بعد الارتفاع المهول بتكاليف المعيشة في سوريا، ووسط تدني الرواتب والأجور، لجأت نسبة كبيرة من العائلات السورية إلى مِهن تبدو غريبة على المجتمع السوري، مثل “تعقيب المعاملات”، وانتشار ظاهرة “المطابخ المنزلية” بالإضافة إلى التسويق الإلكتروني والعمل من داخل المنزل، من أجل تأمين سُبل عيشهم وتغيير واقعهم الاقتصادي الهش إلى مستويات تتناسب مع الواقع المعيشي الصعب الحالي.

في الآونة الأخيرة، برزت أعمال جديدة لجأ إليها المواطن في سوريا من أجل تحسين دخله المعيشي، ومن بين تلك الأعمال مهنة بيع النباتات الطبية والعطرية والأعشاب المعروفة التي تنمو في هذا الوقت من كل عام، خاصة في المناطق الجبلية مثل ريف دمشق ومحافظة القنيطرة الغنية بهذا النوع من النباتات. يبدو أن ثمة مِهن أخرى ما زالت الأزمة السورية ستكشف عنها في الفترات المقبلة مع تدهور الوضع الاقتصادي الذي ليس هناك ما يؤشر بوجود تحسّن أو انفراجة فيه.

زيادة الطلب على النباتات البرية

نحو ذلك، لجأت نسبة كبيرة من العوائل في القنيطرة وريف دمشق الغربي في ظل الوضع المعيشي الصعب واعتماد الكثير من العوائل على الوظيفة الحكومية كمصدر دخل وحيد إلى مهنة بيع النباتات الطبية والعطرية والحشائش المعروفة والتي تنمو في هذا الوقت من كل عام، لتحسين دخلها ووضعها المعيشي، على اعتبار أن منطقة الجولان غنية بهذا النوع من النباتات.

إحدى المواطنات تقول إن الطلب اليوم على الحشائش والنباتات البرية كبير بسبب رخصها مقارنة من الخضروات وغيرها من المواد الغذائية، حيث يلجأ الكثير من العوائل إلى طلب الخبيزة والمرار والعلت “العليجة” والرشاد والقرة وغيرها من خيرات الأرض والتي تكون طبيعية وخالية من الملوثات أو السماد، مؤكدة أن نبات البابونج يأتي في مقدمة المبيعات كونها مادة طبية وتُستخدم في كثير من الحالات العلاجية، وفق ما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء.

هذا وتنمو في سهول محافظة القنيطرة الكثير من النباتات البرية العطرية والطبية والغذائية الجولانية مثل النّفل والبريدة والدّودحان “الدحنون” أي شقائق النعمان، والأقحوان والقرّام والخرفيش والخبيزة واللوف والعلقة “العليق” أي التوت البري والبَختري والمِرار والعِلت أي الهندباء وغيرها، وإنه في السابق كانت النباتات الطبية والغذائية تُقدم مجانا وهدايا للأقارب والمعارف، أما اليوم وبسبب الظروف المعيشية الصعبة لجأت كثير من العوائل إلى امتهان بيع النباتات الطبيعية كمصدر دخل لها، وخاصة في شهر رمضان حيث تكثر المصاريف والنفقات.

قد يهمك: عزوف عن شراء “الشاورما”.. أيقونة الأطباق السورية مهددة بالانقراض؟ – الحل نت

الخبراء يرون أنه بسبب الأوضاع المعيشية الخانقة التي يعيشها غالبية السوريين اليوم، نتيجة ارتفاع الأسعار بشكل مستمر، واستمرار فقدان الأجور والرواتب من قيمتها المستحقة بسبب الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، فإن الراتب الوظيفي حتما لا يكفي لمصاريف الأُسر، بل بات يكفي ليومين فقط.

هذا الأمر ككل وفق تقديرات المراقبين دفع بالعديد من السوريين إلى البحث عن تأمين احتياجاتهم من خلال مصادر دخل جديدة، ومثلما هو متداول فقد باتت مهنة “تعقيب المعاملات” والتسويق الإلكتروني، وبعض الأعمال الأخرى التي أنتجتها الأزمة على مدى السنوات الماضية، مثل لجوء الشباب إلى العمل في تنظيف البيوت وشطف البنايات.

بجانب اعتماد نسبة كبيرة من السوريين على الحوالات المالية التي يرسلها المغتربون، واليوم اعتماد الناس على بيع الحشائش بغية تأمين مصدر دخل آخر ليس بأمر جديد، وربما في الفترات المقبلة تظهر مِهن أخرى.

كذلك، تواكب الإناث سوق العمل الرائج الحالي، لذلك خصصت بعض الفتيات ركنا صغيرا في منازلهن لعرض مستحضرات التجميل والسلع النسائية برأس مال صغير وخطوات ترويجية بسيطة مؤمنة بصفحتها على منصات التواصل الاجتماعي مثل “انستغرام” و”فيسبوك”، بهدف تأمين نفقاتهم الشخصية سواء كُنّ طالبات جامعيات أو غيرها ولكي تؤمنّ بعضا من الدعم لأسرهم، بحسب بعض الآراء من الداخل السوري.

أكثر من ألف صنف نباتات

في السياق، أوضح معاون مدير زراعة القنيطرة عبدالله شرارة، أنه وعلى الرغم من صغر مساحة الجولان إلا أنها غنية بالنباتات الطبيعية، ففيها أكثر من 1000 صنف من النباتات التي تنمو بتلقائية، ويعود هذا التنوع النباتي إلى عوامل عدة أهمها الموقع الجغرافي والتنوع التضاريسي من جبال وسهول وأودية وأغوار جعل من تنوع النباتات شيئا فريدا.

إضافة إلى أن توزع النباتات الطبيعية يرتبط بالمناخ والتربة ارتباطا وثيقا، مبينا أن أبناء الجولان كانوا يستخدمون النباتات الطبية في علاجاتهم “الطب العربي” ومن أهمها الخشخاش والحرمل والروتا والمصيص الحمم والزعتر والجعدة والقيصوم والطيون والشيح وكيس الراعي والبابونج والكتيلة والبصيل وإبرة العجوز وحيلدان وغيرها.

قد يهمك: زلزال سوريا يولد هزات اقتصادية مدمرة.. فقدان الوظائف المؤقتة يرتفع إلى النصف؟ – الحل نت

بالنظر إلى ارتفاع تكاليف الاستطباب والأدوية، في الحقيقة فإنه من المعروف اعتماد الأهالي على أدوية العطارين، والطب البديل “العربي” الأكثر شعبية بين المواطنين، وخاصة ذوي الدخل المحدود والمتدني. ولهذا فإن تجارة هذه الحشائش مربحة نوعا ما ويوجد إقبال كبير عليها، سواء لفوائدها الصحية أو لرخص ثمنها مقارنة بأخرى.

وعود حكومية “رنانة”

شرارة زعم اهتمام مديرية الزراعة في تنفيذ مشاريع لزراعة النباتات الطبية والعطرية لتحسين الأمن الغذائي الأسري بالتعاون مع “برنامج الأغذية العالمي” و”اتحاد النحالين العرب”، حيث تم توزيع منحة الزعتر لنحو 400 عائلة في قرى وريف المحافظة الشمالي والجنوبي بهدف تمكين العوائل والأُسر من تحسين سُبل العيش لديهم وزيادة دخلهم وتشجيعهم على الزراعات الأُسرية وتحقيق اكتفاء ذاتي وتسويق الفائض عن الحاجة للأسواق المحلية.

كذلك، أكد شرارة على افتتاح مدارس للنباتات الطبية والعطرية في الوحدات الإرشادية لتطوير زراعة النباتات الطبية والعطرية ودعمها من خلال تسويقها وترويجها وفتح باب التمويل والإقراض وإقامة الدورات والندوات التخصصية والأبحاث والدراسات اللازمة لتنمية هذه الزراعة كونها تحظى بأهمية كبرى لاستزراعها بشكل اقتصادي، خاصة في الحدائق المنزلية، ومن قبل السيدات الريفيات لتمكين هذه الأسر اقتصاديا، والاستفادة منها بالاكتفاء الغذائي المنزلي، مشددا على إمكانية تطوير زراعة النباتات الطبية، وزراعة أصناف جديدة كالكمون وحبة البركة والزنجبيل وإكليل الجبل والختمية والريحان وغيرها.

تشجيع ودعم الأهالي فيما يخص هذه الزراعات يُعدّ أمرا جيدا، ولكن إن صدقت المؤسسات الزراعية الحكومية بتنفيذ وعودها وليس فقط أن يكون كلام نظري مدوّن على الورق فقط، ذلك لأن هذه المؤسسات نفسها ادّعت وأطلقت العديد من الوعود للمزارعين العاملين في القمح والشعير والخضروات إلا أنها لم تفِ بوعودها وحتى قراراتها الرسمية، سواء من الدعم اللوجستي أو حتى على صعيد التسويق لمنتجات الفلاحين، وأزمة البصل الأخيرة في سوريا دليل على مدى تخبط وتدهور مؤسسات الزراعة السورية.

في العموم، وخلال السنوات الماضية ونتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية في سوريا، تنامت المشاريع المنزلية متناهية الصغر، من مختلف الأنواع، فضلا عن ظهور أعمال جديدة بين السوريين أفرزتها الحرب رغما عن الواقع، فبغير ذلك لن يستطيع المواطن تمرير حياته اليومية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات