وسط أصداء الصيحات المؤلمة للجرحى في أروقة المشافي السورية، تتكشف مأساة صامتة داخل جدرانها، فخلف الأبواب المغلقة، حيث يجب أن يكون الأمل، تبرز حقيقة قاسية وهي مشكلة تعطل الأجهزة الطبية والتي تُزيد من معاناة المستشفيات السورية، وتُزيد من معاناة المرضى وتغرق نظام الرعاية الصحية في دوامة الفشل.

مع احتدام الأوضاع داخل البلاد، تجد المستشفيات السورية، التي كانت ذات يوم منارات للشفاء، نفسها في قبضة أزمة لا حلول لها. فداخل ممرات المجمعات الطبية يخوض الأطباء والممرضون معارك يومية ضد هجوم المرضى للتداوي؛ لكن أيديهم مقيدة، بسبب أن أسلحتهم والأدوات التي تهدف إلى مساعدة المرضى والتي كانت في السابق وسيلة لإنقاذ الأرواح، باتت ميتة سريريا.

فشل إصلاح المعدات ومشكلة “المرنان”

نظام الرعاية الصحية في المستشفيات والمرافق الطبية داخل سوريا يواجه العديد من العقبات من نقص الكوادر إلى ارتفاع الأسعار وصولا إلى مشكلة الأجهزة المتعطلة والتي كانت في يوم من الأيام تعزف سيمفونية الأمل للمرضى في تشخيص المرض أو كشف نجاح العلاج.

معاناة المرضى من نقص الكوادر الطبية في سوريا - إنترنت
معاناة المرضى من نقص الكوادر الطبية في سوريا – إنترنت

لم تتوصل لغاية الآن الجهات المعنية بحسب ما كشفته صحيفة “الوطن” المحلية اليوم الثلاثاء، لمعالجة جذرية لمشكلة تعطل الأجهزة وخاصة “المرنان” في عدد من المشافي التابعة للتعليم العالي، من دون تجاهل مساعي مشفى دمشق “المجتهد” لتأهيل الجهاز وتخفيف الضغط عليه في ظل المعاناة الكبيرة على صعيد تأمين القطع التبديلية.

مدير عام مشفى “المواساة”، عصام الأمين، أكد تعذّر إصلاح الجهاز رغم مخاطبة مختلف الجهات والمنظمات، قائلا “لم نترك بابا إلا وطرقناه لإيجاد حل لهذا الموضوع”.

أما حول مشفى دمشق “المجتهد” فقد أفادت الصحيفة أن جهاز “المرنان” مخصص منذ العيد الماضي للمقبولين في المشفى، في ظل إجراء أعمال صيانة للجهاز ليعود لعمله كالمعتاد خلال الأسبوعين القادمين، ولاسيما مع الضغط الكبير لعدد الصور في المشفى وخاصة أنه الوحيد الذي كان يستقبل مختلف الحالات نتيجة تعطل عدد من الأجهزة في مشافٍ أخرى.

عدد الصور التي كانت تُجرى يوميا تصل إلى الـ 70 صورة، وبالتالي أصبح من الضرورة إجراء أعمال صيانة للجهاز تجنبا لأية أعطال أخرى.

ارتفاع التكاليف.. أعباء على المرضى

عواقب هذه الأزمة باتت محسوسة مع كل نفس وكل نبضة قلب وكل دمعة، فالمرضى، الذين يبحثون عن الشفاء  يجدون أنفسهم بدلاً من ذلك تحت رحمة القدر، محاصرين داخل متاهة من الوعود، ومحرومين من التشخيص والعلاج والتدخلات في الوقت المناسب التي يمكن أن تقلب النتيجة لصالحهم.

معاناة المرضى من نقص الكوادر الطبية في سوريا - إنترنت
معاناة المرضى من نقص الكوادر الطبية في سوريا – إنترنت

وراء جدران هذه المستشفيات، يواجه المرضى الارتفاع الكبير لأجور التحاليل الطبية وعدم القدرة على تأمين جميعها ضمن مشافي الدولة، ليبقى الخيار الوحيد هو المخابر الخاصة، علما أن المعلومات تؤكد عدم صدور أي تعرفة جديدة رسمية للمخابر، حتى تجد اختلافا في الأسعار بين مخبر وآخر.

حدة تأثير هذه المشكلة اشتدت في ظل الأعباء المتزايدة على المواطنين المرضى، وخاصة مع الكلف الكبيرة التي يتكبدها المريض باللجوء إلى القطاع الخاص ليتقاضى أجورا كبيرة تصل لمليون ليرة للصور، في وقت كانت فيه تقدم مجانا للمقبولين في المشافي وبـ 9 آلاف للمرضى غير المقبولين؛ وبالتالي هناك عشرات الأضعاف فارق في السعر.

ما يحدث بسبب فروق الأسعار يراه مواطنون أنه قوى شريرة تقبع في الظل، حيث أصبحت التكاليف المتزايدة المرتبطة بفشل المعدات عبئا لم يعد بإمكان المواطنين المرضى تحمله.

إن خلل أو عدم وجود المعدات الطبية في المستشفيات السورية له آثار مالية وخيمة على المرضى. فعندما تبقى الأجهزة الحيوية، مثل أدوات التشخيص، معطلة أو غير متوفرة لفترة طويلة، يقع عبء البحث عن خيارات بديلة على المرضى وعائلاتهم. ونتيجة لذلك، يضطرون إلى الإبحار في مشهد من ارتفاع التكاليف في سعيهم للحصول على رعاية طبية مناسبة، مما يدفعهم أكثر إلى هاوية الضغوط المالية.

الافتقار إلى التعريفات الرسمية

رئيسة “رابطة التخدير وتدبير الألم” في نقابة الأطباء، زبيدة شموط، أشارت للصحيفة المحلية، إلى أن التأخير في إصدار التعرفة يصب في مصلحة العديد من المشافي الخاصة بل هي مكافأة لها باعتبار أن هذه المشافي تستغل الفرصة لوضع أسعار عشوائية وغير منتظمة.

معاناة المرضى من نقص الكوادر الطبية في سوريا - إنترنت
معاناة المرضى من نقص الكوادر الطبية في سوريا – إنترنت

الرسوم الباهظة التي يفرضها مقدمو الرعاية الصحية الخاصة وصلت إلى مستويات مذهلة في سوريا. أصبح التصوير التشخيصي، وهو أداة أساسية للتشخيص الدقيق وتخطيط العلاج، رفاهية لا يستطيع الكثيرون تحملها. التكاليف المرتبطة بهذه الخدمات خلقت عبئا ماليا لا يمكن التغلب عليه، مما أجبر المرضى السوريين على تقديم تضحيات لا يمكن تصورها، مثل بيع الأصول، أو الاقتراض، أو استنفاد مدخراتهم، لمجرد الوصول إلى الرعاية الطبية اللازمة.

معاناة المرضى في سوريا لم تتوقف عند تعطل الأجهزة الطبية فقط، إذ إن المستشفيات في البلاد تعاني من نقص حاد في الأطقم الطبية والأدوية، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط عليها بشكل كبير بسبب أعداد المراجعين.

ففيما يتعلق بموضوع أطباء التخدير، جددت شموط تحذيرها من تناقص أعداد الأطباء المختصين في هذا الاختصاص، موضحة أن الكادر الطبي خسر حوالي 30 بالمئة من أطباء التخدير ما بين سفر وتقاعد ووفاة، حيث إن نسبة الشباب من أطباء التخدير لا تتجاوز 30 بالمئة؛ وبالتالي فإن 70 بالمئة من الأطباء هم في أعمار قريبة للتقاعد، لافتة إلى أن عدد المقيمين الجدد الذين سجلوا هذا العام في مشافي وزارة الصحة اختصاص تخدير 13 طبيبا.

نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، فإن البلاد تشهد منذ سنوات هجرة غير طبيعية للأطباء الذين يفضلون العمل خارج سوريا، حيث الرواتب أفضل، في ظل انعدام الفرص داخل القطاعات الحكومية والخاصة داخل البلاد.

الأطباء السوريون لا يسعون للهجرة إلى الدول المتقدمة فقط، بل إنهم يبحثون عن أي فرصة للهجرة والعمل طالما أنها خارج سوريا، وقد أكد في وقت سابق المسؤول العلمي في “رابطة التخدير” في سوريا الدكتور فواز هلال، أن “أطباء سوريا يهربون إلى دول فقيرة ومتخلفة ومأزومة وتعيش حروب، كيف لدولتي اليمن والصومال أن تستقطب الطبيب السوري ونحن لا نستطيع التمسك به”.

في خضم الأزمة الإنسانية، تعتمد المستشفيات في سوريا بشكل كبير على الأجهزة الطبية الوظيفية لتوفير الرعاية الحرجة للمرضى، لكن أزمة المستشفيات السورية التي تعاني من الأجهزة المعطلة تزيد من معاناة المرضى الذين يشتكون أساسا من ارتفاع الأسعار فضلا عن مواجهة القطاع الطبي في سوريا خطر الانهيار منذ سنوات، بسبب استمرار ظاهرة هجرة الأطباء خارج البلاد أملا في الحصول على فرص عمل أفضل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات