في ظل الأزمات المستمرة التي يعاني منها السوريون منذ سنوات طويلة، لم يكن ينقصهم من كل ذلك إلّا الزلزال المدمّر الذي فاقم فجوة الأزمة وعمّقها على كافة الأصعدة، باعتبار أن الاقتصاد هو عجلة الحياة.

زلزال شباط/فبراير الماضي الذي ضرب سوريا وتركيا، بدأت نتائجه وتداعياته بالظهور تدريجيا، بما في ذلك ما كشف عنه تقرير أممي مؤخرا والذي تحدّث عن وجود 170 ألف سوري فقدوا وظائفهم بسبب الزلزال. واعتبر مسؤولون في حكومة دمشق أنها إحصائية تستند إلى تقديرات وشهادات أشخاص، متوقعين ارتفاع معدل البطالة المؤقتة إلى 45 بالمئة، بحسب زعمهم.

170 ألف شخص خسروا وظائفهم

نحو ذلك، كشفت منظمة “العمل الدولية” (آيه أل أو) عن تأثير الزلزال الذي ضرب البلدين المجاورَين، على العمالة، ودعت إلى دعم عاجل للذين فقدوا وظائفهم وسُبل عيشهم، مضيفة في تقريرها الصادر يوم الثلاثاء الماضي، أن حوالي 170 ألف عامل فقدوا وظائفهم نتيجة هذه المأساة التي حدثت في سوريا.

الأمر الذي أثّر بشكل مباشر على أكثر من 725 ألف شخص، في حين بلغ عدد المشاريع المتوسطة الحجم والصغيرة ومتناهية الصغر المتأثرة بسبب الزلزال نحو 35 ألف مشروع، وقد أدت هذه البطالة المؤقتة إلى خسارة في الدخول يساوي 5.7 ملايين دولار شهريا على الأقل.

بحسب تقديرات المنظمة الدولية، كانت حلب وحماة وإدلب واللاذقية وطرطوس موطنا لما يقدّر بنحو 42.4 بالمئة من إجمالي سكان سوريا، منهم 7.1 مليون شخص في سن العمل، 16 عاما أو أكثر، و2.7 مليون يعملون في وظائف رسمية وغير رسمية.

تشكيك بالأرقام!

في السياق ذاته وتعقيبا على التقرير الدولي، زعم المحلل الاقتصادي الدكتور عبد القادر عزوز، أن هذه الإحصائيات عبارة عن تقديرات أو شهادات من بعض الأشخاص بسبب عدم معرفة المصادر التي تم الاعتماد عليها، وخاصة أنه لم يفصح أي مصدر رسمي عن عدد الأشخاص الذين خسروا أعمالهم، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الثلاثاء.

قد يهمك: موسم المآسي.. متضررو الزلزال في سوريا على قارعة الطرق والسبب؟ – الحل نت 

عزوز أرجع ذلك لأن جزءا كبيرا من أصحاب الأعمال يعملون ضمن منظومة اقتصاد الظل، مضيفا أن الجهات المسؤولة عن ذلك “وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية” والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية و”غرف الصناعة” في المحافظات المتضررة.

بالإضافة إلى أن الإحصائيات المنشورة تتناول أعمال القطاع الخاص، حرف وورش ومهن، التي تضررت حتما بشكل كبير بفعل الزلزال، على عكس عمال الخدمة العامة الذين ما زالوا قائمين على أعمالهم، وفق عزوز. وكأن الموظف الحكومي يعيش في نعيم، متناسيا أن الرواتب هزيلة ولا تكفي ليومين.

فضلا عن أن نسبة كبيرة من الموظفين الحكوميين يعملون في أعمال أخرى، مثل العتالة وسائقي سيارات الأجرة، وعمال البناء والترميم، بجانب مَن يعملون في المطاعم والمحال التجارية، وبالتأكيد أن هؤلاء باتوا اليوم بدون عمل بعد أن دمّر الزلزال مناطق واسعة من المحافظات السورية.

المحلل الاقتصادي يرى أن المشكلة تتمثل بفوات فرص العمل وإغلاق العديد من المنشآت والورش بسبب اضطرار أصحابها لذلك أو بسبب تهدّمها، ما أدى إلى خروجها من سوق العمل، وهذا يعني معاناة من بطالة مجددة مؤقتة لا تندرج تحت أنواع البطالة الهيكلية أو المقنعة أو الموسمية التي تعاني منها سوريا بالأساس نتيجة سنوات الأزمة الطويلة وخروج الكثير من المنشآت الصناعية والتجارية عن العمل، متوقعا ارتفاع نسب البطالة بسبب الزلزال بنسبة تتراوح بين 35-45 بالمئة.

حكومة متداعية

في سياق متّصل، فإنه عندما يندرج بعض الأشخاص تحت مسمى البطالة المؤقتة ريثما يجدون فرص عمل أخرى أو يعيدون افتتاح منشآتهم فهذا حتما سيكبدهم خسائر مادية، وهذا ما سيؤدي إلى إضعاف الطلب الفعّال الاستهلاكي الكلي في المجتمع، وبالتالي ستتباطأ العملية الإنتاجية، وتضعف القدرة على تلبية حاجات السوق والطلب. كما أن تداعيات هذا الأمر ستؤدي إلى انخفاض مردود النمو الاقتصادي لهذا العام لينخفض الناتج المحلي الإجمالي نتيجة لذلك، وفق التقرير المحلي.

الآثار التي تم الحديث عنها ستؤدي إلى زيادة العجز في الموازنة العامة، ولكن يمكن معالجة ذلك من خلال لجوء الحكومة إلى الاستدانة العامة والتمويل بالعجز لمواجهة تلك التداعيات، وفق ما يراه المحلل الإقتصادي. بالتالي لا بدّ من الحكومة السورية اتخاذ إجراءات حقيقية حيال هذه البطالة، من خلال جبر الضرر والتسريع في معالجة تداعيات الزلزال لإعادة إطلاق الأنشطة مجددا.

هذا وتوقع الخبراء بأن التداعيات ستكون كارثية وطويلة الأمد، وبالنظر إلى وجود تضخم وندرة لبعض السلع في الأسواق السورية قبل وقوع الزلزال فإن الوضع سيزداد سوءا في الوقت الحاضر وفي المستقبل القريب أيضا، إذ ستنخفض الأعمال وحركة السوق التجاري، وبالتالي حدوث حالة من الركود في الأسواق والوضع العام، وليس فقط على المتضررين من الزلزال وإنما على عموم البلاد، وجزء من هذه التوقعات يحدث تدريجيا في الواقع السوري القاتم.

إلا أن تقديرات المحللين تقول إن الحكومة السورية في الأساس مفلِسة وتعاني من عجز في ميزانيتها، وحتى الآن لم تقدم حلول ومساعدات جديدة وحقيقة لمتضرري الزلزال. حيث أصدرت بعض القرارات الرنانة، من إطلاق قروض بقيمة 3 ملايين ليرة فقط، وهو مبلغ لا يمكن تأمين أجار لسنتين لأي عائلة نازحة من جرّاء الزلزال.

بالإضافة إلى أن شروط القرض صعبة ونسبة قليلة من المتضررين تنطبق عليهم، ومن هنا يمكن القول بأن دمشق في ظل عدم قدرتها على تأمين الخدمات الأساسية العامة للمواطنين، مثل الوقود والكهرباء والمياه، أو تأمين المواد الأساسية مثل الخبز والغاز وغيرها، فكيف لها أن تقدم يد العون لمتضرري الزلزال ومن ثم معالجة آثاره ولا سيما مسألة البطالة التي تلازم سوريا منذ سنوات طويلة.

الوضع يزداد سوءا بالنسبة للمواطن السوري، ارتفعت الأسعار في قطاع العقارات، من ناحية الإيجارات وتكلفة ترميم المنازل، حيث باتت عملية إكساء شقة مساحتها 100 متر تتراوح بين 200 إلى 300 مليون ليرة، للبناء على الهيكل، وهو ما يظهر مدى ارتفاع الأسعار إلى جانب غياب الدور الرقابي الحكومي لهذا الارتفاع غير المنطقي.

لذلك فإن المواطن السوري، وخاصة المتضرر والذي فقد عمله، سيبقى في مهب الريح، حتى يجد مخرجا له، إما بالعمل الشاق ولساعات طويلة من أجل تأمين لقمة عيشه، أو ينتهي به المطاف في بلد اللجوء، مثل ملايين اللاجئين السوريين في الخارج.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات