استمرار حالة الاستقطاب السياسي.. كيف تُفكك معادلة الانتخابات التركية؟ 

بين تنامي شعبية الكتلة القومية الموزعة بين المرشحين الرئاسيين، رجب طيب أرودغان وكمال كليجدار أوغلو، ودخول الكتلة الكردية كرقم صعب في معادلة الانتخابات، لا تبدو الجولة الثانية والحاسمة من الاستحقاق الانتخابي التي ستجري في 28 أيار/مايو الجاري سهلة على الطرفين سواء كان الرئيس الحالي أردوغان، أو مرشح المعارضة أو تحالف الأمة كمال كليجدار أوغلو. 

في ظل وجود حالة استعصاء انتخابي حيث باتت المعادلة معقدة لأن استقطاب أصوات القوميين يعني التفريط بأصوات الأكراد على سبيل المثال، فإن سيناريوهات انتهاء معادلة الانتخابات ليست واضحة تماما. ففي هذه الانتخابات أثبتت الحركة القومية قوتها إلى جانب الكتلة المحافظة التي طالما كانت كتلة صلبة تؤمن الفوز لمرشحها، كما لا يزال الأكراد رقما صعبا بالرغم من أن زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين ديمرتاش لا يزال يقبع في السجن منذ العام 2016. 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تقدم في الانتخابات الرئاسية بجولتها الأولى (منذ حوالي الأسبوعين) بفارق 5 نقاط عن أقرب منافسيه رئيس “حزب الشعب الجمهوري” ومرشح تحالف الشعب المعارض، كمال كليجدار أوغلو، بينما حلّ سنان أوغان ثالثا بفارق كبير جدا، وكان المرشح الرابع محرم إينجه انسحب من السباق الانتخابي. 

أردوغان حل الأول في 51 محافظة منها 14 مدينة كبرى يتركز أغلبها على سواحل البحر الأسود ووسط الأناضول، بينما تقدّم كليجدار أوغلو في 30 محافظة منها 16 مدينة كبرى، يقع أغلبها على الشريط الساحلي الغربي (معقل حزب الشعب الجمهوري)، وجنوب شرق البلاد (معقل حزب الشعوب الديمقراطي)، بينما لم يحل المرشح الثالث في المرتبة الأولى في أي محافظة. 

نتيجة استمرار حال الاستقطاب السياسي ورهانات كل طرف على استنفار قاعدة دعمه الانتخابي يتوقع أن تجرى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بالقدر نفسه من الحماس. مع ذلك، تبدو فرص الرئيس أردوغان أفضل بسبب الفارق في الأصوات التي حصدها مقارنة بمنافسه، وهو الفارق الذي يبلغ زهاء مليونين ونصف مليون صوت، وحصول تحالفه على أغلبية البرلمان ما قد يشجع على تصويت متناغم في الإعادة لتجنب الصدام بين الرئاسة والبرلمان.

مع ذلك يبدي بعض المراقبين المحسوبين على الحزب الحاكم تخوفات من أن تركن قاعدته الانتخابية إلى فكرة الفوز المحتم وتتثاقل عن الخروج للتصويت؛ في مقابل نجاح المعارضة في استنفار جمهورها.

معادلة صعبة

معادلة الفوز بالانتخابات التركية تشمل الفوز بأصوات المرشح الثالث سنان أوغان، وفي نفس الوقت عدم خسارة الأصوات التي حاز عليها كل من المرشحين أردوغان وكليجدار أوغلو. 

الكاتب المختص بالشؤون التركية عبد الله سليمان أوغلو، يوضح لـ”الحل نت” أن السباق الرئاسي اشتد مرة أخرى حول نقطتين، الأولى كيفية الحفاظ على الأصوات التي حصل عليهما كلا المرشحين في الجولة الأولى. والنقطة الثانية كيفية جذب الأصوات التي صوتت لسنان أوغان، وكذلك هناك كتلة 8.5 مليون ناخب لم تصوت وامتنعت عن الذهاب الى صناديق الاقتراع. 

بالنسبة للنقطة الأولى، يرى سليمان أوغلو أن تحالف الجمهور مهمته أسهل على اعتبار أنه لا يوجد تغيير كبير في خطابه وبرنامجه الانتخابي، ويدخل الانتخابات بجولتها الثانية وبين يديه أغلبية برلمانية وتقدم بـ 4.6 نقاط بفارق 2.5 مليون صوت تقريبا، بينما تحالف الأمة غير من خطابه وركز على بقاء الدولة واستقلاليتها والروح القومية ومسألة إعادة اللاجئين قسرا. 

في حين فإن المرشح الحاصل على المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية التركية سنان أوغان أعلن تأييده للرئيس رجب طيب أردوغان في مواجهة مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو في الدورة الثانية.

مرشح المعارضة كليجدار أوغلو رد في تغريدة على “تويتر” على قرار أوغان: “بات واضحا من يقف بجانب هذا البلد الجميل، ومن يقف بجانب بيعه!”، وأضاف: “نحن قادمون لإنقاذ هذا البلد من الإرهاب واللاجئين”. 

وفي مؤتمر صحافي قال أوغان إن المعارضة التركية “لم تستطع أن تقنعنا ولم تتمكن من الحصول على أغلبية البرلمان”، مشددا على أن الرئيس الجديد يجب أن يكون في حالة توافق مع البرلمان. وقال أوغان إن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لها أهمية بالغة، “لذا قمنا باستشارات موسعة مع المسؤولين في تحالف الأجداد”. وأوضح أن قرار دعم أردوغان كان بعد التشاور مع المسؤولين في حزبه، مشيرا إلى أنه عقد لقاءات مع مرشحي تحالف الجمهور وتحالف الشعب. 

