مسألة حياة أو موت. هكذا كان مصير غابات الأمازون طوال فترة الانتخابات الرئاسية البرازيلية الأخيرة؛ لأن الانتخابات هي من تقرر مستقبل الغابات الأكبر مساحة في العالم.

الانتخابات الرئاسية البرازيلية، كانت محتدمة بين لولا دا سيلفا، وجايير بولسونارو في جولة الإعادة نهاية الأسبوع الماضي. الأول صديق للبيئة والثاني عدوها، وبالتالي فإن مصير غابات الأمازون كان قد يكون الموت المحتم لو فاز الأخير، لكن الحياة عادت لها بعد فوز لولا برئاسة البرازيل.

لولا هو مرشح اليسار التقدمي، بينما كان بولسونارو الرئيس السابق، مرشح اليمين المتطرف، وهو أول رئيس برازيلي لم ينجح بحصد ولاية ثانية له في رئاسة البلاد، بينما عاد لولا ليحكم البرازيل للمرة الثالثة في تاريخه.

سياسات بولسونارو شكّلت عبئا وخطرا على البيئة، ففي عهده وتحت إشرافه سُجلت أعلى معدلات إزالة غابات في منطقة الأمازون منذ 15 عاما، بينما قام دا سيلفا بسن سياسات لحماية غابات الأمازون.

أهمية غابات الأمازون

برنامج لولا الانتخابي، شمل مبادرات “خضراء”، مثل تقديم قروض للمزارع الملتزمة بمعايير البيئة، فضلا عن وعده بتدعيم المؤسسات المعنية بشؤون البيئة والمناخ وزيادة ميزانياتها، إضافة إلى تعهده الالتزام بأهداف “اتفاقية باريس” العالمية للمناخ.

حكم لولا البرازيل بين عامي 2003 و2010، وكان السجل البيئي للرئيس القديم الجديد، شهد انخفاض معدل إزالة الغابات بنحو نسبة الثلثين: من 21.650 كيلو متر مربع عام 2003 إلى 7.000 كيلو متر مربع عام 2010.

تعد الأمازون أكبر غابة مطيرة استوائية في العالم وموطنا لمزيج من الكائنات الحية المتنوعة، وأشجارها وتربتها تشكل إحدى أهم أحواض الكربون وموارد المياه العذبة على كوكب الأرض.

تشير الدراسات، إلى أن الأنشطة البشرية دفعت أجزاء من الغابات المطيرة، لتتحول من مصفاة طبيعية للكربون تنقي الجو منه إلى مصدر له، بمعنى أن بعض أجزاء هذه الغابة المطيرة باتت تبعث في الجو ثاني أوكسيد الكربون، بنسبة أكثر مما تمتصه منه.

خلال فترة ولاية لولا الأولى من 2003 إلى 2006، تراجعت إزالة غابات الأمازون بنسبة 43.7 بالمئة، بحسب “ماب بيوماز” وهي مبادرة تسعى للمساهمة بفهم تحولات الأقاليم، من خلال رسم خرائط الغطاء الأرضي واستخداماته في البرازيل، أما خلال فترة ولاية لولا الثانية التي استمرت حتى عام 2010، فقد انخفضت النسبة بنحو 52.3 بالمئة.

تغير هذا التوجه بشكل كبير في عهد بولسونارو، وسار في الاتجاه العكسي، حيث ارتفعت نسبة إزالة الغابات بنسبة 72 بالمئة خلال ولايته، إذ قامت إدارة بولسانارو بتفريغ وكالات حماية البيئة، مما أعطى مساحة أكبر للاستيلاء غير القانوني على الأراضي من قبل المطورين.

قُطعت الكثير من الغابات المطيرة لاستغلال الأراضي لرعي الماشية، بهدف تصدير لحوم البقر والمنتجات الزراعية الأخرى، وتعرض في عهد بولسونارو المدافعون عن البيئة في منطقة الأمازون، إضافة إلى المدافعين عن السكان الأصليين والصحفيون، للهجوم والقتل.

بلغة الأرقام، تخزن الأمازون والغابات الاستوائية الأُخرى ما بين 90 و140 مليار طن من الكربون، وتمثل غابات الأمازون المطيرة وحدها 10 بالمئة من إجمالي الكتلة الحيوية للكوكب.

كما توفر غابات الأمازون أكثر من 10 آلاف نوع من النباتات، وتحتوي على مكونات فعالة للاستخدام الطبي أو مستحضرات التجميل أو المكافحة البيولوجية للآفات.

إلا أن هذه الرئة الخضراء لكوكب الأرض تواجه الكثير من المخاطر وفي مقدمتها إزالة الأشجار، حيث تم قطع 3988 كيلومترا مربعا في حوض نهر الأمازون بين شهري كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو الماضيين.

تدمير بولسونارو للأمازون

خطر آخر يضاف إلى تلك المخاطر، ويتمثل في انتشار الحرائق، إذ رصد “المعهد الوطني لأبحاث الفضاء” في البرازيل، أكثر من 12 ألف حريق في منطقة الأمازون في الفترة من الأول إلى الرابع من أيلول/سبتمبر الماضي فقط.

لولا هاجم خصمه بولسونارو في حملته الانتخابية، واتهمه بتدمير البيئة عبر إزالة غابات الأمازون، ووعد بالحفاظ على البيئة حال فوزه بالرئاسة، متعهدا بجعل البرازيل رائدة في محادثات المناخ العالمية، وبعد فوزه بدا واضحا أنه لن يتراجع عن اهتمامه بالبيئة.

ما يُدلّل على ذلك، تصريح سيلسو أموريم، كبير مستشاري الرئيس البرازيلي لولا للسياسة الخارجية أمس الاثنين، بأن الرئيس البرازيلي المنتخب حريص على حضور قمة الأمم المتحدة للمناخ “كوب 27” التي تستضيفها مصر في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، رغم أنه لن يتسلّم مهامه كرئيس للبلاد قبل أن يحل العام الجديد.

تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، نُشر في تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، أفاد بفقدان الجزء البرازيلي من الأمازون غابات تعادل مساحة العاصمة البريطانية لندن، خلال أيلول/سبتمبر الماضي وحده.

المرصد الحكومي البرازيلي قال للصحيفة، إن غابات الأمازون فقدت 1455 كيلومترا مربعا من مساحته خلال أيلول/سبتمبر الماضي، بمعدل زيادة 47 بالمئة في معدلات التجريف مقارنة بشهر أيلول/سبتمبر من عام 2021.

مدير المرصد مارشيو إستريني، قال إن حكومة بولسنارو عملت كآلة تدمير للغابات، وأن عصابات الأخشاب والصيادين عملوا بأقصى جهدهم لتحصيل ما يمكن من الغابات قبل نهاية حقبة بولسونارو الرئاسية.

حقبة 4 سنوات من حكم الرئيس البرازيلي السابق، شهدت تدهورا شديدا في غابات الأمازون، تضمنت قطع ملياري شجرة وصيد قرابة 90 مليون طائر و308 حُمر برية.

إستريني قال، إن زوال حكومة بولسونارو أمر مهم للبرازيل، وذلك للحفاظ علي الأمازون ومحاربة تغير المناخ، فيما أضاف أن التجريف بالأمازون زاد بنسبة 4 بالمئة لهذه السنة بأكملها، مقارنة بالسنة الماضية.

من جهتها قالت مانويلا ماتشادو، من “مركز وودويل” لأبحاث المناخ، إن شق الطرق عبر الغابات وقطع الأشجار وإشعال الحرائق غير القانوني، انتشر بشكل غير معقول في عهد بولسونارو، مشدّدة على أن الأولوية للرئيس المنتخب لولا دا سيلفا، يجب أن يكون هدفها الحد من إزالة الغابات.

ماتشادو أردفت، أن المهمة الرئيسية لحكومة لولا الجديدة، تتمثل في استعادة الوكالات والمنظمات غير الحكومية، التي تعمل على الأرض لحماية أراضي السكان الأصليين، وكذلك غابات الأمازون المطيرة المحمية.

فوز لولا ضرورة للعالم؟

في عام 2019، وهي السنة الأولى من حكم بولسونارو، شهدت البرازيل أعنف موجة من حرائق الغابات، وأعلنت السلطات أن الأمازون شهدت أكثر من 72 ألف حريق، بارتفاع بنسبة 83 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018.

تقرير لموقع “التلفزيون العربي”، قال إن غابات الأمازون ليست مهمة للبرازيل فقط، بل هي كذلك للعالم أجمع، حيث هي مسؤولة كل عام عن امتصاص 5 بالمئة من انبعاثات الكربون، “وفي حالة عدم المقدرة على امتصاصها عن طريق هذه الغابات، فيجب إيجاد وسيلة آُخرى لامتصاصها”.

العام الماضي، تسارعت وتيرة إزالة الغابات بأكثر من 20 بالمئة في البرازيل، حيث قطعت نحو 18 شجرة في الثانية في غابات الأمازون في عام 2021، وفق تقرير لشبكة “مابيوماس” التي تضم منظّمات غير حكومية وجامعات وشركات معنية بالتكنولوجيا.

البرازيل خسرت 16 ألفا و557 كيلو مترا مربعا (1.65 مليون هكتار) من مساحات الغابات الأصلية في عام 2021، أي مساحة أكبر من إيرلندا الشمالية، بحسب التقرير الذي بيّن أن “الغابات أزيلت بوتيرة 111.6 هكتار في الساعة أو 1.9 هكتار في الدقيقة، أي ما يوازي قَطع 18 شجرة في الثانية.

الكاتبان في صحيفة “واشنطن بوست”، غريغ سارجنت وبول والدمان، قالا إن خسارة جايير بولسونارو في الانتخابات الرئاسية البرازيلية، منحت العالم بصيصا من الأمل فيما يخص أزمة المناخ التي تتفاقم يوما بعد يوم.

كان بولسونارو عيّن وزيرا للخارجية ناكرا لأزمة المناخ، ورافضا لمخاوف الاحتباس الحراري، التي وصفها بأنها مؤامرة من قبل الماركسيين الثقافيين، كما رفض البيانات الواردة من وكالات حكومته بشأن إزالة الغابات ووصفها بأنها أكاذيب، بل وسخر من مخاوف المناخ ووصفها بأنها “ذهان بيئي”.

تقرير لموقع “يورو نيوز”، نقل عن خبير المناخ والطاقة في “جامعة برينستون”، جيسي جينكينز، قوله إن “نتائج الانتخابات البرازيلية إلى جانب الخطوات التي تقوم بها الولايات المتحدة بشأن المناخ، تأثيرهما معا على مستقبل الطاقة يمكن أن يكون ضخما (…) خصوصا وأن أكبر كتلتين الولايات المتحدة وأوروبا، تضاعفان من عملية الانتقال للطاقة النظيفة، والآن تضاف البرازيل معهما بعد فوز لولا”.

في السنوات الثلاث الماضية، أي خلال عهد الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو، بلغت المساحات المشجّرة التي قطعت في البلاد نحو 42 ألف كيلو متر مربع، أي تقريبا مساحة ولاية ريو دي جانيرو بأكملها، وارتفع المعدّل السنوي لإزالة الغابات في الأمازون بنسبة 75 بالمئة خلال عهد بولسونارو مقارنةً بالعقد الماضي.

فوز لولا في الانتخابات الرئاسية البرازيلية، كان ضرورة من أجل مصلحة العالم الذي لا يستطيع تحمل 4 أعوام أخرى من حكم رئيس برازيليّ معادٍ للبيئة، ولذا سيكون على لولا البدء بمواجهة تركة بولسونارو التشريعية أولا، ومنها القانون الذي تم تمريره في مجلس النواب، والذي يشرعن فعل من دمّروا أشجار الأمازون لأغراض تربية الماشية، خاصة وأن القانون موضوع على لائحة الانتظار لينظر “مجلس الشيوخ” فيه، وفق “يورو نيوز”.

في النهاية، فإن نتائج الانتخابات الرئاسية البرازيلية، حدّدت مسار غابات الأمازون وأنقذت العالم بشكل عام من خطر بيئي كبير على يد بولسونارو، لكن هذا لا يعني أن مسيرة لولا لإنقاذ الأمازون ومواجهة تغير المناخ ستكون مفروشة بالورود؛ لأن التركة ثقيلة جدا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.