على الأغلب هي خطوة تكتيكية، وإن كانت مفاجِئة تلك التي تتعلق بعرض محمد الحلبوسي، استقالته من رئاسة البرلمان العراقي، في جدول أعمال جلسة مجلس النواب المقبلة، لكن ما الذي يراد فعليا منها؟

الدائرة الإعلامية لمجلس النواب العراقي، نشرت، اليوم الاثنين، جدول أعمال الجلسة المقبلة، التي ستعقد بعد غد الأربعاء، وتضمنت التصويت على استقالة الحلبوسي من رئاسة المجلس، وانتخاب نائب أول لهيئة رئاسة البرلمان.

يشكّك مراقبون بجدية تلك الاستقالة؛ لأن الحلبوسي لو كان صادقا بالفعل، لذهب للخيار القانوني الذي يتيح له الاستقالة دون انتظار التصويت عليها من قبل أعضاء مجلس النواب، بحسب المراقبين.

استخدم الحلبوسي، المادة 12 أولا من النظام الداخلي لمجلس النواب، والتي تنص على: عند تقديم أحد أعضاء هيئة الرئاسة الاستقالة من منصبه، تقبل بعد موافقة المجلس بأغلبية عدد أعضائه الحاضرين.

ولم يستخدم الحلبوسي، المادة 12 ثالثا والتي تنص على: إذا خلا منصب رئيس المجلس أو أي من نائبيه لأي سبب كان، ينتخب المجلس بالأغلبية المطلقة خلفا له في أول جلسة يعقدها لسد الشاغر.

ما وراء الاستقالة؟

ماذا يمكن تفسير خطوة الحلبوسي؟ في البدء، خطوة الاستقالة ضحك على الذقون من حيث جديتها، فهي لا تنم عن رغبة صادقة بترك المنصب، لكنها خطوة تكتيكية يلعبها مع القوى السياسية لكسب ضماناته، بحسب المحلل السياسي، عبد الله الركابي.

حصل الحلبوسي بعد تشكيل “ائتلاف إدارة الدولة”، على ضمانات لمكاسبه، لكنه لا يزال قلقا حتى الآن من إمكانية تنفيذها له من قبل “الإطار التنسيقي”، لذلك لجأ لخطوة الاستقالة غير الجدية، وفق الركابي.

أمس الأحد، أُعلن عن تأسيس “ائتلاف إدارة الدولة”، ويضم جميع القوى السياسية البارزة، كردية وسنية وشيعية، باستثناء “التيار الصدري”، وذلك للمضي بتشكيل حكومة توافقية يتقاسم كعكتها الجميع.

محمد الحلبوسي

يريد الحلبوسي من الاستقالة، كسب ضمانات رسمية له، وتلك الضمانة سيحصلها من خلال تجديد الثقة له كرئيس للبرلمان عبر رفض طلب الاستقالة، وحينها سيعود أقوى من قبل، كما يقول الركابي.

كسب شرعية “الإطار”

المراد من الاستقالة أيضا، كسب شرعية رسمية منه لرئاسة البرلمان من قبل “الإطار التنسيقي” الذي يتحكم بالعملية السياسية اليوم؛ لأن وصوله لرئاسة البرلمان كان من خلال “الكتلة الصدرية”، ولم ينتخبه “الإطار” حينها، وانتخابه من “الإطار” اليوم سيعيد له شرعيته بحسبه، ويؤشر على تنفيذ ضماناته، على حد قول الركابي.

يختتم عبد الله الركابي، أن السياسة مكر ودهاء، وهذا ما فعله الحلبوسي بخطوة الاستقالة؛ لأنه حتى وإن قُبلت استقالته، وهي مستبعدة جدا، فإنه سيكسب جولة معنوية تعزّز حظوظه في الانتخابات المقبلة.

انتخب الحلبوسي رئيسا للبرلمان في 9 كانون الثاني/ يناير 2022، بأغلبية التحالف الثلاثي عبر “التيار الصدري” والكرد والسنة، وامتنع “الإطار” عن التصويت له حينذاك، ثم انسحب “التيار” من البرلمان، وأصبحت الأغلبية بيد “الإطار” بعد ذلك الانسحاب.

ويسعى “ائتلاف إدارة الدولة” لتشكيل حكومة محاصصاتية بأسرع وقت، فيما يستعد الصدريون مع التشرينيين للخروج بتظاهرات كبرى في بغداد في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، رفضا لأي حكومة إطارية؛ لأنها ستسلم العراق بحسبهم إلى طهران بشكل كلي، وبالتالي مصير مشابه للدول التي تقودها إيران.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

صدام مسلّح

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

فشل الأغلبية

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.