مع اتجاه الدول الأوروبية لحلول بديلة عن الغاز الروسي، وملء الاحتياطات الأوروبية من الغاز بنسبة تجاوزت 80 بالمئة، يبدو أن الاتحاد الأوروبي في طريقه للخروج من أزمة الشتاء بأقل الأضرار الممكنة، فما هي السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة للمواجهة الأوروبية الروسية في قطاع الطاقة؟.

تقليل الطلب

مركز “سترافور” الأميركي، أكد أن الدول الأوروبية متجهة لإقرار آليات، من شأنها تقليل الطلب على الغاز قبل الشتاء، إضافة إلى زيادة الدعم المالي للأسر والمرافق، وذلك في إطار خطة تهدف إلى الخروج من الأزمة بأقل الأضرار الممكنة.

مسؤولون في شركات الطاقة، أكدوا أن الاتحاد الأوروبي عازم على مواجهة الازمة، بدون الرضوخ للجانب الروسي، وقال رئيس أبحاث السلع في مجموعة “سيتي جروب”، إد مورس، في مقابلة مع الشبكة الأميركية: “في وقت ما بين عامي 2025 و2027 سنرى الأسعار في أوروبا تعود إلى ما كانت عليه في بداية عام 2021، ذلك لأن الأمر سيستغرق وقتا لاستبدال الغاز الطبيعي المفقود من روسيا“.

الأكاديمي والباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، الدكتور عبد المنعم الحلبي، يرى أن الدول الأوروبية يمكن أن تملأ خزاناتها بنسبة تصل إلى مئة بالمئة، مشيرا إلى أن نجاح أوروبا في تنفيذ سياسة تقشف مدروسة، سيساعدها إلى حد كبير بالخروج من الأزمة بأقل الأضرار.

ويقول الحلبي، في حديث خاص مع “الحل نت“: “مواجهة الأزمة يتعلق بالاستخدامات، إذا تمكنت المجتمعات الأوروبية من تنفيذ عملية تقنين وتقشّف، فيمكن لها العبور من الشتاء بدون إشكالات حقيقية، لكن من الواضح أن الشتاء سيكون قاسي في أوروبا“.

اقرأ أيضا: من جديد أردوغان يهدد اليونان.. ما الأسباب؟

إجراءات لتخفيف الأزمة

ويضيف: “أوروبا تقوم بالعديد من الإجراءات لتخفيف الأزمة، أبرزها المتعلق بالسياسة النقدية، التي تتصف بالواقعية، هناك رفع لأسعار الفائدة بطريقة نوعية وغير مسبوقة، لمواجهة تبعات التضخم والارتفاع الكبير في أسعار الطاقة“.

وحول السيناريوهات المتوقعة للرد الروسي على الخطوات الأوروبية، يعتقد الحلبي، أن روسيا ستحاول الضغط من خلال المزيد من خطوات إيقاف خطوط الغاز إلى أوروبا، ويضيف: ” كان واضحا أن الحجج التي ساقتها روسيا لقطع خطوط الغاز هي غير منطقية، لا سيما في بداية الشتاء“.

وفيما يخص نتائج المواجهة بين روسيا وأوروبا، يشير الحلبي إلى أن نتائج المعركة الدائرة في أوكرانيا سيكون لها أثر كبير، على المواجهة الاقتصادية بين روسيا والغرب ويزيد بالقول: “أعتقد أن الوضع سيبقى على ما هو عليه حاليا، النتيجة الأساسية المنتظرة هي ما تتمخض عنه المعركة في أوكرانيا، وطبعا أقصد هنا الآثار السياسية التي يمكن أن تنتج عن تطورات عسكرية محتملة ربما تكون روسيا تدفع فيها أثمان كبيرة“.

وتأتي هذه المواجهة في مجال الطاقة بين روسيا، وأوروبا منذ أن غزت الأولى، أوكرانيا في أواخر شباط/ فبراير الماضي، وكانت روسيا قد هددت بالفعل بالانتقام من خلال حظر صادرات النفط إلى الدول التي تطبق سقفا للسعر.

من جانبه رأى الباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، حسن الشاغل، أن نجاح الدول الأوروبية في تخفيض إيراداتها من الغاز الروسي، سيمثل ضربة موجعة لاقتصاد موسكو، لا سيما على المدى البعيد، مؤكدا في الوقت ذاته أنه لا يمكن لأوروبا الاستغناء بشكل كامل عن الغاز الروسي.

وقال الشاغل في حديث سابق لـ“الحل نت“: “أوروبا تحاول حاليا البحث عن بدائل للغاز الروسي الطبيعي، من الدول المنتجة للغاز، لكن هذا الأمر صعب تحقيقه بسرعة، ويحتاج إلى وقت وتعديل في البنى التحتية الأوروبية“.

التأثير على اقتصاد روسيا

ووفق الشاغل، فإن روسيا قد تذهب لتقديم تنازلات للجانب الأوروبي، وذلك بسبب استفادتها الكبيرة من الواردات المالية الأوروبية من عمليات بيع الغاز.

وحول ذلك أضاف: “بطبيعة الحال روسيا مستفيدة من أوروبا من الواردات المالية من بيع الغاز، الطرفين لهما مصالح، ليس من مصلحة الروس خسارة السوق الأوروبية، بسبب عدم وجود بديل في الوقت الحالي، بنفس الوقت الاتحاد الأوروبي لا يملك بديل سريع عن الغاز الروسي“.

وأوضح الشاغل، أن: “الخطة الأوروبية قد تهدف على المدى المتوسط، إلى تخفيض واردات الغاز من روسيا إلى نسبة قد تصل إلى 40 بالمئة، ما قد يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الروسي، لا سيما وأن 40 بالمئة، من صادرات روسيا، هي من الطاقة“.

وناقش وزراء الطاقة الأوروبيين في التاسع من أيلول/سبتمبر، مقترحات للحد من أسعار الطاقة وتنسيق تعاملهم مع التصعيد الروسي الأخير. وركز الاجتماع على وضع سقف لأسعار الغاز الروسي وأسعار الكهرباء التي يتم توليدها من مصادر غير الغاز الطبيعي، ودراسة خطط فرض ضرائب على إيرادات شركات الطاقة التي تبلغ تكاليف إنتاجها أقل من أسعار البيع في السوق.

ويدرس قادة الاتحاد الأوروبي أيضا، فرض ضرائب استثنائية على شركات الطاقة التي تكاليف إنتاجها أقل من أسعار بيع السوق. ويبدو أن هذا هو الخيار المفضل لكل من فرنسا، وألمانيا مقارنة مع وضع سقف للأسعار على مستوى الاتحاد الأوروبي.

من المرجح، أن يتم فرض مثل هذه الضرائب على شركات الطاقة التي لا تعتمد على الغاز لإنتاج الكهرباء، وستستخدم حكومات الاتحاد الأوروبي بعد ذلك عائدات هذه الضرائب لتمويل برامج دعم المرافق والمستهلكين من خلال المساعدات النقدية المباشرة، بدلا من دعم أسعار الطاقة ذاتها.

سقف سعر للنفط الروسي

مجموعة دول السبع، اتفقت مؤخرا، على إقرار آلية تحديد سقف لأسعار النفط الخام الروسي، في محاولة لإعادة ضبط أسعار الخام عالميا، وخفض إيرادات روسيا من مبيعات النفط، حيث تسعى الدول الأوروبية، إلى إلحاق “هزيمة اقتصادية” بروسيا، بعد الحرب التي بدأتها على أوروبا باستخدام الغاز الروسي الذي تصدره للقارة الأوروبية.

قد يهمك: رئيسة وزراء جديدة لبريطانيا.. التفاصيل الكاملة

وبعد الإعلان عن هذه الخطوة علّقت روسيا تدفقات الغاز الطبيعي للقارة العجوز إلى أجل غير مسمى، وسط حرب اقتصادية بين الغرب، وموسكو بالتوازي مع استمرار روسيا في غزوها لجارتها الغربية أوكرانيا.

وأفادت شركة الطاقة الروسية “غازبروم“، الجمعة، إنها لن تستأنف التدفقات عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1″، كما كان مخططا، لأنها رصدت تسربا نفطيا في محطة بورتوفايا، دون أن تذكر جدولا زمنيا لموعد استئناف صادرات الغاز، عبر خط “نورد ستريم 1″، المغلق منذ الأربعاء الماضي بسبب أعمال الصيانة.

قالت “غازبروم” في بيان: “إلى أن يتم حل المشكلات المتعلقة بتشغيل المعدات، تم إيقاف إمدادات الغاز إلى خط أنابيب نورد ستريم1 تماما“.

وكان خط أنابيب “نورد ستريم 1″، أيضا مركزيا للصراع الاقتصادي المستمر بين روسيا، والغرب. فمنذ حزيران/يونيو الماضي، قلّصت “غازبروم“، التدفقات عبر “نورد ستريم 1″، إلى 20 بالمئة، فقط من طاقتها، مشيرة إلى مشكلات الصيانة، والخلاف حول نقص التوربينات، إثر عقوبات التصدير التي فرضتها الدول الغربية.

وتزوّد روسيا، أوروبا بنحو 40 بالمئة، من احتياجاتها من الغاز معظمها عبر خطوط أنابيب، وبلغت الإمدادات في العام الماضي نحو 155 مليار متر مكعب. وعن طريق أوكرانيا، يصل الغاز إلى النمسا، وإيطاليا، وسلوفاكيا، ودول أخرى في أوروبا الشرقية، وأغلقت أوكرانيا، خط الأنابيب “سوخرانوفكا“، الذي يمر في الأراضي التي تحتلها روسيا في شرق البلاد.

يذكر أن دول الاتحاد الأوروبي، كانت قد اتفقت على إجراءات طارئة لتقليل استخدامها للغاز في الشتاء المقبل بنسبة 15 بالمئة، بالتزامن مع استعداد أوروبا لمواجهة غموض يتعلق بإمدادات الغاز من روسيا، وتتطلب الخطة من الدول الأعضاء، خفض استهلاك الغاز طوعا بنسبة 15 بالمئة، بناء على معدّل خمس سنوات للأشهر المعنية، اعتبارا من شهر أيلول/سبتمبر الحالي، وخلال الشتاء التالي حتى آذار/ مارس المقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.