خلال اليومين الماضيين، انتشرت أخبار وتقارير لا صحة لها، حول وضع الرئيس الصيني شي جين بينغ، قيد الإقامة الجبرية، وأن الصين في خضم انقلاب عسكري، في حين طال كبار المسؤولين في الصين حملة إقالة من مناصبهم، لتزيد التكهنات وزرع الاضطرابات قبل المؤتمر المهم للحزب الشيوعي الحاكم في الصين، الشهر المقبل، خاصة في ظل التوقعات بمنح الرئيس شي جين بينغ، ولاية ثالثة في حدث غير مسبوق في البلاد.

اعتقالات واسعة؟

صحيفة “الغارديان” البريطانية، قالت إن الأمور اضطربت بعد اعتقال مجموعة من كبار المسؤولين الأمنيين في البلاد بتهم الفساد، ثم انتشرت شائعات، عن وضع الرئيس الصيني شي جين بينغ، تحت الإقامة الجبرية، فزاد الغموض وأحكمت التكتم والريبة هيمنتها على الأجواء السياسية في البلاد.

في الأسبوع الماضي، سجنت محكمة صينية نائب وزير الأمن العام السابق سون ليجون، ووزير العدل السابق فو تشنغ هوا، وقادة سابقين لخدمات شرطة شنغهاي وتشونغتشينغ وشانشي، بتهم فساد. واتُهم فو ورؤساء الشرطة بالانتماء إلى زمرة سياسية اجتمعت لتكون موالية لسون، وللتآمر ضد الرئيس الصيني شي، وفق ما نقله موقع “عربي بوست”.

وبحسب “الغارديان”، تعد حملة الاعتقالات من أكبر عمليات التطهير السياسي في الصين منذ سنوات، وجاءت قبل أسابيع من الاجتماع السياسي الأهم للحزب الشيوعي الصيني، أي مؤتمر الحزب الذي ينعقد مرة كل خمس سنوات، والذي يتم فيه إعادة تنظيم النخبة السياسية، وتولي المناصب المختلفة للسلطة في دولة الحزب الواحد.

هذا وانتشر اسم الرئيس الصيني، شي، وعبارة انقلاب الصين، بشكل موسّع على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما نشرت حسابات للمعارضة الصينية، مقطع فيديو زعمت فيه أن قوات الأمن في طريقها لاحتجاز الرئيس ووضعه قيد الإقامة الجبرية بمنزله، وفق مجلة “نيوز ويك” الأميركية.

قد يهمك: شكل المواجهة بين “الناتو” وروسيا بعد إعلان بوتين التعبئة الجزئية؟

بسبب تغريدة غامضة؟

في المقابل، بدأت الشائعات حول احتجاز الرئيس الصيني في منزله بعد تغريدة نشرتها المعارضة وناشطة حقوق الإنسان الصينية البارزة، جينيفر زينج، يوم الخميس الفائت، لما وصفت بأنه اصطفاف لحافلات لوضع شي، قيد الإقامة الجبرية.

في حين، نشرت وكالة “شينخوا” الصينية الرسمية، يوم أمس الإثنين، خبرا لاحتفال الرئيس الصيني “بمهرجان الفلاحين الصينيين فينج شوي”، الخامس، وأنه التقى بالمزارعين من جميع أنحاء البلاد.

ونشرت “شينخوا”، اليوم الثلاثاء، رسالة تهنئة من الرئيس الصيني إلى الذكرى السبعين لتأسيس الصحيفة الصينية، معربا عن تهانيه القلبية لجميع المديرين التنفيذيين وموظفي الصحيفة.

بدورها، أكدت وكالة أنباء “نوفوستي” الروسية، أن الأوضاع في بكين طبيعية والسكان يمارسون أعمالهم اليومية بشكل اعتيادي، ونافية تماما ما أُشيع من أنباء عن حدوث انقلاب في الصين، واندلاع احتجاجات ضخمة في العاصمة.

في سياق آخر وفي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حذر وزير الخارجية الصيني من أن أي محاولة لعرقلة توحيد الصين “سيتم سحقها” تحت عجلات التاريخ، خلال كلمة أمام أنظار العالم.

تحذير ممثل الصين، جاء بعد أن أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أن على العالم تعزيز السلام ومعارضة الحرب، مضيفا: “أي محاولة لعرقلة توحيد الصين سيتم سحقها تحت عجلات التاريخ”، مؤكدا أن “مبدأ الصين الواحدة قاعدة أساسية في علاقاتنا الدولية”.

وشارك أكثر من 200 ألف شخص يوم السبت الفائت، في وسم موقع “ويبو”، المتعلق بـ”إلغاء الرحلات الجوية بالمطارات في جميع أنحاء البلاد”. وسخر بعض المتابعين من شائعات الانقلاب، منوّهين إلى غياب أي دليل على تحركات للاستيلاء على السلطة في بكين.

هذا وانتشرت الشائعات يوم السبت، حيث أفادت وسائل إعلام هندية وتايوانية، أن الرئيس الصيني وضِع تحت الإقامة الجبرية من قِبل الجيش في بلاده وعزله من السلطة.

قد يهمك: تأثير الحوار السعودي الإيراني على المنطقة

وقوع الانقلاب مستبعدا؟

في المقابل، أفاد درو طومسون، الباحث في كلية “لي كوان يو” للسياسة العامة، لصحيفة الغارديان، إن وقوع انقلاب في الصين ليس بالأمر المستبعد تماما، فقد أشارت أنباء سابقة إلى تخوف الرئيس الصيني من هذا الاحتمال، ومع ذلك فإن الشائعات التي انتشرت مطلع هذا الأسبوع بدت أشبه بضربٍ من “التفكير بالتمني”.

ويبدو أن مصادرها كانت أيضا من حسابات مرتبطة بحركة “الفالون غونغ” المعارضة، والتي يرى طومسون، أنها “حسابات غير موثوقة في الأساس”.

بالإضافة أن طومسون، كتب في تغريدة على منصة “تويتر”: “شائعات اعتقال شي جين بينغ، لديها ما تستند إليه في الواقع، لأن الصين تمر بلحظةٍ سياسية حرجة، علاوة على أن ما شهدته البلاد في المدة الأخيرة من محاكمات وأحكام بالإدانة لمسؤولين بارزين خدموا في الحكومة زمنا طويلا، أسهمت في تأجيج تلك الشائعات ونشرها”.

الجيش الصيني “إنترنت”

ووفق اعتقاد طومسون، فإن وسائل إعلام جماعة “فالون غونغ” كثيرا ما يبالغون، أو يعمدون إلى تسليط الضوء على معارضتهم لشي، والحزب الشيوعي الصيني في تقاريرهم. وما حدث في الأيام الماضية أن “بعض الموضوعات التي لطالما سلطوا الضوء عليها أو الأخبار التي أوردوها تسللت إلى المتابعين من التيار العام”، فتجاوز انتشارها الحدود الطبيعية.

قد يهمك: الدور الهندي في الشرق الأوسط.. استقرار ومصالح جديدة؟

انتخابات “الحزب الشيوعي”

انتشار هذه الشائعات، تزامن مع قرب انطلاق المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي سيعقد في بكين يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر المقبل. وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إن هذا المؤتمر حدث محوري في الدورة السياسية في الصين، وهو اجتماع مصمم للانعقاد كل خمس سنوات، ويجمع حوالي 2300 مندوب نادرا ما يعارضون.

ويستعد مؤتمر الحزب هذا العام لإعادة تعيين شي جين بينغ، كزعيم للصين، بحسب الصحيفة الأميركية، مشيرة إلى أن هذا الاجتماع الكبير سيكشف كذلك عن اتجاه السياسة العامة للصين، وتشكيلة قيادتها المقبلة في وقت يتباطأ فيه النمو في الداخل وتتعمق التوترات في الخارج.

من جانبهم، يرى خبراء غربيون إن مؤتمر الحزب الشيوعي عملية سرية لتوزيع السلطة، لا تعلن نتائجها وما أسفرت عنه من توزيع للمناصب العليا إلا في اليوم الأخير. وقد زادت الحكومة من إحكام سيطرتها على الخطاب العام الداخلي في الأسابيع الأخيرة، وكلما اقترب موعد الاجتماع اشتدت وطأة سحقها لأصوات المعارضة.

هذا وقد غاب شي، عن أعين الجمهور منذ عودته إلى الصين من قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان، الأسبوع الماضي. في حين رجَّح مراقبون أن يكون في الحجر الصحي.

الرئيس الصيني إنترنت”

من جانبها، لم ترد السلطات الصينية على الشائعات، لكن سلطات الأمن العام كانت من بين الذين نشروا نفيا لها تحت وسم “حقيقة ما يقال عن الإلغاء الواسع للرحلات الجوية عبر البلاد”، وقللوا من أهمية الأمر، بدعوى أنها قضية عادية، وهو مطلوب بإجراءات مكافحة وباء كورونا.

أهمية الحزب الشيوعي هذا العام يكمن ما قيل عن تعزيز شي، لسلطته بترقية حلفائه إلى المناصب العليا في البلاد، علاوة على الأخبار بأن الحزب سيعيد إحياء لقب “قائد الشعب”، الذي انقطع استخدامه منذ عهد الرئيس ماو تسي تونغ.

إن الحزب الشيوعي الصيني، قد منح شي، الحق في ولاية ثالثة، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وأصدر قرارا اعتبره فيه شخصية مهمة لنمو الصين اقتصاديا وسياسيا، وهذا القرار وضع شي، على قدم المساواة مع “ماو”، و”دينغ شياو بينغ” مبتكر خطة النمو الاقتصادي السريع للصين، التي امتدت على مدى أربعة عقود.

ولكن على عكس ماو، الذي تمتع بسلطة مطلقة فيما كانت الصين غارقة في وحل الفقر، وتجتاحها حملات داخلية تخريبية- مثل قفزة عظيمة للأمام والثورة الثقافية- يترأس شي جين بينغ، دولة الحزب الواحد التي “تتنامى عدوانيتها وطموحاتها التوسعية”، ويعززها ازدهارها الاقتصادي الممتد لأربعة عقود.

يشار إلى أنه في تموز/يوليو الماضي، انقضت الذكرى 101 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، حقق خلالها إنجازات تاريخية بعد تقلبات ونضال شاق. وتأسس الحزب عام 1921، ويُعدّ الحزب الشيوعي الصيني، هو الحزب السياسي المؤسس والحاكم والمهيمن على جمهورية الصين الشعبية. والحزب الشيوعي الصيني هو الحزب الوحيد الحاكم في البر الرئيسي للصين، ويسمح بوجود 8 أحزاب أخرى فقط، تشارك جميعها في تشكيل الجبهة المتحدة.

قد يهمك: عُمان الدولة الأهدَأ في المنطقة.. ما الأسباب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.