وسط ظروف اقتصادية صعبة تُسجّل في عموم المحافظات السورية اليوم، تزداد نسبة البطالة والفقر بالتزامن مع قلة فرص التوظيف، وخاصة لخريجي الجامعات والمعاهد، وكغيرهم من خريجي الأقسام الأخرى، يعاني خريجوا الصيدلة في العاصمة دمشق وريفها، من قلة فرص التوظيف، واضطرارهم للعمل، كمندوبي مبيعات لشركات أدوية، جراء عدم قدرتهم على افتتاح صيدليات خاصة بهم، فضلا عن رفض أغلب الصيدليات تشغيلهم، بحجة أن المبيع في الصيدلية “يادوب جايب همو” بحسب تعبير البعض منهم.

يتخرج سنويا آلاف الطلاب من أربعة كليات صيدلة حكومية، و17 كلية في الجامعات الخاصة، على مستوى الجغرافيا السورية؛ وتشير إحصائيات العام 2021 إلى أن عدد الصيادلة العاملين في مناطق سيطرة الحكومة السورية، يصل إلى 22 ألف صيدلي، 80 بالمئة منهم من النساء.

من صيدلانية إلى مندوبة مبيعات

بعد إنهائها خدمتها في الريف لمدة سنتين، تتمنى عبير عبدالله، 26 عاما وهي خريجة صيدلة من جامعة دمشق، لو أنها تمتلك القدرة المادية على افتتاح صيدليتها الخاصة. وتقول لـ “الحل نت”، كل الصيدليات المتواجدة في محيط سكني في شارع بغداد وسط دمشق، يعملون بها صيادلة وغير صيادلة. وتضيف، أنها تريد ممارسة مهنتها المفضلة والتعلم والتدرب على أصناف الأدوية وأسمائها التجارية، إضافة إلى العمل من أجل تأمين مستلزماتها الحياتية.

وتشعر عبير بحرقة في قلبها نتيجة قلة فرص العمل، ما دفعها للجوء إلى تعزيز معلوماتها وخبراتها النظرية من خلال قنوات على اليوتيوب والتليجرام مختصة بالصيدلة، لكنها بعد أشهر من المتابعة عبر هذه القنوات مازالت تسعى للعمل في أية صيدلية.

وعليه، اضطرت عبير للعمل كمندوبة مبيعات لشركة أدوية في دمشق، وتخبر “الحل نت” أن العمل كمندوبة مبيعات لشركات الأدوية، قد يكون دخله أفضل من العمل في صيدلية، ورغم أنه لا ُيكسب خبرة في الأدوية وتركيبتها الكيميائية، لكنه يبقى أفضل من البقاء دون عمل، خصوصا في ظل تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي.

العديد من خريجي الصيدلة في دمشق وريفها، يلجؤون للعمل كمندوبي مبيعات في ظل قلة فرص عمل خريج الصيدلة، الذي لا يمتلك القدرة المالية على افتتاح صيدليته الخاصة، فضلا عن رفض أغلب الصيدليات المتواجدة في العاصمة وريفها تشغيل خريجي الصيدلة، بحجج منها أن حركة البيع “واقفة”، إضافة لقيام أغلب أصحاب الصيدليات بتشغيل أقاربهم ضمن ورديات عمل في الصيدلية.

قلة فرص التدريب

يتوجب على خريج الصيدلية ملازمة صيدلي خبير للتدريب، وهو معضلة أخرى تواجه خريجي الصيدلة، حيث يؤكد الصيدلي معين إبراهيم، 61عاما، وهو يعمل في صيدليته منذ أكثر من 25 عاما، أن خريج الصيدلي يجب عليه ملازمة صيدلي خبير، وفي صيدلية مركزية كي يكتسب الخبرة، ويكون قادرا على افتتاح صيدليته الخاصة.

