في ظل الحديث عن جلسة مرتقبة للبرلمان العراقي للتصويت على حكومة رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني خلال الأيام القريبة، باتت المعطيات تشير إلى أن تحالف “الإطار التنسيقي” صار أقرب إلى تشكل حكومة جديدة، غير أن اللافت في الأمر استمرار غريمهم زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، الالتزام بالصمت دون إبداء أي موقف.
صمت الصدر يأتي بعد أن أعلن في نهاية آب/أغسطس الماضي، اعتزال السياسة نهائيا على خلفية صراع استمر لأكثر من عام مع تحالف “الإطار” المقرب من إيران، واصل خلاله الدعوة لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، وهو ما لم ينجح فيه بسبب معارضة “الإطار” الذي استمر بالدعوة لحكومة “توافقية“، وهو ما يسعى تحقيقه من خلال تكليف السوداني.
لكن صمت الصدر ما زال يثير التكهنات حوله، لاسيما وأن كتلته النيابية كانت قد حصدت أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وهو ما يثير السؤال إذا ما كان هذا الصمت سيستمر أمام ضياع استحقاقات “التيار الصدري“، مقابل أن تشكل القوى الخاسرة في الانتخابات حكومة جديدة.
أيضا، أن نجاح تحالف “الإطار التنسيقي” بتشكيل حكومة محاصصة، وهي التي كانت إحدى أسباب غضب الشارع العراقي واندلاع احتجاجات عام 2019 التي اجتاحت البلاد، يعني أن جهود الصدر الرامية إلى الإصلاح ستنتهي بفشل ذريع، خاصة بعدما وصلت حدة الصراع إلى مواجهات مسلحة راح ضحيتها العشرات بين قتلى وجرحى من “التيار الصدري“، على خلفية اقتحامهم للمنطقة الخضراء على إثر إعلان زعيمهم اعتزال السياسة، وهو ما تحول إلى صدامات بين القوات المكلفة بحماية المنطقة والتي من ضمنها فصائل مسلحة منضوية في “الحشد الشعبي” وموالية لـ “لإطار“.
كذلك، ما أثار التساؤلات حول دلالات صمت الصدر ما يواجهه “الإطار التنسيقي” من تحديات في تشكيل الحكومة، بحيث أن السوداني الذي توقّع له الكثير سرعة اختيار كابينته الحكومية، لم ينجح منذ تكليفه في الثالث عشر من الشهر الجاري، في حسم اختيار المرشحين لتولي الحقائب الوزارية في حكومته القادمة، بسبب التدافع ما بين القوى السياسية حول الوزارات، وهذا ما فسره البعض فشلا سابقا لآوانه وهو ربما ما يدفع الصدر إلى الصمت يقينا بأن تكرار التجارب الفاشلة سيعود على أصحابه بفشل ذريع، خاصة وأن “الإطار” كان قد وعد بحكومة خَدمية.
اقرأ/ي أيضا: صراع “إطاري” على المؤسسات الأمنية العراقية.. ما الأسباب؟
ما علاقة صمت الصدر بعدم الاتفاق حول حكومة السوداني؟
من بين مؤشرات عدم النجاح، هو عدم التوصل إلى موعد لجلسة التصويت على الحكومة، والتي تم تأجيلها إلى أكثر من موعد منذ تكليف السوداني. بعدما تم تأجيل الجلسة لثلاث مرات، وكان من المفترض أن هناك اتفاق سياسي لجلسة تعقد مساء اليوم الثلاثاء، نفى القيادي في “الإطار التنسيقي“، فادي الشمري، خلال تصريحات صحفية حقيقة ذلك.
وحول ذلك، قال الشمري إن “الانباء التي تتحدث عن وجود اتفاق سياسي على تمرير نصف الحكومة خلال جلسة برلمانية تُعقد مساء اليوم، غير صحيحة ولا يوجد هكذا توجه او اتفاق اطلاقا“، مشيرا إلى أن “يوم الأربعاء المقبل هو الموعد شبه النهائي للتصويت على منح الثقة لحكومة محمد شياع السوداني، والمشاورات الحكومية لرئيس الوزراء المكلف في لمساتها الأخيرة“.
في حين فسر أستاذ العلوم السياسية علي السلامية ذلك، بأنه فشل للقوى المتحالفة حول حكومة السوداني، وهو لربما ما يدفع الصدر للركون إلى خيار الصمت، بقناعة تامة أن هذه القوى السياسية لن تنجح في إدارة المرحلة حتى وإن نجحت في تشكيل حكومة جديدة.
السلامي وفي حديث لموقع “الحل نت“، بيّن أن “القوى السياسة بمختلف مسمياتها التي قبلت في العودة إلى خيار الحكومة التوافقية، ومبدأ المحاصصة لا يمكنها تقديم تجربة ناجحة، وبغض النظر عن إنها كانت فاعلية أو لا، لكن تجربة المحاصصة بحد ذاتها تجربة فاشلة“.
المحلل السياسي أشار إلى أن “القوى التي تؤمن بتجربة رغم فشلها على مدى 19 عاما، هذا يعني أنها لا تؤمن سوى بالحفاظ على ما تجنيه من هذه التجربة وما توفره لها من مكاسب، بالتالي فأنه لا يُنتظر منهم حكومة فاعلة، وهو ما يعني تجدد غضب الشارع العراقي، ولربما لإدراك الصدر بهذه الحساسية قد اختار أن يكون خارج هذه اللعبة مع التمسك بمجريات الأمور التي تبعد البلاد عن الصراعات الداخلية، والتي كانت القوى العازمة على المضي في حكومة توافقية غير مبالية له“.
اقرأ/ي أيضا: ما احتمالات انسحاب رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة؟
الصدر وبراءة الذمة
بالتالي أن “صمت الصدر هو أشبه بفرصة أخيرة، مع أن نتيجتها واضحة ولكنها قد تكون لرفع الحجة عن الزعيم الصدري، سواء على مستوى العقلانية، وعلى مستوى برهنة أنه وتياره ليسوا طامعين بالسلطة“، لافتا إلى أن “التيار الصدري متهم أيضا بكثير من الشبهات، لذلك أن ما يفعله الصدر هو مشروع تبرئة طويل الأمد“.
تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.
العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.
الصراع سببه مهاجمة القوات الأمنية المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها فصائل موالية لـ“لإطار“، ومنضوية تحت راية “الحشد الشعبي“، لأنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” الجناح المسلح التابع للصدر للدفاع عن أنصاره من المتظاهرين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.
جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
الأزمة السياسية وسياقها
الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.
بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.
“إنقاذ وطن“، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.
الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.
سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.
بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.
اقرأ/ي أيضا: تظاهرات ضد “الإطار”.. ولادة متعسّرة للحكومة العراقية الجديدة؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.