أثار حديث أبي محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، عن “مشروع كيان سني” كثيرا من الجدل، مثل معظم تصريحات هذه الشخصية الإشكالية، المتحكّمة بمحافظة إدلب، وأجزاء أخرى من شمال غرب سوريا.

ففي تسجيل مصور، نشرته ما يسمى “حكومة الإنقاذ”، الجناح المدني لهيئة تحرير الشام، على صفحتها الرسمية في موقع “فيسبوك”، ظهر الجولاني، مع عدد من مسؤولي تلك “الحكومة”، بمناسبة عيد الضحى.

وبحسب الجولاني “لم يعد المشروع في المناطق المحررة مشروع ثورة ضد الظلم والطغيان فقط، وإنما تحوّل إلى بناء كيان سني، على اعتبار أن أبناء السنة معرضون لخطر وجودي في سوريا، رغم أغلبيتهم وكثرة عددهم، إذ إن نظام الأسد يعمل على تغيير الهوية السنية بهوية أخرى، من خلال تجنيس عدد كبير من الإيرانيين واللبنانيين وغيرهم”.

و أضاف الجولاني، خلال التسجيل المذكور، أن “العسكرة هي السور الذي يحمي المنطقة، ولكن فكرة الثورة ليست عسكرية فحسب. واقتصار الثورة على الجانب العسكري والأمني يعد توصيفا خاطئا. فالهدف هو بناء مجتمع وكيان إسلامي سني، يحافظ على هوية وتراث الشعب، ويتناسب مع طبيعته وتاريخه”.

فما أبعاد هذا التصريح المثير للاستغراب من قائد مرتبط بتنظيم القاعدة؟ وما الذي يعنيه بالضبط بـ”مشروع كيان سني” في سوريا؟

“مشروع الكيان السني إمارة حرب للجولاني”

يخالف وائل علوان، الباحث في “مركز جسور للدراسات”، في حديثه لـ”الحل نت”، المحللين الذين رأوا في تصريحات الجولاني عن مشروع كيان سني رسالة إلى المجتمع الدولي والفاعلين الخارجيين، إذ يعتبرها علوان “رسالة للداخل، وإلى المجتمعات المحلية، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام”.  

مضيفا: “تصب تصريحات الجولاني عن المشروع السني في مجرى الانتقال من المشروع الجهادي/العسكري إلى مشروع حكم المنطقة بوصفها إمارة حرب للجولاني، وهو مشروع ذو هوية أيديولوجية محددة، تحرص عليها الهيئة، رغم التغييرات التي طالت توجهاتها، من السلفية الجهادية العالمية إلى السلفية المحلية/المناطقية”. 

وبعد تصريحاته عن مشروع كيان سني، نقلت وكالة “أمجاد”، التابعة لهيئة تحرير الشام، صورا للجولاني، يتوسط عددا من الشخصيات، خلال زيارته لقرى “قنية” و”الجديدة” و”اليعقوبية” في منطقة جسر الشغور، والتي يقطنها البقية الباقية من السكان المسيحيين في المنطقة.

وأتت هذه الزيارة بعد مضي شهر على زيارة الجولاني لمنطقة “جبل السماق”، التي تقطنها غالبية درزية في ريف إدلب. الأمر الذي اعتبره عدد من المراقبين رسالة موجهة للخارج حول وضع الأقليات في مناطق سيطرة الهيئة.

الكيان السني بين “حزب الله” و”العدالة والتنمية”

محمد نور حمدان، الأكاديمي ومدير “مركز مناصحة للدراسات”، ينظر إلى حديث الجولاني عن مشروع كيان سني بوصفه محاولة لإقامة حالة في سوريا تشابه حالة حزب الله اللبناني.

ويقول حمدان لموقع “الحل نت”: “مشروع الجولاني السني محاولة للاستثمار الطائفي في وضع الحرب السورية الحالي، إذ يريد أن يظهر نفسه بمظهر حامي المكون السني، تماما كما يفعل حزب الله، الذي يدعي حماية  الشيعة في لبنان”.

من ناحية أخرى يعتبر حمدان أن “الجولاني يوجه بذلك رسالة إلى تركيا، طالبا منها الحماية، نظرا لادعاءات حزب العدالة والتنمية الحاكم فيها، بوصفه وريثا للعثمانيين، وبالتالي حامي السنة في المنطقة. وتعزز من هذه الفرضية رغبة الجولاني بتواجد المجلس الإسلامي السوري في منطقته، لكسب الشرعية من هذا المجلس المدعوم من أنقرة”.

ما علاقة مشروع الكيان بالانشقاقات داخل الهيئة؟

لم تكن تصريحات الجولاني عن مشروع كيان سني وليدة اللحظة، فقد سبق أن دعا إلى توحيد الفصائل العسكرية وإنشاء كيان موحد يمثل “أهل السنة”، ويدافع عنهم عسكريا وسياسيا، خلال إعلانه تشكيل هيئة “فتح الشام”، وإلغاء العمل باسم جبهة النصرة في تموز/يوليو 2016، وهو ما أكده في مقابلة تلفزيونية مع قناة “الجزيرة” عام 2016. ما دفع كثيرين إلى اعتبار أن الجولاني يسعى لاحتكار تمثيل سنة سوريا

إلا أن وائل علوان ينظر إلى التصريحات من زاوية أخرى، إذ يرى أنها رسالة داخلية، موجهة لكوادر هيئة تحرير الشام نفسها.

وبحسب علوان فإن “الهيئة تحوي عدة مكونات وتيارات، والجولاني بتصريحاته عن مشروع كيان سني أعطى تطمينات لمختلف التيارات أنه لن يتخلي عن الهوية الدينية والطائفية للهيئة، وبذلك يحافظ على تماسكها الداخلي، مهما دخل بمفاوضات ومساومات مع الجهات الإقليمية والدولية”.

مؤكدا أن “الجولاني يحرص على تأمين استقرار حكمه لمنطقة إدلب، بعد نجاحه بتحييد جميع الفصائل الأخرى في المنطقة، باستثناء بعض المجموعات العسكرية، التي يملك القدرة على ضبطها، بعد أن أجبرها على الدخول ضمن المجلس العسكري الذي يتزعمه”.

يذكر أن زيارة الجولاني إلى القرى المسيحية كما الدرزية أثارت ردود أفعال غاضبة من داخل معسكر الهيئة في إدلب. إذ وصفه عصام الخطيب، القيادي السابق في هيئة تحرير الشمال، بـ”الديك الذي يحاول تسويق نفسه للمجتمع الدولي، عبر إظهار نفسه بمظهر الحامي للأقليات”.

ومن جهته، رأى أبو يحيى الشامي، السلفي المنشق عن الهيئة، أن “زيارات الجولاني للقرى المسيحية، ومن قبلها الدرزية، هي بمثابة إقرار بمشروعية فكرهم الضال”، حسب تعبيره. متسائلا بسخرية عن “إمكانية لقائه مع شخصيات هندوسية، والاعتراف بصوابية دينها”. مؤكدا أن “الغرب لن يقر الجولاني في مكانه، مهما أبدى من مظاهر التزلف والانبطاح، وقدّم من فروض الطاعة”.

طموحات عالية وعوامل فشل

الطموح العالي لزعيم هيئة تحرير الشام سبب رئيسي في الرسائل المتعددة التي يرسلها إلى مختلف الأطراف، بحسب محمد نور حمدان. وهذا الطموح “يهدف للسيطرة على المنطقة بشكل كامل، لذا يرسل الرسائل الدولية والإقليمية، الهادفة لإزالة اسمه من قوائم الإرهاب، أو الهادفة للطلب من تركيا تمكينه من المنطقة. كما يخاطب الداخل السوري لخلق رأي عام، يساعده على توسيع مناطق سيطرته. فبعد أن تمكن الجولاني من حكم ادلب، تتجه أنظاره إلى منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، وهي مناطق لا يستطيع أخذها إلا من خلال السياسة ومخاطبة الجانب التركي. ولذلك يسعى لأخذ موافقة كاملة من أنقرة لضم هذه المناطق لسيطرته، دون أن يغفل مخاطبة السكان في إدلب، والجهاديين المؤتمرين بأمره”.  

وعليه يرى حمدان أن “الجولاني يستثمر ببراغماتية في كل خطاب، إذ يستغل خطاب الأقليات، من خلال قيامه بزيارات إلى ما تبقّى من قراها، كما يحاول توظيف خطاب الأكثرية لمصلحته، من خلال الحديث عن مشروع كيان سني”.

إلا أن هذه البراغماتية لا تبدو ناجعة للغاية، كما يؤكد كثير من المراقبين، فلا توجد أي بوادر لإزالة اسم الهيئة من قوائم الإرهاب، نظرا لتاريخها وانتماءاتها وممارساتها المعروفة؛ كما أن تركيا نفسها لا تبدو مستعدة لتوريط نفسها علنا مع مجموعة من مجموعات القاعدة، مهما غيّرت مسمياتها؛ كما أن الاحتجاجات الشعبية الداخلية على حكم الهيئة، بكل ما فيه من انتهاكات ومظالم، لم تتوقف يوما؛ وفوق هذا وذاك فإن السيطرة على الجهاديين المقيمين في المنطقة أمر متعذر وشديد الصعوبة، وقد يغرق الجولاني قريبا في حرب ألغاء مع رفاقه في المنهج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.