الصيدلي الستيني يشدد خلال حديثه لـ “الحل نت” بأنه لا يكفي الصيدلي أن يعرف الأسماء التجارية للأدوية، إنما مطلوبا منه المعرفة بتركيبة الدواء والأمراض وكيفية علاجها والبدائل الدوائية والتداخلات، لأن مهنة الصيدلة مهمة جدا وهي مهنة إنسانية، فالصيدلي هو طبيب حارته أو المحيط القريب من مكان تواجد صيدليته، لذلك يجب أن يكون قادرا على خدمة الناس. ويوضح إبراهيم، أنه لا يوجد قانون أو تشريع ملزم لأي صيدلية بتدريب خريج طلاب الصيدلة.

وعليه، يجب على خريج الصيدلة التدرب في صيدلية مركزية لديها حجم شغل كبير وعند صيادلة خبراء كي يكتسب المعرفة والخبرة، وهذه هي “مشكلة المشاكل” حسب إبراهيم، بسبب خسارة سوريا للكثير من الصيادلة الخبراء.

تكاليف مرتفعة

تكلفة افتتاح صيدلية، تبلغ حوالي الـ 35 مليون ليرة سورية، لتجهيزها من الداخل مع الديكور، والرفوف، وبعض الأجهزة الطبية، كجهاز قياس الضغط والسكر والوزن والطول وغيرها من المعدات الطبية، بحسب حديث الصيدلي خليل المحمد (55عاما)، لـ “الحل نت” والمحمد يعمل في صيدليته الخاصة في منطقة المزة.

ارتفاع تكلفة افتتاح الصيدلية، مرده انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميريكي، وارتفاع أسعار مواد تجهيز الصيدلية، بحسب المحمد، إضافة لتكاليف تعبئة الصيدلية بالزمر الدوائية ودفع ثمنها لشركات الأدوية التي ارتفعت أسعارها أيضا.

قد يهمك: نقيب صيادلة سوريا: ارتفاع أسعار الأدوية يعود لتصرفات فردية!

حيال قلة فرص العمل لخريجي الصيدلة، يرى المحمد أن معظم الصيدليات في دمشق تحديدا، لديها ورديات للعمل، خصوصا الصيدليات الكبيرة والمركزية والتي يعمل بها عدة صيادلة وخريجي صيدلة متدربون، وكذلك طلاب صيدلة.

 لكن هذه الصيدليات لا يمكنها استيعاب آلاف الخريجين سنويا، والذي يؤكد أن الصيدليات ترغب في تدريب طالب الصيدلة وليس الخريج الذي يطالب “براتب أو نسبة من المبيع” كما حدث معه.

يلازم الطالب (خريج الصيدلة) المتدرب، الصيدلي خلال فترة تدريبه كي يتعرف على أنواع الأدوية وتركيباتها المختلفة، كما أن خريج الصيدلة يحتاج للتدرب في صيدلية نشطة (شغالة) كي يكتسب الخبرة بسرعة، وإلا فأن تدريبه قد يطول، بحسب المحمد.

بالمقابل يعترف صيدلي آخر تحفظ على ذكر اسمه، بتشغيل ابنته وزوجته في صيدليته في الوردية الصباحية، ويقول لـ “الحل نت” أن ابنته أضحت شبه صيدلانية بعد ثلاث سنوات من العمل معه، وهي ترغب في دراسة تخصص الصيدلة مثله، وأن الوضع المادي وقلة الدخل اليوم، جراء الحالة الاقتصادية في البلاد منعته من تدريب خريجي أو طلاب الصيدلة، بحسب تعبيره.

صيدليات الريف خبرة قليلة

لا يختلف ما حدث مع عبير عن غيرها من آلاف الخريجين سنويا، والعاجزين عن افتتاح صيدلياتهم الخاصة، وفي وقت فشلت في الحصول على عمل في إحدى صيدليات دمشق، تمكن شادي ديوب، وهو خريج صيدلة منذ أكثر من عام من العمل في صيدلية بريف دمشق (وردية صباحية) مقابل راتب اتفق عليه مع صاحب الصيدلية الذي يعمل بها مساء.

“شرح لي صاحب الصيدلية كيفية توزع الدواء داخل الصيدلية، وعلى رفوفها وكيفية التعامل مع الزبائن، وضرورة صرف الوصفة الطبية بدقة كما هي”، يقول شادي خلال حديثه لـ “الحل نت”، وبالرغم من كونه خريج صيدلة إلا أنه يجد صعوبة في التعامل مع طلبيات الأدوية التي كانت تأتي مع المندوبين من المستودعات.

كان شادي يضطر للبقاء مع صاحب الصيدلية في الوردية المسائية، كي يتعلم آلية العمل وقراءة الوصفات الطبية التي كان “يجد بها المشكلة الأكبر”، لكنه كان يشعر بالحزن والألم، لعدم قدرته على وصف دواء لبعض المرضى، الذين يأتون إلى الصيدلية، بقصد التداوي بدون وصفة طبية كنتيجة لقلة خبرته.

رغم بقائه لمدة ستة أشهر يعمل في ورديته الصباحية، إلا أن خبرة شادي، لم تتطور بالشكل الذي يسعى إليه، ومرد ذلك قلة تواجد الصيدلاني صاحب الصيدلية خلال ورديته كي يستفيد من خبرته، ما دفعه للبحث عن بدائل أخرى وهي التقديم على المنح الجامعية، إضافة لإتباع دورات مهنية في تخصصه على الإنترنت.

اقرأ أيضا: صيادلة سوريا ينضمون إلى “القائمة السوداء” من رفع الدعم

في بداية العام الجاري كان هناك اقتراحا من نقابة الصيادلة لإيقاف كليات الصيدلة لعدة أعوام، نتيجة ارتفاع عدد الخريجين، لكنه رفض من وزارة التعليم والبحث العلمي، دون إيجاد حل لمشكلة هؤلاء الخريجين في ظل قلة فرص العمل وانعدام قدرتهم على افتتاح صيدلياتهم الخاصة.

عضو مجلس نقابة صيادلة سوريا جهاد وضيحي، أكد في تصريح لموقع “المشهد”، بعدم إمكانية إلغاء شرط خدمة الريف، لكونه وُضع بناء على مرسوم جمهوري، كما لا يمكن تعديله إلا بموجب مرسوم آخر.

  المشكلة هنا، تكمن بازدياد عدد الخريجين بشكل هائل في كل عام، بحسب الوضيحي، وخاصة في ظل وجود حوالي 17 كلية خاصة في سوريا و4 كليات حكومية، منها ما تم إنشاؤه منذ ثلاثة أعوام في ذات الوقت، أي أننا سنشهد بعد عامين أزمة خريجين جدد قد تصل أعدادهم إلى 3000 خريج، إلى أنه لا يوجد ريف سيستوعب هذه الأعداد.

المعضلة هذه لم تكن موجودة في السابق كون عدد الخريجين كان محدودا جدا، وحين لوحظ الازدياد في الأعداد، تم إصدار قانون بتخفيض المسافة المسموحة بين الصيدلية والأخرى في الأرياف إلى 35 مترا، ولكن اليوم العدد الهائل للخريجين حال دون إمكانية الاستيعاب.

نقابة الصيادلة رفعت كتابا لوزارة التعليم العالي، طالبت فيه بإيقاف كليات الصيدلة لعدة أعوام للتغلب على هذه المشكلة، ولكن جاء الكتاب بالرفض من قبل وزارة التعليم العالي، لكون سورية تعد بلد تعليم وتطور ولا يمكن إيقاف أي اختصاص طبي فيها، وكشف الوضيحي عن مقترح لم يتم طرحه بعد، وهو السماح للخريج بأن يقضي خدمته في المدينة من خلال إجراء عقد صيدلي إضافي، وذلك لاستيعاب أكبر عدد من الصيادلة الجدد،  وأنه من الممكن مناقشة هذا الحل خلال اجتماع مجلس النقابة لطرحه في المؤتمر العام لنقابة صيادلة سوريا، ورفعه إلى وزارة الصحة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.