تتوارد أنباء حول انسحاب شركات النفط الأجنبية من إقليم كردستان، وأبرزها شركتا “شلمبرجر” و”بيكر هيوز” الأميركيتين، اللتين جاء انسحابهما تحت ضغط من الحكومة العراقية، وتطبيقا لقرار المحكمة الاتحادية، وهي أعلى سلطة قضائية في العراق.

وألزم قرار القضاء العراقي حكومة إقليم كردستان بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في إقليم كردستان، فضلا عن تمكين وزارة النفط العراقية، وديوان الرقابة المالية من مراجعة كافة العقود النفطية المبرمة مع حكومة الإقليم، بخصوص تصدير النفط والغاز وبيعه. الأمر الذي لاقى رفضا من قبل قادة أربيل، وسط توقعات وتكهنات بأن تتخذ شركات نفط أخرى قرارا مماثلا بالانسحاب.

هذه التطورات أثارت تساؤلات عدة في الأوساط الاقتصادية، والشارع العراقي عامة، حول ملف نفط إقليم كردستان، وما إذا كان انسحاب شركات النفط الأجنبية، سيجبر حكومة الإقليم على الخضوع لقرار المحكمة الاتحادية. فيما تتجدد المخاوف من عودة الأزمة الاقتصادية إلى كردستان، وخاصة قضية تأخر صرف رواتب الموظفين، وكذلك التوتر بين بغداد وأربيل.

يأتي هذا بالتزامن مع تصاعد حدة الخلافات بين الأحزاب العراقية والكردية حول تشكيل حكومة عراقية جديدة، واختيار رئيس الجمهورية، إضافة إلى تعرض كردستان مؤخرا إلى قصف تركي، واستهداف متكرر بالطائرات المسيرة، نفذته فصائل موالية لإيران.

نفيٌ واعتراض من حكومة كردستان

المتحدث باسم حكومة الإقليم جوتيارعادل قال في مؤتمر صحفي، بعد اجتماع عقده مجلس وزراء إقليم كردستان، إنه “لغاية الآن لم تنسحب أي شركة نفطية، وجميعها مستمرة في عملها، ولدينا قانون للنفط والغاز ما يزال فعالا”.

وكانت المحكمة الاتحادية العليا العراقية قد أعلنت، في منتصف شباط/فبراير الماضي، عدم دستورية تصدير النفط والغاز من كردستان، وإلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط، من الحقول التي قامت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة كردستان باستخراج النفط منها.

ووصفت حكومة إقليم كردستان القرار بأنه “غير دستوري، واستند إلى قانونٍ يعود لزمن نظام صدام حسين، ولا يمكن القبول به إطلاقا”.

مجلس قضاء إقليم كردستان أكد أيضا أن “المحكمة الاتحادية العراقية ليست لديها صلاحيات إصدار قرار بإلغاء قانون النفط والغاز في الإقليم، الصادر عام 2007، والقانون سيستمر”.

في السياق نفسه، أشار مصدر في الحكومة العراقية إلى أن “وزارة النفط العراقية، أرسلت تهديدا لشركات النفط الأجنبية، العاملة في الإقليم، بأنه سيتم سحب رُخصها من المحافظات الأخرى”.

وبيّن المصدر، في حديثه لموقع “الحل نت”، أنه “تم إبلاغ تلك الشركات بأنه سيتم سحب رُخصها من الحقول النفطية في البصرة وميسان، في حال لم تقم بالانسحاب من إقليم كردستان”.

وأضاف أن “وزارة النفط الاتحادية، هددت برفع شكوى لدى المحاكم الدولية المختصة ضد شركات النفط الأجنبية التي ترفض قرار الانسحاب”.

انتقادات لتعامل حكومة الإقليم مع الشركات الأجنبية

وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار قال إن “إدارة النشاط النفطي بإقليم كردستان غير صحيحة، فقيمة الإيرادات الصافية للإقليم لا تتجاوز خمسين بالمئة من قيمة النفط المباع”.

مشيرا، في بيان صحافي، إلى أنه “لا توجد بالعالم كله دولة لديها عدة سياسات لإدارة الطاقة، وهذا الأمر أثّر على التعامل مع منظمة أوبك”. لافتا إلى أن “قرار المحكمة الاتحادية بشأن نفط كردستان جاء مُفسّرا لمواد الدستور، إذ لا يمكن للمزاج السياسي أن يكون رائدا في الصناعة النفطية، فملف النفط ربحي جدا، ويتأثر بسياسة الدولة الخارجية مع الدول المتعاطية”.

من جهته أكد النائب في البرلمان العراقي محمد إبراهيم أنه “لا يمكن لحكومة إقليم كردستان تحدي قرار القضاء العراقي، والاستمرار بالتصدير والتعامل مع شركات النفط الأجنبية”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “الحل لهذه المشكلة يكمن في تسليم حكومة الإقليم كامل نفطها للحكومة العراقية، وهذا الأمر يضمن استمرار إرسال بغداد للموازنة المالية، ورواتب الموظفين في كردستان”.
وأوضح أن “تحدي القضاء العراقي يخلق أزمة سياسية جديدة بين بغداد وأربيل، ويعيد التوتر، ويعمّق الخلاف بين الطرفين. وفي النهاية ستتعامل المحاكم الدولية، وحتى المنظمات المختصة بالنفط، مع الحكومة العراقية فقط”.

وبدأ إقليم كردستان في بيع نفطه بشكل منفرد، وبمعزل عن الحكومة العراقية، بعد تعرضه إلى أزمة مالية خانقة، نتيجة انهيار أسعار النفط، خلال الأعوام التي تلت اجتياح تنظيم داعش لمناطق غرب وشمال العراق.

وينتج إقليم كردستان العراق ما بين 400 الى 420 ألف برميل نفط في اليوم، يتم تصدير أغلبه عبر شركات النفط الأجنبية، ويبقى 25 ألف برميل للاستهلاك المحلي. فيما يبلغ إنتاج العراق أكثر من خمسة ملايين برميل يوميا.

شركات النفط الأجنبية لن تتحدى القضاء العراقي

عضو حزب العدل الكردستاني ريبوار حمد علّق على انسحاب شركات النفط الأجنبية من إقليم كردستان بالقول: “هذا الإجراء يشير إلى نية الشركات إظهار التزامها بقرار القضاء العراقي، فهي لا تريد أن توقع نفسها في إشكاليات قانونية”.

وأضاف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “كل هذا سينعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية في إقليم كردستان، والحل الأمثل، في هذه المرحلة الحرجة، هو تسليم النفط والغاز لبغداد بشكل كامل، لأن تحدي القضاء والمحكمة الاتحادية لن يكون لصالح الإقليم إطلاقا”.

وزارة الثروات الطبيعية في حكومة كردستان قالت إنها “مستعدة لتسليم إيرادات 250 ألف برميل من الإنتاج اليومي للحكومة العراقية، مقابل ضمان الحقوق المالية للإقليم، لكنها ترفض إخضاع النفط للرغبات السياسية”.

وانتشرت أنباء أن حكومة كردستان، أعلنت إنها تعمل على تأسيس شركتي نفط خاصتين بها، وتقليل الاعتماد على شركات النفط الأجنبية، الأمر الذي أغضب بغداد بشكل كبير، وعدّته مخالفة دستورية وقانونية.

وتقول مصادر عراقية إن “الحزب الديمقراطي الكردستاني اشترط على الإطار التنسيقي، في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية، أن يتم إلغاء قرار المحكمة الاتحادية الخاص بمنع تصدير نفط كردستان”.

وتشير المصادر إلى أن “الإطار التنسيقي، المعني بتشكيل الحكومة حاليا بعد انسحاب التيار الصدري، سيُبدي مرونة في التعامل مع ملف نفط إقليم كردستان، وشركات النفط الأجنبية، لغرض كسب ود الكرد في عملية تشكيل الحكومة العراقية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.