بينما تتأرجح الأسواق المصرفية السورية لتبدلات ساعية في أسعار صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، خفّض مصرف سوريا المركزي سعر الصرف الرسمي إلى 3015 ليرة للدولار، في حين أن سعر السوق السوداء المستخدم في معظم الأنشطة الاقتصادية هو حوالي 4575 ليرة، بحسب موقع “الليرة اليوم“. وكان السعر الرسمي لليرة قبل الخفض 2814 للدولار. ومنذ انخفاض الليرة لقيمتها منذ فترة، قال رئيس “هيئة الأوراق المالية والأسواق المالية”، عابد فضيلة، في وقت سابق، إن سبب الانخفاض الحالي في قيمة الليرة “عرضي”، بسبب ارتفاع الطلب على النقد الأجنبي لغاية ما، متوقعا، أن “يعود كما كان عليه”، ولكن توقعاته جاءت معاكسة للواقع.

فضيلة، بيّن في منتصف شهر آب/أغسطس الجاري أن معدلات المضاربة على الليرة، تراجعت حاليا عما كانت عليه خلال السنوات الماضية، مضيفا أن حجم السيولة “الكبير”، المتاح خارج القنوات المصرفية المقدر تقريبا بـ20 ألف مليار ليرة سورية، يجعل هذه الأموال عرضة للمضاربة في حال حدوث اضطراب، وخلل في سعر الصرف.

في حين أرجع مسؤولون آخرون في حكومة دمشق، سبب تراجع الليرة إلى مجموعة من “المضاربين والمتلاعبين”، وأنها مرتبطة بـ “لصوص الصرف”، في حين أن الإعلام المحلي السوري المتواجد في مناطق خاضعة لسيطرة دمشق، أشارت، إلى أن “سعر الليرة ينزلق بين الفنية والأخرى، بسبب ما ينتابه من موجات مضاربة، أبطالها ثلة من اللصوص، لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة”، وبالتالي، يمكن أن يُنظر إلى هذا على أنه اعتراف واضح من قِبل الحكومة بعدم قدرتها على إيقاف هؤلاء المضاربين، الذين لا يتجاوزون عدد أصابع اليد.

ما يدعو للغرابة حقا كيف يمكن لحكومة ما أن تقف عاجزة أمام عدد من الأشخاص، وهم يتحكمون باقتصاد البلاد والحياة المعيشية اليومية، بكل هذه الأريحية.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول المستفيدين من هذا القرار؛ مصارف خاصة أو جهات أخرى، بالإضافة إلى تساؤلات حول معاني قيام مصرف سوريا المركزي برفع سعر صرف الدولار، وتأثيره على الاقتصاد بشكل عام وعلى الليرة السورية بشكل خاص، وارتفاع الأسعار عموما.

سعر “غير حقيقي”

رغم أن رفع مصرف سورية المركزي لأسعار صرف الدولار كان بسيطا نوعا ما، إلا أنه أثار الكثير من الهواجس ولاسيما لجهة عدم قدرة المركزي على ضبط نظيره في السوق الموازية، واعتبار البعض أن المركزي بهذه الحالة يتبع الأخيرة، بدلا من العكس، ولجهة الانعكاس الفوري لهذا الرفع على ارتفاع أسعار المواد والسلع في الأسواق المحلية، بحسب تقرير لموقع “صاحبة الجلالة” المحلي، اليوم الثلاثاء.

المصرفي، قاسم زيتون، من جهته برّأ المركزي من تهمة اتباعه للسوق الموازية، بل العكس تماما فإن ارتفاع سعر الصرف عند الحدود الحالية فقط، هو بفضل سياسات المركزي المتشددة للحفاظ على سعر صرف بالحدود الممكنة، وأضاف “لم يكن بالإمكان أكثر مما كان”.

في هذا السياق، وحول وضع سعر الصرف الرسمي في المصرف المركزي السوري، لا يعتقد الدكتور في العلوم المالية والمصرفية والباحث الاقتصادي، فراس شعبو، أن يكون هناك أحد اليوم يتعامل مع أسعار المركزي السوري، أو أي أورقة رسمية تابعة لحكومة دمشق، وخاصة الحوالات الخارجية، مستدركا بالقول: “فمثلا سعر الصرف في البنك المركزي ثلاثة آلاف، بينما في السوق السوداء حوالي أربعة آلاف ونصف، فمن هو العاقل الذي سيبدل الـ 4.5 آلاف بـ 3 آلاف”. علما أن كلا المكانين مفتوحين، ولا توجد قيود صارمة على السوق السوداء.

المصرف المركزي السوري

وفي حديثه لـ “الحل نت”، اعتبر شعبو، أن هذا اعتراف واضح من قِبل المصرف المركزي السوري، بأن السعر الذي يحدده، هو سعر “غير حقيقي”، حتى لو كان خجولا، لكنه اعتراف ضمني بأن السعر الذي يضعه “غير واقعي”، وغير متداول به في البلاد.

قد يهمك: دور اقتصادي إيراني جديد بدمشق.. وما علاقة لبنان برفع أسعار المحروقات في سوريا؟

تداعياته على الواقع المعيشي

في سياق تأثير هذا الانخفاض في قيمة الليرة السورية، قال شعبو، إن هذا الأمر سينعكس على الأسواق بشكل عام، من ارتفاع الأسعار إلى مستويات كبيرة، على الرغم من أن ارتفاع الأسعار لا يزال يحدث بطريقة دراماتيكية، وعدم قدرة البنك المركزي على التدخل، أو إبداء أي قدرة على استخدام أي وسيلة للسيطرة على أسعار الصرف، مما يعني أن المركزي غير قادر على فعل أي شيء بشأن الليرة، الأمر الذي سيُلقي بظلاله على المشهد السوري الحياتي بالتأكيد.

الأستاذ الجامعي في العلوم المالية والمصرفية، فراس شعبو، أضاف في حديثه لـ”الحل نت”، أنه في الوقت الحاضر لا يتعامل أحد مع سعر الصرف في البنك المركزي السوري، حتى التجار أصبحوا يعتمدون على أنفسهم في عمليات التمويل. كما أن الحكومة السورية أصدرت قرارا بإمكانية حصول التاجر على المحروقات وغيرها من الأمور الأخرى بشكل مباشر، دون الرجوع إلى المركزي السوري، أي عملية الحصول على الدولارات من السوق السوداء.

وبالتالي، فهذا مؤشر على أن المركزي السوري، فَقَد القدرة على احتواء العملات الأجنبية، أي أن احتياطيات البنك المركزي تكاد لا تكفي اليوم إلا لتأمين الاحتياجات الأساسية والضرورية، وحتى الحكومة السورية لا تستطيع تأمينها كلها، ولهذا السبب هي بدأت في استخدام سياسة “تخفيف الدعم”، حيث سحبت الدعم منذ بداية هذا العام من فئات عديدة من الشرائح السورية، على حد تعبير شعبو.

قد يهمك: الحطب للتدفئة في سوريا.. “يلي ماله قديم ما أله جديد”

من المستفيد؟

أما المستفيدون من هذا القرار المصرفي، فيرى شعبو، أنه لبعض الأشخاص الذين يقومون بتحويل الأموال، وهم الأشخاص الذين يتلاعبون بالسعر الموازي للمواد الغذائية كالرز، وينتمون بشكل غير مباشر إلى الحكومة السورية، أي أنهم “رجال الدولة”، وأماكنهم ومقراتهم موجودة في مناطق الحكومة السورية ومعروفة، وهم القابضين على الحوالات المالية الخارجية، وبالسعر الموازي.

وبالتالي، وبحسب شعبو، في النهاية، يمكن القول إنه لا توجد حكومة، أو دولة، أو مؤسسات حقيقية في سوريا تساهم أو تتخذ إجراءات تخفف، أو تسعى إلى إيجاد حلول ضمن هذه العملية ككل، وقد يكون البنك المركزي المؤسسة الوحيدة المعنية بهذا الأمر، وهي مؤسسة في حالة “موت سريري”، وجودها لا يقدم ولا يؤخر، والمستفيدون من كل هذا التلاعب والمضاربة في سعر الليرة مقابل النقد الأجنبي، هم التجار والأشخاص المرتبطين بحكومة دمشق، الذين يستخدمون ويتاجرون بهذه الأموال.

العملة السورية “AFP”

وبالعودة إلى تقرير موقع “صاحبة الجلالة”، فقد أشار المصرفي الدكتور علي محمد، إلى أن النشرة الخاصة بالجمارك والطيران والتي عادة تعدّل مع أي تغيير في سعر صرف الليرة ضمن نشرة وسطي، نشرة المصارف ونشرة سعر صرف الحوالات، فهذا يعني ارتفاعا في القيمة، مما يعني صعودا في أسعار السلع المستوردة في السوق المحلية لكون المستورد سيرفع قيمة بضائعه لتغطية الارتفاع الحاصل في قيمة الرسوم الجمركية، كما أنه في تعديل نشرة الطيران وفقا لقرار الرفع، فهذا يعني أيضا ارتفاعا في أسعار تذاكر الطيران وفقا للسعر الجديد.

هذا وتشهد الليرة السورية تراجعا مستمرا منذ عام 2011، حين لم يزد سعر الدولار عن 50 ليرة، لتبلغ أدنى سعر على الإطلاق اليوم، بعد تراجعها إلى نحو 4575 ليرة للدولار، وسط مخاوف من استمرار التهاوي، والتراجع الحاد.

عالم الاقتصاد المشهور عالميا البروفيسور، ستيف هانكي، أشار إلى أن سوريا احتلت المرتبة الخامسة، في قائمة مراقبة العملات الصادرة عنه، حيث انخفضت قيمة الليرة فيها أمام الدولار الأميركي بنسبة 79.64 بالمئة، وذلك منذ الأول من شهر كانون الثاني/ يناير عام 2020.

أما تقرير صحيفة “البعث”، المحلية الذي نُشر مؤخرا تحت عنوان “لصوص الصرف”، فيشير إلى أن التلويح بعصا العقوبات لمن يتلاعب بالملفات الأكثر حساسية قد يؤتي ثماره، إذا شكل كل المضاربين الكبار قبل الصغار، لردعهم حتى تقوى دعائم الإنتاج وتقوى أواصره، لكن إذا اقتصرت المتابعة والمراقبة على الصغار فقط فهذا لن يجدي نفعا، ولعلّ هنا تكمن مشكلة سعر الصرف ومن وراء تذبذباته الحادة ممن يعملون في الظلام”.

وعليه، لا يبدو أن هناك حلول تلوح في الأفق في هذا الدرك المظلم الذي يمر به السوريون منذ سنوات طويلة، خاصة أنه من الصعب التنبؤ بمسار سعر صرف الليرة، وجميع المعطيات والمؤشرات تشير إلى تدهور الليرة أكثر مما هي عليه في الفترة المقبلة.

قد يهمك: محاربة المضاربين.. هل ينجح المركزي السوري في كبح تدهور الليرة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.