هجرة الزراعيين ومنتجاتهم، هي أحدث موجات الهجرة التي تشهدها سوريا في الوقت الحالي، والتي تزامنت مع موجات هجرة رؤوس الأموال السوريين، والمنشآت الصناعية إلى الخارج التي عادت لتظهر اليوم من جديد، مما يهدد بانخفاض ما تبقى من الإنتاج المحلي، لأسباب لم تجد لها الحكومة حلا على مدى السنوات السابقة، أبرزها أزمة حوامل الطاقة الخانقة، وصعوبات وتعقيدات بيئة العمل المحلية.

مخازن الخضار في الخارج

بسبب التحديات المذكورة آنفا، بدأ الكثير من مصدري الخضروات والفواكه ببناء غرف صناعية للتبريد في بعض البلدان المجاورة لهم، فعندما تحصد المحاصيل الزراعية، تُنقل إلى هذه الغرف حيث يمكن تخزينها قبل تصديرها، أو وضعها في أسواق تلك الدول.

وبحسب ما ذكرته إذاعة “شام إف إم” المحلية، أمس الاثنين، فإن “جزءا كبيرا من القيمة المضافة لعملية تخزين المحاصيل الزراعية وتسويقها، بدأت تخسره البلاد أيضا بفعل السياسات الحكومية، وليس فقط بفعل أزمة حوامل الطاقة”.

سياسة التقنين الجائر للكهرباء، وتحكم السوق السوداء بأسعار المشتقات النفطية، وارتفاع تكاليف نقل البضائع بين المحافظات والمناطق نتيجة للنفقات غير المتوقعة المدفوعة، هي أمثلة على السياسات التي تصر على تجاهل الريف المنتج، والمدن الصناعية لصالح أساليب حياة المستهلك.

وبحسب تقرير الإذاعة، فإنه سيتم الحديث عن المزيد من حالات الهجرة الاقتصادية ما دامت هذه السياسة قائمة في البلاد، دون حلول جذرية من حكومة دمشق.

صعوبة التسويق

رغم أن قطاع الزراعة في سوريا الأكثر ربحية للمستثمر السوري، بالنظر إلى أن الأرض السورية خصبة ومؤهلة للزراعة في العديد من المحافظات السورية، إلا أن هناك خلل في المشاريع الاستثمارية الزراعية المطروحة في سوريا، وهذا الخلل مرتبط بشكل رئيسي بقرارات حكومة دمشق بمنع التصدير، حيث يشكل هذا الأمر العقبة الأكبر، والسبب الأبرز في ضعف الاستثمارات الزراعية وهجرة أصحابها.

فعلى سبيل المثال، بالرغم من أن إنتاج محافظة السويداء هذا الموسم من الخضروات الصيفية “بندورة – كوسا – بطيخ – خيار.. إلخ” وصل إلى 85 ألف طن، إلا أن المزارعين لا يزالون يبحثون عن منفذ تسويقي لإنتاجهم، فمعظمه بحسب تصريح عدد من المزارعين، يذهب إلى جيب التجار والسماسرة، وبأسعار منخفضة لا تساوي تكاليف الإنتاج، بحسب ما أوردته صحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا.

وتابع المزارعون حديثهم، بأن المَنفذ التسويقي الذي كانوا يأملونه وهو “سوق هال” مدينة السويداء، وقد خيّب أملهم نتيجة افتقار السوق لـ “مفتاح” عمله الأساسي وهو القبان. الأمر الذي دفعهم إلى البحث لتقبين منتوجاتهم من الخضار، وهو الذهاب إلى مؤسسة “عمران” أو مستودعات المطاحن، الأمر الذي فرض عليهم أعباء مالية إضافية هم بغنى عنها.

بالإضافة إلى ما ذكر، فإن تجار السوق غير قادرين على شراء جميع منتجات الخضار من المزارعين، الأمر الذي دفع المزارعين إلى نقل خضرواتهم إلى “سوق هال” العاصمة دمشق، مما أدى بهم إلى الوقوع في فخ الاستغلال المادي، بحسب التقرير المحلي السابق.

استثمار خاسر

إن الاستثمار في الزراعة بشكل عام، يشكل المصدر الوحيد للدخل لآلاف الناس في سوريا، رغم تراجعها مقارنة بالسنوات السابقة، خصوصا في مناطق الساحل، والذي يعد أعلى منطقة تحتضن الزراعة المحمية، وفي ظل غياب الرقابة الحكومية، تسيطر الفوضى على أسواق بيع الخضار والفاكهة في سوريا، فالمواد تباع في أسواق الجملة بدون فواتير نظامية، ما يفتح الباب لمزيد من فوضى الأسعار خلال عمليات البيع إلى المستهلكين، وهي أحد أسباب هجرة الفلاحيين.

كما أن بعض الأصناف تصل فروقاتها السعرية بين السوق وخارجه إلى عشرة أضعاف، حيث يحصل التاجر على الصنف بمبلغ 500 ليرة للكيلو ليتم بيعه بسعر خمسة آلاف في الأسواق.

بشكل عام، يشهد السوق السوري ارتفاعا ملحوظا في أسعار الخضار والفواكه والسلع الغذائية وغيرها من المواد المعيشية الأساسية، وهذا السعر المرتفع لا يتناسب مع مستوى رواتب ومداخيل المواطنين بطبيعة الحال، وسط فشل حكومة دمشق في تحقيق وعودها بضبط الأسعار ودعم القطاع الزراعي، وبالتالي زيادة الأعباء على المواطنين والمزارعين معا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.