بعد 31 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، أصبح لبنان بلا رئيس بعدما فشل أعضاء مجلس النواب اللبناني منذ أسبوعين، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس الحالي ميشال عون، الذي تولى مهامه العام 2016 بعد مرور قرابة العامين من أزمة “الشغور الرئاسي” عقب انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في العام 2014.

محاولات البرلمان اللبناني الأربعة لانتخاب رئيسا لبلد يعيش داخل غرفة العناية المركزة باءت جميعها بالفشل، والسبب عدم تمكن أي مرشح من تأمين أصوات غالبية الثلثين اللازمة دستوريا للفوز، أي ما يعادل 86 صوتا من أصل 128 مجموع عدد النواب، في حين تكرّر مشهد إسقاط نصاب الدورة الثانية بفعل مغادرة كتلة “حزب الله” وحلفائها القاعة.

اقرأ أيضا: حكومة جديدة قريباً في لبنان.. ما دور ميشال عون؟

بعدما أعلن رئيس البرلمان نبيه بري موعدا للجلسة الخامسة لانتخاب رئيس، عاد وتراجع، مؤكدا أنه “سيحدّد التاريخ في وقت لاحق ويبلّغه للنواب”، وهذا التاريخ لم يصل بعد، ليتحول البلد إلى ما يشبه قطار يسير دون سائق ويذهب إلى المجهول.

 هل يدخل لبنان إلى الفراغ الرئاسي للمرة الخامسة في تاريخه. مخاوف شريحة من اللبنانيين هو انعكاس هذا الفراغ على الوضع الاقتصادي المنهار تماما منذ العام 2019، ولعل أبرزها أزمة المصارف وانهيار العملة اللبنانية، وعدم تمكن آلاف المودعين من مواطنين وعرب وأجانب من سحب مدخراتهم إلا ضمن حدود معينة.

لا يوجد تفسير موحّد لاتفاق الطائف

الإشكالية الراهنة تكمن في اختلاف بوجهات نظر بين الأحزاب اللبنانية، حول تفسير المواد المعمول بها في دستور البلاد التي تجيز لكل فريق استخدامها وفقا لأجنداته السياسية الشخصية، بحسب حديث الكاتب والمحلل السياسي اللبناني سركيس أبو زيد، لـ “الحل نت”.

“اتفاق الطائف” تحوّل إلى دستور لبناني ولكن لا يوجد تفسير موحّد لمواده، وفق أبو زيد، مما ترك مجالا للاجتهادات والتناقضات التي يلجأ إليها كل فريق من أجل تبرير مواقفه، ومن سلبيات الدستور اللبناني أنه توجد له تفسيرات مختلفة ومتناقضة بين مختلف القوى السياسية، خلاصة القول هو أنه “لا يوجد دستور لبناني يمكن العودة والاحتكام إليه حتى لا يكون هناك خلافات وتباينات”، بحسب تعبيره.

 تجارب لبنان السابقة مع الفراغ الرئاسي، أثبتت أنها أدخلت لبنان وشعبه في دوامة خلافات كادت أن تفضي إلى حرب أهلية جديدة، وذلك لعدم وجود مرجعية واحدة بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، فكل حزب وكل طائفة من الطوائف الـ 18 لها مرجعيتها وزعيمها، وللأسف أن قدر لبنان الذي لا تزيد مساحته عن 10452 كم2 يوجد فيه هذا الكم من الأحزاب والطوائف.

المشكلة ليست فقط باختيار رئيس للبلاد. إنما في الأصل لم يتم تشكيل حكومة عقب الانتخابات النيابية في شهر أيار/مايو 2022، أي أن البلد يعيش فراغات كبيرة في الوضع السياسي، وتلقائيا ما ينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والأمني على حد سواء، خاصة وأنه دخل مرحلة ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل لبدء استخراج النفط فيما إسرائيل باشرت بذلك منذ أسبوع. هل ينقص الشعب اللبناني الذي هاجر نحو 60 بالمئة من شبابه مشاكل وفوضى وهموم.

إذا لجأ كل فريق إلى تفسير متناقض فهذا يعني سقوط الشرعية، يجيب أبو زيد، وبالتالي من سيقرّر في قيادة الجيش، ومن سيقرّر في الوزارات. استمرار هذا التباين يمكن أن يؤدي إلى إدخال البلاد في فوضى، قد تُفسح المجال أمام اضطرابات أمنية خطيرة تضع مستقبل لبنان واللبنانيين أمام تحديات صعبة.

تاريخ حافل في الفراغ الرئاسي

عرف لبنان بتاريخه الفراغ الرئاسي أربع مرات، وتعاقب على رئاسة الجمهورية اللبنانية منذ الاستقلال 13 رئيسا للجمهوريّة. في العام 1952، برزت معارضة قوية طالبت الرئيس بشارة الخوري بالاستقالة بعد أن انتخب لولاية ثانية. رفض قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب أن يتورط الجيش في هذه المواجهة السياسية وأن يتدخل لصالح أو ضد أي من الأطراف المتنازعة، وعندما أجبر بشارة الخوري على الاستقالة، عيّن اللواء شهاب رئيسا لحكومة انتقالية، مهمتها تنظيم وتأمين انتخاب رئيس جديد.

 لم يعر شهاب آذانا صاغية للمساعي التي عُرضت عليه لتبوّء سدّة الرئاسة، وذلك لقناعته بوجوب إبقاء الجيش بعيدا عن السياسة، وعمد فورا على تنفيذ مهمته الطارئة فبعد أربعة أيام، انتخب كميل شمعون خلفا لبشارة الخوري.

في 22 أيلول 1988 تشكلت حكومة عسكرية بالدقائق الأخيرة من عهد الرئيس أمين الجميّل، برئاسة قائد الجيش آنذاك ميشال عون وتضم الضباط الستة الأعضاء بالمجلس العسكري. بعد ستة أشهر على انتهاء عهد الرئيس السابق إميل لحود انتخب في 25 أيار 2008 ميشال سليمان رئيسا للجمهورية الذي كان قائدا للجيش منذ 21 كانون الأول 1998. منذ 25 أيار 2014 شهد قصر بعبدا الرئاسي والبلاد أسوأ وأصعب فراغ رئاسي، وذلك لمدة عامين تقريبا.

ماذا حصل مؤخرا في جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد. المعارضة المؤلفة من أحزاب سيادية كـ “حزب القوات اللبنانية” و”التقدمي الاشتراكي” و”المستقبل” و”تيار الوطني الحر” و”حركة أمل” ومعهم حليفهم “حزب الله”، إلى جانب “مستقلين” و”تغييريين” لا تزال متعارضة ومتفرقة، وهي فشلت في توحيد الموقف وانقسمت بين كتلة صوتت للنائب ميشال معوض، وكتلة اقترعت بورقة كتب عليها “لبنان”، وكتلة ثالثة تطلق على نفسها تسمية “كتلة التغييريين” اختارت التصويت لسليم إده رغما عنه، أما “حزب الله” الذي تتحدث أوساطه عن شغور رئاسي قد يمتد إلى آذار/مارس المقبل، فلا يزال يصوت أعضاؤه  بالورقة البيضاء لعدم تمكنه من جمع حليفيه اللدودين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والنائب السابق سليمان فرنجية  رئيس جزب “تيار المردة” المتنافسين على رئاسة الجمهورية. إذا “نحن الآن أمام سيرك رئاسي بامتياز ويبدو أن الفراغ سيكون طويلا جدا”.

مصلحتهم فوق مصلحة الشعب

لبنان دخل الفراغ الرئاسي، بسبب تعنت البعض وشهوة السلطة والإصرار على التمسك بالمفاصل الأساسية في البلد على حساب أوجاع ومصائب الشعب، وعدم الاكتراث للتعافي الاقتصادي المنهار. حسابات السلطة هي حسابات نفوذ فقط، بحسب حديث النائب وعضو مكتب السياسي في حزب “التقدمي الاشتراكي” الذي يتزعمه وليد جنبلاط، بلال عبد الله.

نحن كحزب “اشتراكي” نطالب برئيس سيادي مستقل يعيد لبنان إلى عمقه العربي والانفتاح على كل الدول العربية والمجتمع الدولي، كحزب “تقدمي اشتراكي” ناقشنا هذا الموضوع مع بقية الأفرقاء ولكن لم نلقى منهم تجاوب، فكل واحد منهم متمسك بمرشحه، ولذا من جهتنا سنعاود الحوار معهم للاتفاق على اسم رئيس يحمل هذه المواصفات.

عبد الله شدد من وجهة نظر حزبه، بأن أبرز مواصفات الرئيس المقبل للبنان، أن يكون قريبا من المحيط العربي، لأن لبنان منذ 6 سنوات معزولا عن هذا المحيط، بسبب سياسة البعض، ويبدو أن النائب اللبناني يلمح إلى أن على الرئيس الجديد أن يكون على علاقة متينة بالخليج العربي، التي تعتبر عرّابة الدعم للبنان والتي بسبب سياسة “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وتصريحات شخصيات سياسية من الحزبين، إلى جانب ضلوع “حزب الله” في عمليات تهريب المخدرات إلى الخليج” كانت الأسباب لمقاطعة لبنان.

الملف الأول التي نرى من وجهة نظرنا كحزب “تقدمي اشتراكي” ضرورة معالجته، وفق عبدالله، هو ملف هجرة الشباب ومعالجة الإصلاحات الاقتصادية، لأن الوضع لن يكمل بهذا الشكل في لبنان، ويكرر عبدالله “الرئيس الذي نريده هو رئيس له علاقات قوية مع الغرب والشرق، نحن على أبواب حروب كونية ولبنان ليس بمعزل عنهم، لا ينقصه البلد انهيارات، هذا الرئيس الذي نطرحه يجب أن يكون رئيس الخلاص”.

 كلمة الرئيس الأخيرة

في كلمة ألقاها أمام أنصاره فقط الذين زحفوا من عدة مناطق لتوديعه عقب خروجه من القصر، وجّه الرئيس اللبناني السابق ميشال عون سيلا من الاتهامات إلى ما سماها المنظومة الحاكمة في لبنان منذ 32 عاما، من بينها تعطيل القضاء، وتحويل الحكم إلى حكم ثأري، وأكد أن المرحلة المقبلة ستشهد نضالا قويا ينهي الواقع الراهن ويقتلع الفساد، على حد قوله.

فيما يخص الحكومة، وجه عون رسالة إلى مجلس النواب قبل مغادرته القصر الرئاسي، اتهم فيها رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، بعرقلة تشكيل الحكومة الجديدة. وقال إن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، يريد الاستمرار على رأس حكومة تصريف الأعمال، وإنه اختار المراهنة على الوقت في انتظار شغور سدّة الرئاسة.

اعتبر عون أن على الرئيس المكلف الاعتذار عن مهمة تأليف الحكومة حتى تتاح الفرصة لتكليف شخصية غيره تجنّبا لما سماه الفراغ، ودعا البرلمان إلى مناقشة الرسالة التي وجهها له واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإنقاذ لبنان من الأخطار.

قرارات خارج الواقع السياسي والقانوني

خطوة عون ليست مفاجئة، فتاريخه السياسي والعسكري يشهد على مواقف وتصرفات عشوائية سابقة، فطالما فاجأ اللبنانيين بقرارات تأتي من خارج الواقع السياسي والقانوني، بحسب حديث عضو المكتب السياسي في “تيار المستقبل” النائب مصطفى علوش، لـ “الحل نت”.

عون يحاول تفريغ المؤسسات الدستورية من شاغريها، ودفع البلاد من أجل فراغ شامل على مستوى رئاسة الجمهورية والحكومة، بحسب علوش، والذي اعتبر أن “الخطوة التي أقدم عليها عون هي محاولة لدفع لبنان نحو فوضى دستورية قد تتبعها فوضى سياسية وأمنية في الشارع تقود البلاد إلى رهانات أخرى، وبات لزاما على حكومة تصريف الأعمال، أن تسيّر البلاد وتتسلم صلاحيات رئيس الجمهورية بالحدود التي يتيحها لها الدستور”.

أسماء جديدة غير تقليدية

أسماء جديدة برزت لتولي منصب الرئاسة في لبنان، وهي تقليدية نوعا ما أو محسوبة على جهة حزبية ما، مثل سليكان فرنجيه، سليل العائلة الإقطاعية في شمال لبنان وتحديدا في المناطق المسيحية، وهو مدعوم من “حزب الله” و”حركة أمل”، كذلك اسم جبران باسيل صهر ميشال عون والذي يلقى دعما من “التيار الوطني الحر”، فيما اسم ميشال معوض ابن الرئيس اللبناني الراحل رينيه معوض، مطروح لدى حزب “القوات اللبنانية” وجزء من “تيار المستقبل” وقسم من “التغيريين”.

من جهة أخرى ظهرت أسماء جديدة تطرح نفسها لهذا المنصب، إذ تعد السفيرة السابقة لدى الأردن، ​ترايسي شمعون​، المقرّبة من الرئيس الحالي حفيدة الرئيس السابق كميل شمعون، من أبرز الذين أعلنوا ترشيحهم للرئاسة بمؤتمر صحفي في 29 آب/أغسطس، عندما عرضت برنامجها بعنوان “رؤية جديدة للجمهورية”.

سبقها زياد حايك، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للخصخصة، الذي يشغل منصب رئيس الجمعية العالمية لوحدات الشراكة في جنيف التي تنتمي إليها 41 دولة، حيث أعلن في 26 آب/أغسطس ترشّحه وفق برنامج حمل شعار “الازدهار والأمان وكرامة الإنسان”، 

من بين الشخصيات التي تقدمت بترشحها، مي الريحاني، الناشطة في مجال تعليم الفتيات والدفاع عن حقوق المرأة وتمكينها، وهي كاتبة وشاعرة وناشطة في مؤسسات التنمية الدولية ومقيمة في الولايات المتحدة، أما الشخصية الرابعة التي أعلنت ترشحها في 21 أيلول/سبتمبر، رئيس حزب “الإنقاذ البيئي”، بشارة أبي يونس، وفق برنامج رئاسي يحمل عنوان “لبنان: الكيان الرئاسة السلطات”. كما أعلن رجل الأعمال سايد بطرس فرنجية، بمؤتمر صحفي عقده في 16 أيلول/سبتمبر ترشحه إلى الرئاسة، وتعهّد “بإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية الراهنة وجلب الاستثمارات الخارجية”.

قد يهمك: تقدم على مستوى تشكيل الحكومة وترسيم الحدود في لبنان

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.