السؤال هنا، كيف ستكون سيناريوهات تفكيك هذه المعادلة مع تنازل سنان أوغان للرئيس رجب طيب أردوغان.

سليمان أوغلو يوضح أن من صوت لسنان أوغان ليست كتلة متجانسة، وإنما يمكن تقسيمها الى عدة فئات فهناك القوميون الذين صوتوا لحزب الظفر ويؤمنون ببرنامجه المتمثل بإعادة اللاجئين وهم يمثلون تقريبا 2.2 بالمئة أي ما يمثل 40 بالمئة والباقون انتخبوه كخيار ثالث لا يريد التصويت لكلا المرشحين أو هم أنصار محرم انجه.

هناك مشكلة تتعلق بديناميكية حصول أوغان على نسبة جيدة من الأصوات، وتتمثل بأن غالبية الذين انتخبوا سنان أوغان في الجولة الأولى ليسوا بالناخبين المخلصين له الذين يمكنه أن يوجّههم لانتخاب مرشح آخر. أغلبهم انتخبوه لعدم رضائهم عن المرشحين الآخرين. بحسب تقرير لموقع “بي بي سي عربي”. 

رغم أن الأحزاب التي تنتمي إليها قاعدة أوغان الانتخابية، قد لا تلتزم مع خياره في الجولة الثانية لكن ذلك لا يمنع أن يتحالف مع أحد، ليبقى لاعبا في الحياة السياسية. ومن المتوقع أيضا أن لا يشارك ناخبو أوغان في الجولة الثانية، وهو ما يصب في مصلحة أردوغان إذا لم يتقاعس ناخبوه عن المشاركة. 

الأحزاب الكردية

نتائج الجولة الأولى كانت مخيبة بالنسبة للأصوات الكردية ومع حصول اتفاق الجمهور على الأغلبية البرلمانية لم يعد لأصواتهم قيمة في دعم هذه الكتلة أو تلك في الجولة الثانية.

الخبير بالشأن التركي  محمد طاهر أوغلو يؤكد لـ”الحل نت” أن الأصوات الكردية في كل الانتخابات هي رقم مهم لكن لا يمكن وضعها في كفة واحدة، فهناك نسبة كبيرة تدعم تحالف الجمهور، وهناك حزب إسلامي غالبيته أكراد وهو هدى بار الذي يدعم أردوغان، لكن طبعا غالبية المواطنين الأكراد يدعمون التيار اليساري المتمثل بحزب الشعوب وباليسار الأخضر حاليا. 

لكن هذه المشكلة تبدو مقتصرة على المعارضة حيث أن تحالف الجمهور الحاكم غير محتاج لأصوات هذه الشريحة وقد حسم انتخابات 2018 من أول جولة دون الاعتماد على أصواتهم، في حين لا يمكن لتحالف الأمة المعارض حسم الانتخابات بدون هذه الشريحة. 

الكتلة القومية

الكتلة القومية الموزعة بين 3 ناخبين أثبتت قوتها في الجولة الأولى من الانتخابات لكن كيف سيكون دورها في الجولة الثانية، وما مدى تأثيرها على السياسة التركية بعدها سواء في البرلمان أو الرئاسة. 

سليمان أوغلو يعتبر أن الأصوات القومية أقرب إلى تحالف الجمهور من تحالف الأمة المتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي واليسار الأخضر. 

مسألة حزب العمال الكردستاني خط أحمر بالنسبة للناخبين القوميين وكليجدار أوغلو مخير بين أمرين: إما الحفاظ على أصوات الأحزاب الكردية التي تمثل 10 بالمئة تقريبا من الأصوات أو محاولة الحصول على أصوات القوميين الذين صوتوا لأوغان. ومسألة إرضاء الطرفين والحصول على أصواتهما معا تبدو صعبة جدا. 

الكتلة القومية مهمة ودائما استطلاعات الرأي تخفق في فهم ذلك، ومعظم الاستطلاعات في 2018 و 2023 كانت تمنح الحركة القومية 6 و 7 بالمئة لكن رأينا كيف أنه حصد 11 بالمئة في الانتخابات البرلمانية. 

هناك أيضا شريحة قومية تدعم حزب الجيد، لكن هذه الشريحة غير محافظة مثل شريحة الحركة القومية. الصحفي طاهر أوغلو يؤكد أن  شريحة القوميين لا تقل عن 22 إلى 24 بالمئة كرقم تقريبي، لكنهم ليسوا متفقين على جميع الركائز والمبادئ، وبالتالي لا يتوقع أن يتوحدوا تحت جسم واحد على المدى القريب. 

الاستعصاء الانتخابي قد يبدو أكثر وضوحا على جبهة المعارضة إلى حد ما، لأنها اعتمدت منذ البداية على أصوات الشريحة الداعمة لحزب الشعوب الديمقراطي،  وأغفلت استقطاب الشريحة القومية العلمانية الأتاتوركية التي تنتقد التحالف مع حزب الشعوب ظنا بأنها كتلة غير مؤثرة، لكن بعد خسارة الجولة الأولى شعر مرشح المعارضة كليجدار أوغلو بأنه مضطر لإعادة حساباته ومحاولة جذب هذه الشريحة بأي ثمن، لكن هذا أمر شاق وصعب.

مع ذلك يلعب كليجدار أوغلو على الهجمات المضادة ضد تحالف الجمهور ومرشحه أردوغان، إلى جانب التركيز على ضرورة التغيير وتقديم وعود بالتصدي للإرهاب وطرد اللاجئين، وكلها نقاط  تهم الشريحة المستهدفة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات