أن رفع الفائدة يعنى خروج الدولار إلى تجارة الفائدة الرائجة حاليا، كما أن رفع الفائدة يعنى مزيدا من قوة الدولار، والذي سجل مستويات هي الأعلى في 20 عاما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.