التسمم بالمبيدات والمواد النباتية التي أدت إلى وفيات مأساوية في سوريا، هي أحدث القصص التي كانت بسبب انتشار التجارة الاحتيالية والغش المادي بنسبة هائلة وبشكل مذهل. وعلى وجه التحديد، هناك الآن حالة معقدة ومزيج معقّد من الغش والخروج على القانون داخل البلاد.

منذ بداية عام 2023، يكافح الشعب السوري لمواجهة تداعيات الكوارث المدمرة التي حلت به. الوضع على الأرض معقّد بسبب التجارة المتفشية في المواد المحظورة والاحتيالية. التقارير الإخبارية تشير إلى أن التجارة غير المشروعة والاحتيال المادي في سوريا آخذان في الازدياد، ومنتشرين على نطاق واسع خصوصا داخل المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة.

مأساة تضرب الأسرة بعد محاولة علاج القمل

لقيت أم سورية وبناتها خبرا مفزعا يوم الأحد الفائت، بوفاة ابنتها البالغة من العمر 7 سنوات، بعد استخدام علاج للقمل اعتقدت عند استخدامه أنه مركّب غير ضار، لكن بعد الفحوص الطبية تم التأكد من أن الخليط يتكون من مواد غير آمنة.

المداواة بالأعشاب في عدم وجود نشرة بالأعراض الجانبية للعشبة المتناولة - إنترنت
المداواة بالأعشاب في عدم وجود نشرة بالأعراض الجانبية للعشبة المتناولة – إنترنت

الحادثة بدأت عند شراء الأم مادة مركبة لعلاج القمل من بائع يركب مواد خاصة بالنباتات، بناء على نصيحة من إحدى الجارات، وبعد غسل شعر بناتها الثلاث بالمستحضر، بدأت الأعراض تظهر على الابنة الكبرى، منها فقدان الوعي، واحمرار شديد في الملتحمة، وخروج زبد من الفم، وانخفاض الضغط، حركات اختلاجية مترددة.

الطبيبة في مشفى الأطفال الجامعي، الدكتورة علياء معتصم حرب، في تصريح لصحيفة “البعث” المحلية، أكدت أن أهم ما لوحظ على الطفلة أثناء الفحص السريري “الحدقات الدبوسية” التي تُعتبر مؤشرا أساسيا على التسمّم بالمبيدات الحشرية، وهو الأمر الذي لم تلحظه الأم على الإطلاق.

بعد أن تم نقل الطفلة من الإسعاف إلى الإقامة المؤقتة للمراقبة، وإجراء تنبيب أنفي رغامي، إلا أن حالتها تطوّرت وتوقف قلبها، ما أدى لوفاتها، ليتمّ بعدها وفي اليوم نفسه إسعاف أختيها بعد ملاحظة الأم لبعض الأعراض التي بدأت بالظهور عليهما كاستفراغ وألم بطني، ولكونها طبّقت الوصفة على الطفلات الثلاث تداركت الأمر وسارعت بإسعافهنّ، خوفا من أن يلقينَ مصير أختهنّ.

هذا الحادث أثار المخاوف بشأن استخدام المبيدات في الخلطات الطبية المصنّعة محليا، لا سيما تلك التي لم توافق عليها الحكومة أو وزارة الصحة. ويمكن أن يكون لاستخدام مبيدات الآفات غير المعتمدة عواقب وخيمة، كما يتضح من هذا الحادث المأساوي.

مخاطر العلاجات الرخيصة

في حين أن الكثيرين في سوريا يستخدمون العلاجات المركّبة محليا كبديل للطب الرسمي، فإن مثل هذه الحوادث بمثابة تذكير مؤلم بالمخاطر التي تأتي مع استخدام مثل هذه العلاجات. ويتحمل الأهل وحدهم هذه المسؤولية إذ لا تحقيق يجري لمعرفة وملاحقة الأشخاص المسؤولين عن إنتاج وبيع هذه العلاجات.

بنظر القانون فإن المستهلك هو الوحيد المسؤول عن شراء المنتجات من عدمه، حيث إنه لا يمكن أن يُباع منتج بسعر زهيد جدا ومغاير عن سعره الأصلي بدون أن يسبب ضررا لمشتريه. 

طبقا لتصريحات الدكتورة خلود المحمود، استشارية أمراض جلدية وتناسلية وليزر، فإنه في ظل الاهتمام الدائم للمرأة باقتناء مختلف المواد والمساحيق والكريمات، خاصة مع كثرة الدعايات في مواقع التواصل الاجتماعي، واجهت بعض النساء أضراراً كثيرة لحقت بصحتهنّ النفسية، من جراء شراء مستحضرات غير معروفة وبأسعار زهيدة دون التأكد من هذه المنتجات.

محلات مستحضرات التجميل في سوريا - إنترنت
محلات مستحضرات التجميل في سوريا – إنترنت

إلا أن الوفيات والإصابات الجلدية المباشرة لفتت الانتباه على نطاق واسع إلى مخاطر الأدوية البديلة غير الملائمة. فيما كانت هذه المأساة بمثابة تحذير واضح لجميع السوريين الذين يبحثون عن طرق بديلة للعلاج.

الغش يستشري في سوريا

في ظل الغلاء المستمر بأسعار المواد الغذائية، والتي أصبحت تشكل عبئا ثقيلا على السوريين، تعيش الأسواق السورية حالة من الانفلات والفوضى وانتشار المواد المغشوشة، حيث يستغل بعض الباعة رغبة الأهالي في شراء المواد الرخيصة من أجل بيع مواد غير مطابقة للمواد القياسية.

في أحدث بيانات صادرة عن محافظة اللاذقية وحدها، بلغت قيمة الغرامات المالية للضبوط التموينية في المحافظة خلال الربع الأول من العام الحالي نحو 30.375 مليار ليرة سورية.

فقدان الثقة في قطاع الصحة دفع الكثير من السوريين إلى الاعتماد على المداواة بالأعشاب - إنترنت
فقدان الثقة في قطاع الصحة دفع الكثير من السوريين إلى الاعتماد على المداواة بالأعشاب – إنترنت

المديرية ووفقا لما نشرته، نظّمت خلال هذه الفترة 290 ضبطا بحق بعض المستوردين لعدم إصدارهم الصكوك السعرية الخاصة بهم، وأصحاب المخابز لسوء نوعية الخبز ونقص الوزن وتهريب الدقيق التمويني.

كما طالت مخالفات متعلقة بالاتجار بالمشتقات النفطية في السوق السوداء، والغش والتدليس في صناعة المواد الغذائية وغير الغذائية، والاتجار بالمواد الإغاثية، وحيازة المواد منتهية الصلاحية، والبيع والإعلان بسعر زائد، والمواد مجهولة المصدر.

أيضا تم تنظيم 478 ضبطا لعدم الإعلان عن الأسعار وأجور الخدمات، وعدم حيازة الفواتير في مجال الألبسة والأحذية والمواد الغذائية والمواد الصحية والكهربائيات.

عند تحليل مثل هذه الأعمال غير القانونية، يبدو أن إجراءات الحكومة السورية لقمع هذه الأنشطة غير القانونية لم تفضِ إلى نتيجة، حيث لا يزال الشعب السوري يعاني من تداعيات هذه الأنشطة غير القانونية التي لا تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة الإنسانية في البلاد.

الغش والفوضى في الأسعار، يوحي بالتأكيد بمدى تدهور الوضع المعيشي في سوريا، فضلا عن عجز الجهات الحكومية عن فعل أي شيء وهي تشاهد المواد الغذائية المغشوشة تباع للسوريين، وتكتفي بإطلاق التبريرات والوعود بمحاسبة المفسدين والتجار المحتكرين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات