تطورات متسارعة يشهدها ملف عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، فبعد بدء الاجتماعات الرباعية على مستوى نواب وزراء خارجية كل من روسيا وتركيا وسوريا وإيران، تمهيدا للقاء وزراء الخارجية، بدأ الحديث عن ترتيب لقاء محتمل على مستوى رئاسي بين تركيا وسوريا خلال الفترة القادمة.

لقاء كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، تشوبه ربما العديد من العقبات، خاصة فيما اذا قرر الجانبان المضي في عودة العلاقات، في ظل اشتراط الأسد انسحاب القوات التركية، واشتراط تركيا تحقيق الاستقرار في المنطقة لا سيما على الحدود المشتركة فضلا عن المضي قدما في الحل السياسي للأزمة السورية.

هذه العقبات تطرح التساؤلات حول مدى تأثير القمة الرئاسية إذا حصلت، على استقرار الجغرافية السورية وعموم التأثيرات على الملف السوري، فهل تنجح أنقرة في دفع العملية السياسية في سوريا، عبر استغلال شروط دمشق المتعلقة بالانسحاب، خاصة وأن أنقرة ألمحت سابقا إلى أنها غير متمسكة بالبقاء عسكريا في سوريا إذا تم حلّ مخاوفها الأمنية.

لقاء أردوغان والأسد؟

يبدو أن أنقرة متعجلة لهذا اللقاء أكثر من دمشق، إذ إن جميع المبادرات والدعوة للقاءات المشتركة تخرج من الجانب التركي، في حين تكتفي دمشق بالتعليق أحيانا على هذه الدعوات، إضافة إلى الإعلان عن شروطها للاستمرار في ملف عودة العلاقات الثنائية، مما يدل على أن عامل الوقت ليس في صالح أنقرة ربما بسبب اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.

حديث عن لقاء مرتقب بين أردوغان والأسد، أعلن عنه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، حيث قال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد يلتقي الرئيس السوري بشار الأسد، مطلع شهر أيار/مايو المقبل، مشيرا إلى أن اللقاء قد يشمل كذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني إبراهيم رئيسي.

هذا اللقاء لم يعلّق عليه حتى اللحظة الجانب السوري، لكنه يأتي تزامنا مع الاجتماع الرباعي بين كل من روسيا وإيران وتركيا وسوريا في العاصمة الروسية موسكو، وذلك بمشاركة وزراء دفاع ورؤساء استخبارات الدول الأربع “بهدف حل القضايا العالقة من خلال المفاوضات من أجل ضمان السلام والهدوء في المنطقة”.

من المتوقع أن تُطرح على طاولة التباحث اليوم الثلاثاء في موسكو العديد من الملفات الأمنية والعسكرية الشائكة، خاصة لجهة الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، والذي تعتبره دمشق “احتلالاً”، بينما تؤكد أنقرة أنه لدرء المخاوف على الأمن القومي التركي بسبب وجود “قوات سوريا الديمقراطية”.

قضايا عالقة

ربما سيتوجب على المجتمعين في اللقاء الرباعي، حل العديد من القضايا العالقة بين أنقرة ودمشق، لتهيئة الأجواء من أجل عقد اللقاء بين أردوغان والأسد، فحتى الآن لا تبدو قنوات التواصل جيدة إلى حدّ الدعوة للقاء رئاسي تركي – سوري، رغم الجهود الروسية بهذا الاتجاه.

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، رأى أن الأجواء والتعقيدات في تركيا وسوريا وملف عودة العلاقات لا تساعد حتى الآن على عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، رغم بعض المؤشرات الإيجابية التي ظهرت مؤخرا، مشيرا إلى أن هذا اللقاء يتطلب التوصل إلى تفاهم بين الجانبين على شكل العلاقات المستقبلية بينهما.

علوش قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “عامل الوقت القصير والانشغال التركي بالانتخابات والتعقيدات التي تواجه الحوار التركي السوري، لا تُساعد جميعها في احتمال حصول لقاء بين أردوغان والأسد في المستقبل المنظور. مع ذلك، فإن روسيا تضغط باتجاه عقد مثل هذه القمة في إطار الآلية الرباعية. التطور المحتمل الذي يُمكن أن يطرأ في فترة زمنية قصيرة قبل الانتخابات هو تطوير الاجتماعات الرباعية إلى مستوى وزراء الخارجية”. 

هناك مساران رئيسيان للحوار الجاري بين دمشق وأنقرة، وهما المسار السياسي والأمني، إذا يسعى الجانبان إلى التوصل إلى تفاهم على هذه المسارات، وهنا يمكن الحديث عن لقاء إيجابي على مستوى الرئاسة للوصول إلى شكل جديد للعلاقات المستقبلية بين أنقرة ودمشق.

تأثير اللقاء على الملف السوري

أبرز التأثيرات على الملف السوري من خلال اللقاءات الثنائية، تتعلق بالوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، التي اشترطت دمشق إنهائه من أجل المُضي قدما في عودة العلاقات، في وقت تسعى فيه تركيا لضمان الاستقرار على الأراضي السورية خاصة  في المناطق الواقعة على الحدود المشتركة، وذلك من خلال رؤية جدية دمشق من أجل التقدم بالعملية السياسية في سوريا.

قد يهمك: بدعمها لقوات “الدعم السريع”.. موسكو تؤجج الصراع في السودان؟

حول ذلك أضاف علوش، “هناك مؤشرات إيجابية أظهرها الطرفان مؤخرا فيما يتعلق بالحوار، وأعتقد أن إمكانية التوصل إلى تفاهم حول القضايا الأساسية العالقة مُمكنة جدا إذا ما توفّرت الرغبة لدى الطرفين، فضلا عن أهمية الدور الذي تقوم به روسيا بهذا الخصوص. تركيا ليست متمسكة ببقاء قواتها في سوريا إلى الأبد وتحدثت بصراحة عن أن انسحابها مرهون بمعالجة مطالبها الأمنية ودفع التسوية السياسية”

أما فيما يتعلق بالعملية السياسية في سوريا، فحتى الآن لا يبدو أن هناك طرف دولي قادر على ممارسة ما يكفي من الضغط على دمشق، من أجل المضي في خيار التسوية السياسية، خاصة بعد فشل جميع المساعي الدولية والأممية السابقة، وهنا لفت علوش إلى أن “الورقة القوية التي تمتلكها تركيا لممارسة مثل هذا الضغط تتمثل بشكل أساسي في وجودها العسكري على الأرض”.

الجانب السوري حتى اللحظة لم يبدي رغبته في تسريع عمليات الحوار واللقاءات الثنائية، إذ يبدو أن دمشق غير متشجعة لفكرة الاجتماع على مستوى الرئاسة بين الجانبين قبل الانتخابات، وهنا أوضح علوش أن الأسد ربما يعتقد أن “حصول مثل هذا اللقاء سيفيد أردوغان انتخابيا وبأن المعارضة لديها فرص كبيرة للفوز”.

برأي علوش فإن هناك “ثلاثة أهداف للاستراتيجية التركية الجديدة في سوريا، أولا التوصل إلى تعاون أمني مع النظام وحلفائه ضد قوات سوريا الديمقراطية، والمساعدة في إعادة اللاجئين ودفع العملية السياسية، فالحوار مع النظام ليس غاية لأردوغان بقدر ما هو وسيلة للوصول إلى هذه الأهداف”. 

أما بشار الأسد فهو يسعى للضغط على تركيا من أجل سحب قواتها العسكرية من الأراضي السورية، إضافة إلى وقف دعم المعارضة بكل أشكالها، لكنه يعلم أن هناك ثمن يجب أن يدفعه مقابل تحقيق هذه الأهداف.

يبدو أن الضغوط الروسية لعبت دورا في زيادة وتيرة دخول دمشق بالحوار مع أنقرة، فقد تراجعت دمشق مؤخرا عن رفضها التام المشاركة في الاجتماعات الرباعية، ويبدو أن عقد اجتماع وزراء الخارجية أصبح مسألة وقت، وسيكون ربما تمهيدا للقاء بين الأسد وأردوغان خلال الفترة القادمة.

مساعي روسيا لعقد اجتماعات رباعية، جاءت بعد اقتحام إيران للشراكة الروسية التركية، التي حاولت تهميش الدور الإيراني في وقت من الأوقات، وقد اقتحمت طهران هذه الشراكة من بوابة “أستانا”، فهي لا تريد اتفاقيات ثنائية خارج “أستانا”، كونها قد تحمل بنودا تتعارض مع مصالحها، فضلا عن إدراكها أن دور روسيا في الوساطة بين أنقرة ودمشق، قد يكون بمثابة “اتفاقية ثنائية”، تُبعد إيران من الطاولة الثلاثية. 

ربما تتوقف احتمالية عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد، على نتائج الاجتماع الرباعي في موسكو، فكلما استطاعت الأطراف المجتمعة التوصل إلى صيغة مناسبة للبدء بحل المشاكل الأمنية والسياسية، كانت الأجواء ملائمة أكثر لعقد هذا اللقاء، أما فيما يتعلق بالانسحاب العسكري التركي، فدمشق تدرك أنها لا يمكن أن تضع ذلك شرطا لاستمرار المباحثات، وأقصى ما يمكن تحقيقه هو وضع خارطة زمنية لتحقيق هذا المطلب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات