سعر “الجاكيت النسائي” يعادل دخل الموظف.. المنتج السوري أغلى من التركي؟

قطاع صناعة الألبسة في سوريا، يشهد انحدارا غير مسبوق بسبب ارتفاع أسعار الأقمشة، وقلة إنتاج القطن السوري، في ظل فشل الحكومة عن إيجاد آليات من شأنها مساعدة العاملين في الخطوط الإنتاجية للألبسة، رغم العديد من المطالب التي تقدموا بها للحكومة، لكن لا حياة لمن تنادي.

عاملون في قطاع إنتاج الألبسة، أكدوا أن القرارات الحكومية ساهمت إلى حدّ كبير في كبح جماح العجلة الإنتاجية، كما كان لها دور بارز في ارتفاع أسعار الألبسة السورية، كذلك فإن عدم ثبات سعر الصرف جعل المنتج السوري أغلى من منتجات الأسواق في الدول المجاورة، خاصة البضائع التي تدخل بشكل مهرّب عبر الأراضي التركية.

المنتج السوري خارج المنافسة

عضو مجلس إدارة غرفة صناعة حلب محمد زيزان، أشار إلى أن المنتج السوري فَقَد قدرته على منافسة منتجات الدول المجاورة نتيجة ارتفاع أسعار الأقمشة والخيوط في البلاد، مشيرا إلى أن هناك دراسة لوضع أسعار المواد الأولية التي تُباع من قبل الحكومة للمنتِجين.

عن دور القرارات الحكومية، أكد زيزان في تصريحات نقلتها إذاعة “ميلودي إف أم” المحلية،  أن الرسوم المفروضة على المواد الأولية المستوردة، رفعت التكاليف بنسبة 40 بالمئة، ما أفقد المنتج السوري قدرته على المنافسة، فضلا عن البضائع التي تدخل بشكل مهرّب إلى الأراضي السورية وتنافس كذلك المنتج المحلي.

زيزان تحدث عن ارتفاع أسعار الألبسة بشكل لا يتناسب أبدا مع دخل المواطن السوري، معتبرا أن السبيل الوحيد لحل مشكلة ارتفاع أسعار الألبسة، هو رفع القدرة الشرائية للمواطن، مشيرا إلى أن سعر تكلفة الجاكيت النسائي يبلغ حاليا مئة ألف، ما يعادل الحد الأدنى للرواتب في سوريا.

فقدان محصول القطن الاستراتيجي

بالحديث عن ارتفاع الأسعار وقلة المواد الأولية، فإن أحد أبرز أسباب هذه المشاكل فقدان سوريا لمحصولها الاستراتيجي من القطن، وفشل الحكومة في إيجاد آليات ودعم المزارعين بهدف استمرارهم في زراعة القطن.

عضو مجلس إدارة صناعة دمشق مهند دعدوش، قال إن سوريا لم تتمكن من مواكبة التقدم والتقنيات في مجال صناعة الألبسة، وذلك بسبب عدم استيراد الصناعيين للآليات الحديثة خوفا من عدم قدرتهم على بيع منتجاتهم، نتيجة ضعف السوق في سوريا، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الناتج بالدرجة الأولى عن الضرائب والجمارك المرتفعة.

دعدودش أكد كذلك في تصريحات للإذاعة المحلية، أن الألبسة أصبحت في قائمة “الكماليات” بالنسبة لمعظم السوريين، حيث أن الحلول معقدة بشكل كبير، لأن الحل يكمن في زيادة دخل المواطن، وهذه الزيادة قد تتبعها زيادات أخرى في أسعار السلع وبالتالي الحل معقّد.

تراجع زراعة القطن في سوريا، ساهم إلى حد كبير من تفاقم معاناة العاملين في قطاع صناعة الألبسة، حيث كانت المصانع تعتمد بشكل كبير على القطن القادم من الأراضي الزراعية السورية، ورغم سماح الحكومة للتجار باستيراد القطن من الخارج، إلا أنها فرضت ضرائب بنسب كبيرة ما رفع تكاليف الإنتاج على المصانع.

مشكلة التصريف

دعدوش اعتبر أن المشكلة الأبرز التي تعاني منها المصانع، هي تصريف المنتجات، خاصة وأن الأسواق المحلية تشهد انخفاضا قياسيا في معدلات الطلب نتيجة ارتفاع الأسعار مقارنة بمتوسط دخل المواطن، كما أن عمليات التصدير تواجه منافسة قوية من قبل البضائع التركية التي شبّهها بـ”البعبع” كون الصناعة التركية تعمل في ظروف طبيعية.

تجدر الإشارة إلى أن زراعة القطن في سوريا انحدرت إلى مستويات قياسية خلال السنوات الماضية، فبعد أن كان محصول القطن في صدارة المحاصيل الاستراتيجية التي يعتمد عليها الاقتصاد، تحولت سوريا من  بلد الوفرة بإنتاج القطن، إلى بلد الندرة والاستيراد.

​​قد يهمك: “أنا بهولندا وصورة جوازي بحجاب“.. جدل واسع بعد خلع مريم حجابها في “النار بالنار”

من أبرز ملامح تراجع الاهتمام الحكومي بقطاع زراعة القطن، مناقشة الحكومة هذا العام قضية تعليق زراعة القطن في البلاد، ما يعني تهديد قطاع زراعة القطن بشكل كامل، بعد أن تراجعت العام الماضي مساحة زراعة القطن إلى أقل من 10 بالمئة، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عام 2011.

زراعة القطن في سوريا تراجعت إلى هذه المستويات، بسبب عجز الحكومة السورية عن تأمين مستلزمات الزراعة والإنتاج للمزارعين، فأصبحت الزراعة غير مجدية للفلاحين، وسط تكاليف مرتفعة وأسعار منخفضة، حيث بدأ مزارعو القطن يستثمرون في زراعات أكثر جدوى.

مزارعون عملوا سابقا في زراعة القطن، أكدوا أن السياسة المعتمدة في تسعير المحاصيل لم ترقَ لمستوى الحفاظ على المحاصيل الاستراتيجية وهي السبب الأساسي في تدهور قطاعي زراعة القطن والشوندر، كذلك فإن توقف زراعة القطن يعطل تطبيق الدورة الزراعية المتكاملة، فأصبح القمح المحصول الاستراتيجي الوحيد المعتمد في الخطة الزراعية وتكرار زراعته بالأرض نفسها سيؤدي إلى تراجع مردوديته وبالتالي فشل زراعته هو الآخر.

محصول القطن انحدر خلال السنوات القليلة الماضية إلى نحو 950 طن سنويا فقط، بعد أن كان يتجاوز 700 ألف طن قبل عام 2011، في حين أن كل المعطيات الحالية تشير بمستقبل أسوأ، حيث لا خطط حكومية لإنقاذ المحاصيل التي كانت الحكومة السورية تقول عنها استراتيجية، وتعود بعوائد كبيرة على الاقتصاد السوري.

ونتيجة لهذا الانحدار في قطاع الألبسة وارتفاع الأسعار، يلجأ السوريون إلى أسواق الثياب المستعملة المعروفة باسم “البالة” في أسواق العاصمة دمشق، وقد شهدت هي الأخرى ارتفاعا كبيرا في الأسعار، وأصبحت كسوة الشتاء عبئا يتحمله المواطن فوق أعبائه، وتحولت فكرة التسوق من متعة إلى حيرة في كيفية اقتناء الملابس بعد معرفة أسعارها الصادمة خاصة لذوي الدخل المحدود الذين يعتبرون أسواق “البالة” خيارا بديلا لهم يلجؤون له لغلاء الألبسة محلية الصنع. 

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي،  لفت إلى أنه على الرغم من الازدحام الذي تشهده الأسواق، فإن الكثيرين غير قادرين على دفع مبالغ كبيرة، حيث أن أسعار الثياب الشتوية قفزت نحو الضعف وهذا أدى إلى توجه أغلب الناس لشراء الملابس من النخب الثاني أو الثالث من “البالة”، إذ تراوح سعر الجاكيت العادي في سوق الشيخ سعد بالمزة بين 30 و50 ألف ليرة سورية.

أما ملابس الأطفال في أسواق “البالة” لا تقل ثمنا عن أسعار ملابس الكبار، إذ يبدأ سعر أفرول لعمر ثلاث سنوات بـ 50 ألف ليرة سورية، أما سعر كنزة شتوية لطفل بعمر سنتين 40 ألف ليرة سورية، وسعر بنطال جينز لنفس العمر يتراوح بين 35 و50 ألف ليرة سورية. التقرير نقل عن مواطنين سبب تفضيلهم ملابس “البالة” على المنتجات السورية، بأنها ذات نوعية جيدة ويمكن لبسها لعدة سنوات، لكن أسعارها هذا العام فاقت مقدرة معظمهم على شرائها.

لا يبدو أن هناك حلا تعمل عليه الحكومة السورية، لحل معضلة الفجوة بين تكاليف صناعة الألبسة وقدرة السوريين على شرائها، بل أن جميع المعطيات تقول إن استمرار الوضع كما هو عليه سيتسبب بخروج المزيد من المنتجين من خطوط الإنتاج، بسبب خساراتهم المتتالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات