فضائح مدوية يعيشها العراق مؤخرا، تتمثل بتسريبات صوتية وفيديوية لسياسيين عراقيين، تثير سخطا شعبيا وسياسيا في آن واحد، لكن ما لا يتم التركيز عليه، هو توقيت تلك التسريبات وهل هي سياسية من عدمها وما أهدافها؟

ما أعاد قضية التسريبات إلى الواجهة، هو التسريب الأخير، أول أمس الجمعة، لوزير الصناعة السابق صالح الجبوري، فقد ظهر بمقطع فيديوي، وهو يؤدي اليمين ويقسم على القرآن برهن الوزارة لرئيس كتلة “الجماهير”، النائب أحمد الجبوري “أبو مازن”.

الفيديو أثار ردود فعل ساخطة من قبل الشارع العراقي، ما دفع بالسلطة القضائية للتحرك واتخاذ إجراءات قانونية للتحقيق في صحة الفيديو، تمهيدا لإصدار الحكم لاحقا.

الملفت للنظر، أن التسريب الفيديوي جرى على يد المدون علي فاضل، الذي سبق له وآن سرّب تسجيلا صوتيا لزعيم “ائتلاف دولة القانون”، نوري المالكي، قبل أقل من شهر، أثار هو الآخر حالة غضب لم تنته تداعياتها بعد في الوسطين السياسي والشعبي.

سياسية بامتياز

الأكاديمي والمحلل السياسي، علاء مصطفى، يقول في حديث مع “الحل نت”: “بلا شك، التسريبات هي سياسية بامتياز، وليست لغرض الشفافية أو النزاهة أو لمصلحة وطنية”.

مصطفى يردف، أن بعض التسرييات ليست محلية فحسب، بل تجاوزتها بتدخلات عبر أصابع خارجية وقفت خلفها، والهدف منها تحجيم شخصيات سياسية معينة تجاوزت حجمها الطبيعي في اللعبة السياسية العراقية، بحسب تعبيره.

“لو نأخذ التسريب الأخير لوزير الصناعة مثلا، سنجد أن توقيته جاء بعد انتقال أبو مازن من فسطاط رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى فسطاط آخر، ما يشكل خطرا على الأخير”.

كان “أبو مازن” انتقل مؤخرا من “تحالف السيادة” السني بقيادة الحلبوسي وخميس الخنجر صوب “الإطار التنسيقي” المقرب من إيران، لذلك جرى تسريب الفيديو للوزير السابق التابع له لضرب أحمد الجبوري، بدليل أن قناة “الشرقية” التي تدعم الحلبوسي، ركزت كثيرا على التسريب في نشراتها الإخبارية.

ويتذيّل العراق مؤشر الفساد في غالبية الدراسات والتقارير الدولية، فقد حصل على 18 نقطة من أصل 100 في تقرير عالمي رصد 180 اقتصادا حول العالم بوقت سابق.

التوقيت مدروس

مؤشر الفساد العالمي لعام 2019 الصادر عن “منظمة الشفافية الدولية”، هو الآخر وضع العراق في ذيل التصنيف الدولي، بوصفه واحدا من أكثر الدول فسادا في العالم.

إذ حل وقتها العراق بالمركز 162 من مجموع 180 دولة، في وقت تعجز الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2003 على إيقاف انتشار الفساد بمفاصل الدولة العراقية.

علاء مصطفى، يقول إن “مثل تلك التسريبات لا يمكن لصحفي أو ناشط أو محقق الوصول إليها والحصول عليها”، بالتالي من يقوم بنشرها -علي فاضل- هو وسيلة يتم استخدامها من قبل جهات سياسية لنشر تلك التسريبات، بحسب عدد من المراقبين.

توقيت التسريبات ونشرها مدروس سياسيا، إذ يتم نشرها عند رؤية أي انقسام حاد بين جهة معينة وأخرى، لضرب حزب سياسي أو شخصية سياسية بعينها، وبهدف تحجيم تأثيرها في المشهد السياسي، وفق الباحثة السياسية ريم الجاف.

الجاف تقول لـ “الحل نت”، إنه ما يؤكد أن توقيت نشر التسريبات مدروس سياسيا، هو نوع التسريبات التي تم نشرها، فالتسريب الأول لرئيس الحكومة الأسبق، نوري المالكي، جاء في ذروة نزاعه مع خصمه زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، وذات الحال مع تسريب الوزير التابع لـ “أبو مازن”، جاء بعد تأزم علاقته بالحلبوسي.

إدامة السخط الشعبي

المالكي هاجم الصدر في التسريب الذي يبلغ طوله 48 دقيقة، ونشره علي فاضل على شكل دفعات بـ 6 أجزاء، قبل أن ينشره كاملا، حيث وصف المالكي في التسجيل خصمه الصدر بـ “الجاهل والجبان”، متهما إياه بـ “العمالة لإسرائيل”.

وينحدر الصدر والمالكي من خلفيات سياسية إسلامية، إذ يتزعم الأول تيارا شعبيا شيعيا ورثه عن والده المرجع الديني محمد صادق الصدر، فيما يترأس الثاني “حزب الدعوة”، أقدم الأحزاب الشيعية العراقية.

وتنافس الصدر مع المالكي مرارا على تزعم المشهد السياسي الشيعي. إذ يمثل الأول الخزان التصويتي الأكبر على مستوى البلاد في أي عملية انتخابية، بينما يمثل الثاني، الأحزاب السياسية الشيعية التي صعدت بعد إطاحة نظام صدام حسين في ربيع 2003 إلى المشهد.

منذ عام 2008 توجد قطيعة سياسية وشخصية بين الصدر والمالكي عندما شن الثاني حربا على ميليشيا “جيش المهدي” التابعة للصدر، لإنهاء انتشارها المسلح في الوسط والجنوب العراقي آنذاك، قبل أن يفتح المجال لتأسيس ميليشيات مسلّحة موالية لإيران.

في النهاية، تلك التسريبات تديم حالة السخط الشعبي وتحرض الرأي العام على السلطة، وتخلق أجواء شعبية رافضة للعملية السياسية، ولكن إلى أين ستصل ومتى ستحقق النتائج، لا يمكن لأحد تحديد ذلك، بحسب علاء مصطفى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.