حلول لتحسين المعيشة بدون زيادة الأجور.. الحكومة السورية جاهزة لتطبيقها؟

مع زيادة تدهور الوضع المعيشي في سوريا، ووصول سعر الدولار الأميركي إلى أكثر من 7500 ليرة سورية للدولار الواحد، تزداد وتيرة الحديث عن حلول مجدية لتحسين الواقع المعيشي  في البلاد، وسط عجز الحكومة عن تطبيق أي زيادة في معدلات الرواتب والأجور للعاملين في القطاع الحكومي.

خبراء وباحثون في الاقتصاد السوري أكدوا في وقت سابق أن الحكومة السورية عاجزة عن تطبيق أية آليات من شأنها تحسين الوضع المعيشي، وهي ترفض الاعتراف بذلك وتقدم الوعود المتعلقة بتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، أما بالنسبة لزيادة الرواتب، فتطبيق هكذا قرارات سيكون بمثابة الضربة القاضية لأسعار مختلف السلع والخدمات.

زيادة الأجور في المرحلة الحالية ستعني بشكل أو بآخر زيادة الأسعار بنفس النسبة وربما أكثر، وذلك لعدم وجود خطة مجدية تخدم قطاع التجارة والصناعة بما يضمن زيادة معدلات الإنتاج، وبالتالي تمكين المواطن من شراء المزيد من السلع والخدمات بعد الزيادة.

حلول بديلة

في ظل فشل فكرة زيادة معدل الأجور والرواتب في تحسين الأوضاع المعيشية، طرح خبراء في الاقتصاد السوري حلول أخرى، لتحسين القدرة الشرائية للسوريين، بدون التطرق لزيادة الرواتب، ما يطرح التساؤلات حول جاهزية الحكومة السورية لتطبيق هذه الحلول خلال الفترة القادمة.

تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، تحدث عن ضرورة تخفيض أسعار الأعلاف للدواجن والأبقار، حيث إن انخفاض سعر طن العلف، سيعود نتائجه بشكل إيجابي على أسعار الفروج والبيض واللحوم الحمراء فضلا عن انخفاض أسعار الألبان والأجبان، بالتالي تمكين المواطن من التوجه بشكل أوسع إلى هذه المواد.

تقرير الصحيفة المحلية استند إلى حديث الخبير الاقتصادي جورج خزام، الذي أكد أن انخفاض سعر العلف، سيسمح  للمستهلكين بمضاعفة الكميات التي يستطيعون شراءها بالمبلغ المخصص لها نفسه، وإذا كان الشخص يشتري شهريا 2 كغ لحمة و2 كغ فروج، فبعد انخفاض السعر سيتمكن بالمبلغ السابق نفسه من شراء 3 كيلو من كل نوع.

قد يهمك: المطاعم السورية تئن.. رواتب الموظفين تجبرهم على تجاهل وجبات الإفطار الجاهزة؟

كذلك ستخدم هذه الفكرة قطاع الإنتاج، حيث أن انخفاض الأسعار سيؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة معدلات الطلب على هذه المواد، وبالتالي زيادة عدد المداجن وزيادة عدد مربي الأبقار وزيادة الإنتاج، وتصدير الفائض و الاستغناء عن استيراد الحليب البودرة، ومعه انخفاض البطالة و انخفاض سعر صرف الدولار.

عن كيفية تأمين الأعلاف بأسعار مناسبة، أشار التقرير إلى “اقتراح تقديم طلب رسمي لإحدى الشركات الروسية لإنتاج الأعلاف وأن تفتح فرعاً لها في سورية، أو أن تقوم وزارة الزراعة، أو وزارة التجارة الداخلية باستيراد العلف من روسيا القادرة على إيصاله لأرض المرفأ لأسباب تتعلق بالأمن الغذائي للبلد و إغراق السوق بالعلف بسعر التكلفة”.

تأمين الكهرباء

بعيدا عن الأعلاف، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن تأمين الكهرباء للقطاعات الصناعية، سيساهم في توفير نسبة جيدة من تكاليف إنتاج مختلف السلع الأساسية، وبالتالي انخفاض أسعارها في الأسواق بما يخدم القدرة الشرائية للمستهلك في سوريا.

تأمين الكهرباء، سيؤدي كذلك إلى انخفاض الطلب على المحروقات في السوق السوداء لتشغيل المولدات والتدفئة، ما يعني انخفاض سعره، “ويصبح هناك عدم جدوى لبيع المازوت من قبل مالكي وسائل النقل العامة المتسربة وعودتها للخدمة”، ما يعني أن تأمين المزيد من كميات الكهرباء سيؤدي إلى إنعاش الأسواق المظلمة.

ولعل ما يتحدث عنه خبراء الاقتصاد في سوريا، من حلول مجدية لتحسين الوضع المعيشي في سوريا، ليس ببعيد عن أعين مسؤولي الحكومة، لكن المعضلة تكمن في إمكانات الحكومة لتنفيذ هذه الحلول، فضلا عن وجود إرادة حقيقية لدى المسؤولين في دمشق، لتحقيق هدف تحسين معيشة المواطن.

بنظرة بسيطة على أبرز قرارات الحكومة المتعلقة بالاقتصاد، لا نرى أي رغبة حقيقية لتحقيق هذا الهدف، بل على العكس فإن قرارات الحكومة الأخيرة جميعها تصب في زيادة معاناة المنتجين، ورفع الدعم عنهم، بالتالي اضطرارهم إلى رفع أسعار منتجاتهم النهائية ما ينعكس سلبا على المستهلك.

بالحديث عن الكهرباء، فإن أكثر من 7 سنوات مضت، على بدء الحكومة السورية إطلاق وعود مختلفة تتعلق بتحسين التيار الكهربائي، في حين لم يتم تنفيذ أيّا منها، فما زالت بعض المناطق السورية الخاضعة لأدارة الحكومة في دمشق، تعيش يوميا نحو 20 ساعة من الظلام، ما يضطر الأهالي وأصحاب المتاجر والمصانع إلى استجرار الكهرباء من المولدات المحلية، وتحمل أعباء مالية إضافية.

الحكومة السورية عادة تلجأ إلى زيادة الرواتب والأجور، كنوع من “إبر المخدر” للمواطن، والتي تترافق عادة مع زيادة مماثلة في أسعار السلع والخدمات الأساسية.

الحكومة في دمشق تبدو عاجزة عن السيطرة على الأزمات الاقتصادية المختلفة، ولو كان بيدها أدوات اقتصادية حقيقية، لحاولت الحفاظ على قيمة العملة المحلية من الانهيار، وبالتالي أوقفت الزيادات الخيالية في أسعار السلع والخدمات، التي لم يعد المواطن يتحملها، وكان هذا الخيار الأفضل من ترك الاقتصاد ينهار ومن ثم اللجوء إلى رفع الرواتب 20 و30 بالمئة.

عجز حكومي

تحسين الواقع المعيشي للسوريين، يتطلب بحسب مختصين في الاقتصاد إلى وجود رؤية وخطة واضحة لتحسين واقع الإنتاج بمختلف قطاعاته، فضلا عن تحسين البنية التحتية وتأمين الخدمات الأساسية، بما يخدم القطاع الإنتاجي، وبذلك تتحرك العجلة الصناعية ويزداد الطلب على اليد العاملة، بالتالي يمكن الحديث عن تحسن في الواقع المعيشي للسوريين، لكن كل ما سبق فشلت دمشق في تحقيق الأدنى منه.

وفي تأكيد على عدم جدوى الذهاب إلى فكرة زيادة الأجور، رأى  الخبير الاقتصادي والمصرفي عامر شهدا في تصريحات لـ”تشرين” أن أي زيادة للرواتب في ظل التضخم الجامح هي زيادة خُلّبية، لأن التضخم وارتفاع الأسعار سيمتص الزيادة ونعود لنقطة البداية.

لا يبدو أبدا أن تحسين الواقع المعيشي للسوريين هو من أولويات الحكومة السورية، خاصة وأنه رغم كل المعاناة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، ما تزال لدى الحكومة العديد من الأوراق لتحسين واقع الصناعة والإنتاج في البلاد، لكن يبدو أن الجهود الحكومية تذهب لتحقيق أهداف أخرى، تخدم أولويات السلطة بعيدا عن هدف خدمة المواطن وتحسين واقعه المعيشي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات