“الكمية التي توزعها الحكومة السورية سنويا على المواطنين من مازوت التدفئة تكفي لعشرين يوما فقط، والتوزيع يتم على دفعتين وكل دفعة 50 ليترا، وموسم الشتاء طويل لا يقل عن ثلاثة أشهر فكيف يمكن أن يدبر الناس أنفسهم ويحمون أطفالهم من برد الشتاء، هذا ما يجب أن تسأله الحكومة نفسها قبل أن تخصص كمية 100 ليتر فقط لكل عائلة”.

“كل عام نواجه نفس المعاناة، نحمل البيدونات بين أيدينا ونقف لساعات طويلة في الطابور للحصول على عشرة لترات من المازوت من محطات الوقود وبالسعر الحر، أي حوالي 6 أو 7 آلاف ليرة سورية، وهذا يفوق القدرة المالية لعامة الأهالي وبات مصدر قلق لهم حقيقة. أنا عن نفسي وعائلتي، في شتاء هذه السنة لا أعرف كيف سأدبر تكلفة المازوت، إنه مرهق ماديا ونفسيا”، هكذا يشرح السيد وليد التيني لـ”الحل نت”، معاناته مع رحلة البحث عن وسائل التدفئة في فصل الشتاء كل عام.

سواء بدأ فصل الشتاء أم لا، يبدو أن الأمر لم يعد يهم الكثيرين، ليس لشيء، ولكن لأنهم لم يتبق لهم سوى تلك المشاهد التي عادة ما تكون أمام المدفأة في المنزل، أو وسائل أخرى لم يكن يحمل أحد همها مهما كانت مكلفة، فخلال السنوات الماضية ارتبط السوريون بمشاهد من ساعات طويلة يقضونها في محاولة للتغلب على البرد والصقيع الذي يتسرب عبر كل مسام إلى أجسادهم وهم في منازلهم، التي لا تصلها الكهرباء إلا ساعات معدودة كل يوم.

رحلة بحث مضنية

مع اقتراب الشتاء كل عام، سرعان ما يبدأ المواطن السوري بحثه الدؤوب عن وسائل تدفئة في ظل زيادة ساعات التقنين الكهربائي، والانخفاض الحاد في مخصصات المحروقات، وقلة واحتكار الحطب من قبل التجار والسماسرة، وغيرها من المنغصات التي تحول بينه وبين الدفء. وحقيقة الأمر لا يبدو أن التقنين الكهربائي وحده هو ما يحول بين المواطن وبين هذه المدافئ، وإنما أيضا ارتفاع أسعارها في السوق إلى درجة بات اقتناؤها بالنسبة للكثيرين حلما بعيد المنال، لا سيما وأن القدرة الشرائية للمواطنين في انخفاض مستمر قياسا بالغلاء الذي تشهده مختلف السلع في الأسواق، فضلا عن هذا الغلاء الفاحش بأسعار وسائل التدفئة الكهربائية، شهدت جميع أسعار الملابس الشتوية هي الأخرى غلاء مماثلا، لم يكن بالحسبان، وفق تقرير لصحيفة “الثورة” المحلية، مؤخرا.

وليد التيني (67 عاما)، المنحدر من أحد أحياء محافظة اللاذقية يروي معاناته مع رحلة البحث كل عام عن وسائل التدفئة لعائلته، فيضيف “الدفعة الأولى التي نحصل عليها من الحكومة تقدر بـ 50 ليترا، وهو ما يكفي لعشرة أيام فقط، وباقي أيام السنة أقضي نصف وقتي في رحلة البحث عن كمية ولو قليلة من المازوت، في سبيل تدفئة عائلتي وحمايتهم من برد الشتاء، وخاصة الأمراض كثيرة في الشتاء”.

الرجل الستيني، وهو موظف حكومي وراتبه لا يتعدى الـ160 ألف ليرة سورية، يردف في حديثه، “كل عام أصرف ما يقدر بـ 1.5 مليون ليرة سورية فقط على مازوت التدفئة، والحقيقة أنني إما أعمل بعمل إضافي، سواء أعطي دروسا خاصة للطلاب أو في أعمل على سيارة أجرة مقابل أجر ما، أو أتدين من قريب لي موجود في الخارج، وفي الواقع، لم أسدد هذا الدين منذ عامين. وفي كل عام أتدين منه، وهو يعلم الوضع السيئ والرديء في سوريا، وبالتالي يمد إلينا يد العون، ويقدر ظروفنا، ولا يطلب دينه ويقول لتنفرج على الناس بالبلد، ولولاه لكان وضعنا في الويل في كل شتاء”.

قد يهمك: “قاطعناها من زمان“.. انخفاض الاستهلاك يهدد صناعة الألبان والأجبان في سوريا

معاناة السوريين

في المقابل، تتحدث صفاء، وهي أم وربة منزل عن معاناتها مع فصل الشتاء والغلاء بالقول، “حاليا كما نرى بدأوا بتوزيع الحصة الأولى من مادة المازوت، ولا ندري متى نحصل عليها لأننا كنا من المحظوظين في استلام الدفعة الثانية نهاية الشتوية الماضية، وإذا افترضنا أن الحظ حالفنا بعد شهر أو أكثر لا ندري، فهل كمية الـ ٥٠ ليتر كافية لدرء البرد عن أجسادنا طيلة فترة الشتاء”، وفق ما  نقلته صحيفة “الثورة” المحلية.

صفاء تردف في حديثها، “أعتقد أن الأمر صعب للغاية، وهذا ما يضطرني كل شتاء إلى شراء عدد أكثر من المعاطف الشتوية ليتسنى للأولاد تبديلها طيلة الفترة، ولكن هذا العام تبدو الأسعار غير مناسبة بالنسبة لنا ولذلك غالبا ما نلجأ إلى الإستدانة لتغطية ما أمكن من متطلبات فصل الشتاء”.

أما أبو محمد، وهو يعمل في أعمال حرة، يتحدث للصحيفة المحلية، فيقول “لم يعد بإمكاننا الاعتماد على المازوت، حيث يصل سعر الليتر في السوق السوداء إلى نحو ٦ آلاف ليرة أو أكثر، وتحتاج العائلة خلال العام إلى نحو ٢٥٠ – ٣٠٠ ليتر بالحد الأدنى، أي ما ثمنه مليون ونصف المليون أو مليوني ليرة، وبالطبع لن يتمكن أحد من توفير هذا المبلغ خاصة إذا كان موظفا لا يتعدى راتبه الـ 125 ألف ليرة”.

هذا وليس محمد استثناء، كون معظم المواطنين لا يمكنهم تخصيص هذا المبلغ لأغراض التدفئة، وبالتالي لا يمكنهم الاعتماد على المحروقات أو الحطب، ولا على الكهرباء نتيجة للتقنين الجائر.

قد يهمك: غلاء الملابس المدرسية في العراق.. “حتى البالَة تضرب بالعالي”

ما الحلول؟

أمام كل هذه المعاناة اعتاد المواطن سواء في حلب أو غيرها من المحافظات السورية على ابتكار الحلول والبدائل للتدفئة تحت ضغط التقنين الكهربائي ونقص المخصصات من مادة المازوت، ومن تلك الحلول الرائجة كان استعاضتهم عن مدافئ الوقود والكهرباء بمدافئ الحطب، ولكن من الصعب بمكان أن يلجأ المواطن إلى هذا الخيار هذا الشتاء لأن سعر طن الحطب كما علمنا يفوق المليون ليرة، ويعود سبب ارتفاع أسعار الحطب إلى عدة عوامل أهمها منع الاحتطاب والاحتكار، وزيادة تكلفة النقل وغيرها.

أبو شادي، (58 عاما)، أحد سكان ريف اللاذقية، يقول في حديثه لـ”الحل نت”، “أنا لدي مدفئة حطب منذ ثلاثة سنوات، وقد استغنيت عن مدفأة المازوت، ذلك لأن المازوت من جهة نادرة التوفير في المحطات وثانيا لأنها غالية وتفوق قدرتي المادة، حيث أنني موظف وراتبي لا يتجاوز الـ154 ألفا”.

أبو شادي يضيف في حديثه، “خلال السنوات الماضية، كنت أجمع الحطب من الأشجار في الغابات التي تحيط بقرانا، ولكن هناك مخالفة لمن يجمع الحطب دون أذن الدولة، وفي الحقيقة شراء الحطب يتطلب مبلغ كبير، يعادل سعره اليوم سعر مازوت التدفئة، فالطن الواحد من الحطب يقدر بنحو مليون ليرة سورية”.

أبو شادي يشتكي من تضيّق الحياة على السوريين عاما بعد عام، ويشكو كغيره من السوريين من عدم توفر وسائل التدفئة للمواطنين سواء كهرباء أو مازوت التدفئة أو حتى الحطب، وكيف يتلاعب التجار والسماسرة بهذه الأمور بينما الحكومة تقف عاجزة عن فعل أي شيء أو وضع الحلول التي تخفف من الوضع التعيس الراهن، وكيف يعاني الناس كل شتاء.

في حين كانت مخصصات العائلة من مادة المازوت خلال السنوات الماضية ٢٠٠ ليترا توزع دفعة واحدة بداية فصل الشتاء، أصبحت منذ عامين على دفعتين دون أن تطال الجميع، وفي كل دفعة يصرف ٥٠ ليترا فقط، وهو ما لا يكفي أي عائلة مهما اختصرت لأكثر من نصف شهر، أما أسطوانات الغاز، فهي الأخرى معضلة ثانية، فبعد أن أضحت تباع عبر تطبيق “وين” بموجب الدور الذي قد يستغرق حاليا نحو 80 يوما، لتحصل على جرة واحدة فقط مهما بلغ عدد أفرادها، وبذلك يصعب أيضا الاعتماد على مدافئ الغاز، فضلا عن الوسائل الأخرى كحرق الأمتعة والكرتون والنايلون وسواها، التي تتسبب بدون شك بالكثير من الأذى وتلحق الضرر بصحة من يستخدمها، خاصة كبار السن والصغار.

في اتصال هاتفي أوضح مدير فرع محروقات بحلب المهندس عبد الإله الندمان، أن نسبة توزيع المازوت المنزلي وصلت إلى نحو 17-16 بالمئة، أي حوالي 5 مليون ليتر تقريبا، منوها للصحيفة المحلية أن هذه النسبة تعتبر مقبولة ضمن الإمكانات المتاحة، لافتا إلى أن هناك ٤٤ طلبا وكميتها 900 ألف ليتر من مخصصات مازوت التدفئة تم تعزيزها لتحسين التوزيع.

الندمان أردف في حديثه أنه يتم توزيع حوالي 24 ألف ليتر يوميا ضمن الخطة الموضوعة، إضافة إلى التعزيز الأسبوعي، وأن الخطة اليومية لتوزيع المنزلي يبلغ حوالي 20 بالمئة من مخصصات حلب من المازوت.

قد يهمك: “بسوريا ما في ربح”.. فرار جماعي للمقاولين؟

أزمة خانقة في النفط

تعاني البلاد من شح كبير، في المواد النفطية، بعد تراجع الإمدادات من إيران، في حين فشلت الحكومة في التغلب على هذه الأزمة، لتأمين المحروقات المخصص للشتاء، المفترض توزيعها خلال هذه الفترة.

بين الفينة والأخرى، تعلن الحكومة عن وصول ناقلة نفط إلى السواحل السورية قادمة من إيران، لكن هذا التزود المضاف إليه الناتج المحلي، لا يسد حاجة الاستهلاك المحلي، الذي لا يقل عن 150 ألف برميل يوميا، في حين تنتج دمشق نحو 30 ألف برميل فقط.

هذا وكانت الحكومة السورية، قلصت حصة الأسرة من التدفئة، العام الماضي، من 200 لتر إلى 50 لترا، والتوقعات هذا الشتاء تصب في عدم رفع الكمية، بدليل تأخر وصول رسائل تسليم المازوت بالسعر المدعوم، الأمر الذي دفع السوريين للبحث عن بدائل مبتكرة لمواجهة برد الشتاء.

أزمة المحروقات ترافقها بالطبع أزمة في الكهرباء، حيث وصلت ساعات التقنين في بعض المناطق إلى عشرين ساعة يوميا، وسط توقعات بتفاقم الأزمة خلال فصل الشتاء، نتيجة ارتفاع متوقع في الاستهلاك.

في خضم هذه الأزمات، اتجهت بعض العائلات الميسورة إلى تخزين الحطب، لاستخدامه في مواجهة برد الشتاء، والذي شمله هو الآخر ارتفاع الأسعار خلال الأسابيع الماضية.

بالنظر إلى ارتفاع سعر الطن الواحد للحطب إلى 600 ألف ليرة وتوقعات تجار الأخشاب، الذين يؤكدون أن السعر لن يظل ثابتا بعد دخول فصل الشتاء، ولكنه سيشهد ارتفاعا يتناسب طردا مع موجات البرد والصقيع، لا تزال الأخشاب تتصدر قائمة وسائل التدفئة الأكثر سهولة في الاستعمال والأكثر دفئا، رغم أنها ليست الأكثر اقتصادا للجيب، وخاصة بالنسبة للأشخاص ذوي الدخل المحدود.

بحسب تقارير محلية سابقة، فإن سوق بورصة حقيقية ظهرت في سوق المدفأة المستعملة داخل سوريا، حيث تحول معظم سكان المدن من المدافئ الأساسية إلى تلك التي تحرق الأخشاب، وأدخلوا إلى المدينة سخانات تعمل بالحطب من الريف.

لكن ما واجهه المواطنون هذا العام، كانت ارتفاع تكلفة طن الحطب، ما كبّدهم خسائر متزايدة، إذ استغل تجار الحطب الذين انتعش سوقهم خلال السنوات الأخيرة لاسيما مع هجرة الفلاح لأرضه بعد تكبّده خسائر متزايدة وتركه أشجار الحمضيات، والتفاح عرضة للتحطيب من قبل شبكة تتجول خلال هذه الأشهر في القرى لاصطياد زبائن ممن لا حول ولا قوة، حيث وصل الطن إلى مليون ليرة سورية.

قد يهمك: ارتفاع أسعار الألبسة في سوريا.. “مين بيشتري اليوم؟”

قطاع الكهرباء “متهالك”

مدير المؤسسة العام لنقل وتوزيع الكهرباء في دمشق هيثم الميلع، قال إن “وضع التقنين الكهربائي خلال الشتاء القادم مرتبط بحوامل الطاقة وبالتالي إذا كان هناك مردود إضافي بحوامل الطاقة فسنشهد تحسنا، ونحن نسعى دائما لوضع كافة الإمكانيات لتحسين الواقع الكهربائي“.

الميلع أردف في تصريحات لإذاعة “المدينة إف إم” المحلية، في وقت سابق “الحماية الترددية موجودة في كل المحطات الكهربائية في العالم، وإذا كان حجم التوليد بنفس حجم الاستهلاك فلا تعمل الحماية، أما إذا كان التوليد أقل من الاستهلاك فتعمل مباشرة وتؤدي لحدوث الفصل”.

أما في إطار تبريره أعطال محتملة قادمة في التغذية الكهربائية، ختم حديثه قائلا، “توليد الكهرباء مرتبط بحوامل الطاقة ونحن بدورنا في المؤسسة نوزع الطاقة المولدة على المواطنين، فإذا زاد الاستهلاك أكثر من الكمية سنواجه انقطاع بالكهرباء بالتأكيد“.

قد يهمك: “البيضة بـ500 ليرة”.. قطاع الدواجن يُحتضر في سوريا

مدافئ سبيرتو

في سياق متّصل، بيّن عدد من أصحاب المحال أن مدافئ السبيرتو لم تصل بعد إلى أسواق المحافظة، وتبقى معروضة على صفحات مواقع التواصل فقط، مبيناً أنه عند سؤال التجار في دمشق تم التأكيد بأنها آمنة وأسعارها مناسبة ولكنها لا تدفئ إلا لمحيط أمتار قليلة عنها فقط، مؤكداً بأنه ربما خلال شهر قد تدخل أسواق اللاذقية والمحافظات الأخرى.

مع تخفيض حكومة دمشق لكميات المحروقات الموزعة للعوائل السورية بأسعار مدعومة خلال فصل الشتاء، شهِدت الأسواق السورية تصنيع مدافئ بديلة، أبرزها المدفأة التي تعمل بواسطة مادة الكحول كبديلة عن المازوت، وسط غياب الرقابة على صناعتها وتحذيرات للعديد من الجهات من مدى خطورة تشغيلها في المنزل.

المدافئ الجديدة انتشرت في الأسواق، وسط تحذير من مخاطر تشغيلها في المنازل، في حين غابت الرقابة الحكومية على صناعتها، ومواصفاتها، وفيما إذا كانت آمنة التشغيل أو لا.

صحيفة “تشرين” المحلية، نقلت في وقت سابق عن مصدر في اتحاد حرفيي دمشق، تأكيده أن عدد من مصنّعي هذه المدافئ، انضموا للاتحاد مؤخرا، مشيرا إلى أن، “الاتحاد غير معني بمراقبة مدى جودة صناعة المدافئ أو مدى درجة أمانها، هذا الموضوع تتكفل به بالدرجة الأولى، حماية المستهلك“.

بدوره أوضح معاون مدير حماية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بريف دمشق بسام شاكر، للصحيفة المحلية، مؤخرا، أن كل مادة تُطرح في الأسواق ومن ضمنها المدافئ يتم فحصها من ناحية الجودة ومدى مطابقتها للمواصفات وكذلك من ناحية الأسعار، لافتا إلى أن سعر المادة يتم تحديده، وفقا لبيان التكلفة مرفقة بالفواتير اللازمة وهوامش الربح.

في العموم إن أزمة الكهرباء والوقود في سوريا تتفاقم يوما بعد يوم، دون أن تتمكن الحكومة ووزارة الكهرباء من إيجاد أي حلول، ولا توجد سوى الوعود بالتخفيف من التقنين على الرغم من اقتراب فصل الشتاء، إلا أن الأمور لم تزدد إلا سوءا، ولذلك كان لا بد للمواطنين من البحث عن بدائل تمكّنهم من متابعة حياتهم كشراء الحطب، أو إعادة إحياء وسائل التدفئة القديمة.

قد يهمك: خريجو الجامعات السورية وسوق العمل.. جدل حول التوظيف والتنازل في سبيل لقمة العيش

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.