بعد زهاء 7 عقود من السِّلم، بالضبط منذ الحرب العالمية الثانية، ها هي اليابان تتوجه إلى التسليح وتوسيع جيشها وتعزيز قدراته العسكرية، فما علاقة الصين بذلك التحرك.

طوكيو تشعر بالقلق من انتهاك بكين للمعايير الدولية والضغط على تايوان، فضلا عن التحديث العسكري الصيني السريع الذي اعتبرته تهديدا أمنيا خطيرا، ما دفعها لتحديد الصين باعتبارها خصمها الرئيسي.

في الواقع، ثمة معارضة شعبية لتوسيع الجيش الياباني وتسليحه، لكن “العدوان الصيني” المتزايد في المنطقة، أدى إلى زيادة المخاطر بالنسبة لليابان كجار قريب لتايوان التي تهدّد بكين بغزوها، مما أضعف المعارضة الشعبية اليابانية لإعادة التسلح، وفق تقرير لموقع “تي آر تي” عربي.

تهديد الصين قريب من اليابان

75 عاما قضتها اليابان وهي بحالة سلم، خاصة وأن دستور البلاد قيّد أذرع طوكيو خلف ظهرها ومنعها من الولوج إلى مجرد التفكير بالحرب، لكن رئيس الوزراء الحالي فوميو كيشيدا، يتبنى نهجا لزيادة قوة بلاده الدفاعية لكبح جماح بكين.

كيشيدا قال في “حوار شانغريلا” الأمني في سنغافورة الأسبوع الماضي، “أنا مصمم على تعزيز القدرات الدفاعية لليابان بشكل أساسي في غضون السنوات الخمس المقبلة، وتأمين زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع اليابانية اللازمة لتفعيل ذلك”.

بحسب تقرير لوكالة “رويترز”، فإنه بين المؤتمر العشرين لـ “الحزب الشيوعي” الصيني الذي عُقد مؤخرا، والمؤتمر المقبل في عام 2027، ستجري اليابان أكبر حشد للأسلحة منذ الحرب العالمية الثانية، في سباق لردع بكين عن الحرب في شرق آسيا.

نائب سكرتير مجلس الوزراء في مكتب رئيس الوزراء الياباني كويشيرو ماتسوموتو، قال لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، إن التهديد الذي تمثله الصين أصبح قريبا من اليابان؛ بسبب قرب تايوان من البلاد، مشيراً إلى أن هناك تفاوتا عسكريا بين الصين وتايوان يزداد عاما بعد عام.

اليابان أعلنت اعتزامها تعزيز قوتها الدفاعية الصاروخية في ظل ازدياد القدرات العسكرية للصين، فيما قال وزير الدفاع الياباني ياسوكازو هامادة، إن اليابان تعتزم تعزيز دفاعات البلاد بحلول عام 2027 وتعزيز قدرتها على محاربة أي غزو.

في تموز/يوليو الماضي، فاز رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في انتخابات مجلس الشيوخ على المستوى الوطني، مع تعهده بزيادة الإنفاق الدفاعي “بشكل كبير”. ووعد حزبه الديمقراطي الليبرالي الحاكم، بمضاعفة الميزانية العسكرية إلى حوالي 10 تريليونات ين (68 مليار دولار) في غضون 5 سنوات.

من المتوقع أن يكشف كيشيدا عن تفاصيل خطط الإنفاق العسكري في كانون الأول/ديسمبر 2022، إلى جانب استراتيجية أمنية مجددة، ومن المتوقع أن تمنح هذه الاستراتيجية اليابان دورا أمنيا إقليميا أكبر، إلى جانب الولايات المتحدة، التي لديها آلاف الجنود ومئات الطائرات وعشرات السفن الحربية المنتشرة في اليابان.

ثالث أقوى قوة عسكرية

الحزب الحاكم طالب بضرورة رفع الإنفاق الدفاعي من حوالي 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي -وهو منخفض بالمعايير العالمية- إلى 2 بالمئة على غرار الدول الأعضاء بحلف “الناتو”، لكن الحكومة لم تحدد هدفا محددا بعد، في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي لليابان نحو 5 تريليونات دولار العام الفائت 2021.

حسب موقع “آرمي تكنولوجي”، فإن اليابان إذا حققت أهداف ميزانيتها في السنوات الخمس المقبلة، فستنتقل البلاد من خامس أو سابع أقوى قوة عسكرية، من حيث القوة النارية أو الإنفاق الدفاعي على التوالي، إلى المركز الثالث في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.

لم تؤد تصرفات كوريا الشمالية، بما في ذلك تجربتها الصاروخية الأخيرة التي مرت بأجواء اليابان، وما قيل عن نيتها إجراء تجربة نووية، إلى أي تغيير مهم لتركيز اليابان على الصين، حسبما نقلت “رويترز” عن بونجي أوهارا، الزميل البارز في مؤسسة “ساساكاوا للسلام”، والملحق العسكري السابق في سفارة اليابان بالصين.

من جهته قال نائب سكرتير مجلس الوزراء في مكتب رئيس الوزراء الياباني كويشيرو ماتسوموتو، لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، إن تهديد الصين أصبح قريبا من اليابان أكثر من أي وقت مضى.

التوازنات الدبلوماسية والاقتصادية الدقيقة لليابان مع جارتها الكبرى الصين، تعني أنه من غير المرجح أن تلتزم طوكيو بالدفاع المباشر عن تايوان، ولكن مع وجود أقرب أراضي اليابان على بُعد نحو 150 كيلومترا من تايوان، فقد تنجذب إلى صراع مع الصين التي تنفق على جيشها أكثر من 4 أضعاف ما تنفقه اليابان، بحسب “عربي بوست”.

مسؤول حكومي ياباني منخرط في التخطيط، طلب عدم نشر اسمه؛ لأنه غير مخوّل بالتحدث إلى وسائل الإعلام قال، إن الصين قد تحاول الاستيلاء على جزر يابانية قريبة من تايوان لإقامة دفاعات جوية، وصد أي هجوم مضاد.

الصين ألقت عدة صواريخ في المياه التي تبعّد أقل من 160 كيلومترا من تلك الجزر في آب/أغسطس 2022، خلال تدريبات أجرتها بكين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان.

تطوير الأسلحة الصاروخية

في استطلاع للرأي، نشرته هيئة الإذاعة والتلفزيون العامة اليابانية هذا الشهر قال، 55 بالمئة من 1247 يابانيا شملهم الاستطلاع، إنهم يؤيدون زيادة الإنفاق الدفاعي، مقارنة بـ 29 بالمئة ممن عارضوا ذلك، ومن بين أولئك الذين يدعمون جيشا أقوى، قال 61 بالمئة، إن على اليابان أن تدفع ثمن ذلك من خلال خفض الإنفاق العام.

الخطة العشرية لليابان تتضمن توسيع القدرات الدفاعية في أنظمة أسلحة بعيدة المدى، أي أسلحة ذات طابع هجومي في تغير كبير لعقيدة البلاد العسكرية ذات الطابع الدفاعي، في وقت اعتبرت وزارة الدفاع اليابانية صواريخ المواجهة والطائرات المسيّرة، ضرورية لحماية البلاد في المستقبل.

كذلك تسعى اليابان إلى نشر صواريخ فرط صوتية في غضون السنوات الـ 10 القادمة، التي يمكن أن تنطلق بسرعة 5 أضعاف سرعة الصوت، وهو مجال تتفوق فيه اليابان بشكل كبير.

كجزء من هذه الأهداف، تخطط طوكيو لتقديم نسخة جديدة من صاروخ كروز الحالي (الأرض-سطح) المضاد للسفن من طراز “تايب 12″، المطوّر محليا بمدى ممتد بحلول عام 2026، حسبما ورد في تقرير لموقع “أوراسيان تايمز”.

صاروخ طراز “تايب 12″، الجديد سيحتوي أيضا على تقنية تتيح للصاروخ تلقي معلومات الاستهداف عبر اتصالات الأقمار الصناعية أثناء الطيران، مما يحقق مزيدا من الدقة ضد الأهداف المتنقلة، وسيتم تطويره في إصدارات يتم إطلاقها من السفن والطائرات، بالإضافة إلى الإصدار التقليدي الذي يتم إطلاقه من الأرض في السنوات القليلة المقبِلة.

الحكومة اليابانية تعتزم نشر نحو 1000 من هذه الصواريخ طويلة المدى، بشكل رئيسي من “جزيرة كيوشو” الجنوبية، إلى سلسلة “جزر نانسي”، حيث يمكنهم حتى الوصول إلى كوريا الشمالية والمناطق الساحلية في الصين.

حسب “رويترز”، لن تكتفي اليابان بتطوير سلاحها الصاروخي، حيث تتحرك البلاد حاليا نحو تعزيز قدرات طائراتها الهجومية من دون طيار أيضا، وأول علامة على ذلك هي ميزانية الدفاع في البلاد للسنة المالية 2023، والتي تشمل تمويل الأبحاث حول أداء وتصميم الطائرات من دون طيار الهجومية الصغيرة التي تنتجها دول أخرى.

ميزات عسكرية عديدة

اليابان تبذل أيضا جهودا لتطوير أسلحة الذكاء الاصطناعي، وأنظمة التحكم في الطيران عن بُعد اللازمة لاستخدام الطائرات المسيّرة القتالية بشكل أكثر فعالية، وتم تجهيزها بأجهزة استشعار تمكّنها من التحرك بشكل مستقل ومعالجة البيانات المرسلة من الكاميرا على الفور لتحديد موقعها الجغرافي.

الأسلحة الفرط صوتية سيتم تزويد بنوعين من الرؤوس الحربية، أحدهما للأهداف المحمولة بحرا، والآخر للأهداف البرية. الأول سيكون رأسا حربيا خارقا للدروع لاختراق سطح حاملة الطائرات، وستتألف نسخة الهجوم الأرضي من مقذوفات متعددة ذات كثافة عالية ومتفجرة.

وزارة الدفاع اليابانية، خصصت أيضا موارد لتطوير قدرات مكافحة الأسلحة فرط الصوتية، وسيتم تخصيص جزء كبير من ميزانية الدفاع لعام 2023 لتطوير تكنولوجيا كوكبة الأقمار الصناعية، والتي تعالج البيانات من خلال شبكة من الأقمار الصناعية الأصغر، وفق “أوراسيان تايمز”.

في كانون الأول/يناير من هذا العام، تم الكشف عن أن اليابان تعمل أيضا على تطوير “مدافع سكك حديدية كهرومغناطيسية”، قادرة على إطلاق مقذوفات بسرعة 7 ماخ (7 أضعاف سرعة الصوت)، لاعتراض الصواريخ المعادية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت شديدة المناورة.

المشاريع العسكرية اليابانية تشمل تطوير مقاتلة نفاثة جديدة ستبدأ العمل في ثلاثينيات القرن الحالي، ومن المرجح أن يتم دمجها مع مشروع الطائرة الشبحية البريطانية الإيطالية السويدية المشتركة “تبموبيست” الذي تقوده لندن.

لدى اليابان عدة ميزات في الجوانب العسكرية، أهمها أنها واحدة من أكثر دول العالم تقدما، وهي تنتج بعضا من أفضل الأسلحة في العالم، من حيث التكنولوجيا والجودة والريادة، بما في ذلك تقديمها أول رادار “أيسا” في العالم، وواحدة من أكثر الدبابات تقدما، وهي “الدبابة تايب 10”.

مما سبق، يمكن القول إن اليابان تستطيع بناء جيش شديد التقدم والكفاءة من الناحية التقنية، ولكنه لن يضاهي الصين في عدد الجنود، غير أن تعزيز طوكيو لجهود التسليح، إضافة إلى طابع البلاد الجغرافي الجزري الوعر، سيجعل اليابان عدوا شرسا للصين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.